نذيرُ العِلم
كامل نصيرات
كاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2025-09-09 الساعة 09:31
نيسان ـ ما إنْ أطلَّ الدكتور نذيرُ عبيدات على الجامعة الأردنية حتى بدا كأنَّ في بهوها قنديلاً أُشعل بالزيت لا بالكهرباء؛ نورٌ دافئٌ لا يبهرك، بل يأخذُ بيدك إلى مقعدٍ من خشبٍ قديم ليقول لك: «هاتْ ما عندك». فهو على خلاف كثيرٍ من أرباب المناصب يُحسن الإصغاء.
غير أنّ أجمل ما في الحكاية ليس الكُرسي، بل ما يُرادُ أن يُصنع عليه: رعايةُ البحث العلمي الحقيقي؛ ذاك الذي يُكتَبُ بالحبر والعرق، لا بزرّ «انسخ/ألصق» ولا بخرزةِ «ذكاءٍ اصطناعيٍّ مفلوت» يُستَعمَلُ كعكّاز غشّ، لا كعدسة نظر. قالها الرجل ضمناً: مهو مش كلّ إشي «بيزبط» بالاختصار؛ البحثُ أخلاقٌ قبل أن يكون أرقاماً. فيَعلو الصوت: بلاش فذلكة؛ المهمُّ أن تبقى الأدواتُ خدَماً لا أسياداً، وأن نُطفئ سراج (الانتحال) قبل أن نحسبه شمساً.
أعود للإصغاءُ فهو صنعةُ الرجل؛ تجلس إليه فتجده يهذّب الكلمات كمن يُمشّط ضفيرةَ طفلةٍ قبل العيد؛ لا يقطع حديثك، لا يلهيه استكبار أو غرور، لا يجرّك إلى عرضٍ من عروض (الكوتا الفكرية). تسمع منه: «أبشِر» لكنها «ابشر أكاديمية»؛ ثم ترى متابعةً لا «تطنيشاً»، وفعلاً لا (سحجة). وهنا سرُّ التجديد له: الإرادة الملكية لم تُجدِّد لكرسيٍّ، بل لأملٍ؛ قالت: لعلَّه يتمّ البناء، ولا يتحوّل «المشروعُ العلمي» إلى (صفقة استعراضية) تُزفّت على العيون، ثم تذوب عند أول مطر.
ما نريده من نذير عبيدات ليس أن يوزّعَ الألقابَ كالمسكوكات، بل أن يواصلَ نهجَ الإصغاء والعمل، وأن يرفعَ منسوبَ العلم حتى تغرقَ (الشعارات الموسمية) في مائها العذب لتصبح شعارات دائمة قابلة للتطبيق . فإذا اكتملَ هذا المشروعُ، صارت الجامعةُ مصنعَ معنى لا معرضَ صور؛ وصار الطالبُ كاتبَ قدره بيده، لا ناسخَ أقدارِ غيره بلوحٍ زجاجيٍّ لامع. وإنّي لعلى يقينٍ أنّ الطريق الذي بدَأَه بصبرِ طبيبٍ وصرامةِ أكاديميّ أشهى من الوصول؛ لأنّ الوصولَ كثيراً ما يُفسدُه التصفيق، أمّا الطريقُ فيُصلحُه العمل.
غير أنّ أجمل ما في الحكاية ليس الكُرسي، بل ما يُرادُ أن يُصنع عليه: رعايةُ البحث العلمي الحقيقي؛ ذاك الذي يُكتَبُ بالحبر والعرق، لا بزرّ «انسخ/ألصق» ولا بخرزةِ «ذكاءٍ اصطناعيٍّ مفلوت» يُستَعمَلُ كعكّاز غشّ، لا كعدسة نظر. قالها الرجل ضمناً: مهو مش كلّ إشي «بيزبط» بالاختصار؛ البحثُ أخلاقٌ قبل أن يكون أرقاماً. فيَعلو الصوت: بلاش فذلكة؛ المهمُّ أن تبقى الأدواتُ خدَماً لا أسياداً، وأن نُطفئ سراج (الانتحال) قبل أن نحسبه شمساً.
أعود للإصغاءُ فهو صنعةُ الرجل؛ تجلس إليه فتجده يهذّب الكلمات كمن يُمشّط ضفيرةَ طفلةٍ قبل العيد؛ لا يقطع حديثك، لا يلهيه استكبار أو غرور، لا يجرّك إلى عرضٍ من عروض (الكوتا الفكرية). تسمع منه: «أبشِر» لكنها «ابشر أكاديمية»؛ ثم ترى متابعةً لا «تطنيشاً»، وفعلاً لا (سحجة). وهنا سرُّ التجديد له: الإرادة الملكية لم تُجدِّد لكرسيٍّ، بل لأملٍ؛ قالت: لعلَّه يتمّ البناء، ولا يتحوّل «المشروعُ العلمي» إلى (صفقة استعراضية) تُزفّت على العيون، ثم تذوب عند أول مطر.
ما نريده من نذير عبيدات ليس أن يوزّعَ الألقابَ كالمسكوكات، بل أن يواصلَ نهجَ الإصغاء والعمل، وأن يرفعَ منسوبَ العلم حتى تغرقَ (الشعارات الموسمية) في مائها العذب لتصبح شعارات دائمة قابلة للتطبيق . فإذا اكتملَ هذا المشروعُ، صارت الجامعةُ مصنعَ معنى لا معرضَ صور؛ وصار الطالبُ كاتبَ قدره بيده، لا ناسخَ أقدارِ غيره بلوحٍ زجاجيٍّ لامع. وإنّي لعلى يقينٍ أنّ الطريق الذي بدَأَه بصبرِ طبيبٍ وصرامةِ أكاديميّ أشهى من الوصول؛ لأنّ الوصولَ كثيراً ما يُفسدُه التصفيق، أمّا الطريقُ فيُصلحُه العمل.
نيسان ـ نشر في 2025-09-09 الساعة 09:31
رأي: كامل نصيرات كاتب صحافي


