اتصل بنا
 

صاحب القرار

نيسان ـ نشر في 2025-09-22 الساعة 13:36

نيسان ـ لو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا أن نخترعها لحماية مصالحنا في المنطقة- بايدن.
أحاول أن أفهم ما الذي تفعله الولايات المتحدة!
تُوجِّه الدولة المارقة صواريخها إلى قطر الشقيقة التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، يُفترض أنّ لديها من منظومات دفاع جوي ورادارات متطورة قادرة على افشال هذا العدوان ولكنها لا تفعل، والاهم من هذا كلّه القرار السياسي الأمريكي القادر على إيقاف العدوان بكلمة واحدة: «لا». ومع ذلك تُقصف فيلّا مدنية بطائرات الكيان، فيُستشهد جندي قطري ومرافقون لقادة من حماس، وتفشل محاولة اغتيال القادة الذين اجتمعوا لدراسة ورقة الرئيس ترامب لوقف المجزرة! يدين العالم بأسره هذه الجريمة، ولكن الولايات المتحدة وحدها تؤيد استهداف قادة حماس، مكتفية بعبارات عن «غضب» الرئيس و«إحباطه»؛ وهي ألفاظ جوفاء لا قيمة لها.
وعلى أثر هذه العملية الجبانة انعقدت واحدة من أهم القمم العربية والإسلامية بمشاركة اثنتين وخمسين دولة، وحضرها معظم القادة مثقلين بالغضب والإحباط. وفي اللحظة نفسها كان وزير خارجية الولايات المتحدة، ماركو روبيو، حاضرًا في الكيان يبعث إلى المجتمعين رسالتين صريحتين: الأولى أنّ واشنطن تقف إلى جانب الكيان، والثانية أنّ الصراع ديني حضاري لا سياسي. فيزور حائط البراق بصحبة مجرم الحرب نتن ياهو وسفير الولايات المتحدة الصهيوني مايك هاكابي، ثم ظهر في نفق أسفل المسجد الأقصى مع نتن ياهو ومجموعة من المستوطنين، ليعلن أن القدس «العاصمة الأبدية لإسرائيل»، في ازدراء لكل القرارات الدولية التي تعدّ القدس الشرقية أرضًا محتلة. ولم يكتفِ بذلك، بل زار حديقة «الملك داوود» في سلوان بالقدس الشرقية المحتلة، التي تديرها منظمة استيطانية، وذهب هو ونتن ياهو يوجّهان التحذيرات للدول التي قد تعترف بدولة فلسطين. وقبل ذلك كله منعت واشنطن الوفد الفلسطيني، برئاسة رئيس السلطة، من التوجّه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ثم جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي مقللا من شأن التقارير عن خطة الكيان لضم أجزاء من الضفة الغربية؛ وكان البديهي إدانتها، لكنه قال: ما نشهده الآن في الضفة الغربية وما يتعلق بالضم ليس أمرًا نهائيًا، بل موضوع قابلًا للنقاش لن أعلّق على ذلك.
وبعدها استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإسقاط مشروع قرار يطالب بوقف الإبادة الجارية في غزة وفتح الطريق للمساعدات الإنسانية، متحدّية سائر الأعضاء. جاء ذلك وسط مجازر مروّعة وبعد أن استنفدت آلة الإبادة أغراضها، لتضرب واشنطن عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية التي طالما تغنّت بها، وبملايين المتظاهرين المطالبين بوقف المجزرة، ولتمزّق التقارير الدولية التي تؤكد أنّ ما يجري في غزة إبادة تهدّد بانهيار النظام الدولي الذي صاغته وتدّعي حمايته.
ثم خرج ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني ليعيد ما قاله سلفه بايدن: «لا إبادة جماعية في غزة؛ فالإبادة كانت في السابع من أكتوبر قبل عامين»، ولم يكتفِ بذلك بل روّج مجددًا المزاعم التي اثبتت بانها غير صحيحة: أن حماس تستخدم المحتجزين دروعًا بشرية، وأنها قطعت رؤوس الأطفال في ذلك اليوم.
أرى أن هذه السياسات الأمريكية ترتد عليها بالضرر المباشر؛ فقد بلغت كراهية الشعوب لها مستوى غير مسبوق، ولا سيما في العالمين العربي والإسلامي، حتى فقدت ما تبقّى لها من قوة ناعمة. وأضحى الكيان دولة منبوذة، وبدأ حلفاء واشنطن في المنطقة يبحثون عن بدائل أخرى، بعدما ترسّخت لديهم قناعة بأن الخطر الأكبر على أمن المنطقة واستقرارها هو الكيان نفسه. ويأتي هذا الدعم الأمريكي للكيان في لحظة يعاني فيها العالم العربي الضعف والتشرذم والخضوع، بحيث لا توجد دولة قادرة على تهديد الكيان أو الإضرار بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
ومن هنا يلحّ في ذهني سؤال لا أجد له جوابًا شافيًا: ما سرّ هذا الدعم الأمريكي الأعمى للكيان؟ لقد تهاوت عندي الفرضية القديمة القائلة إن واشنطن والكيان وجهان لعملة واحدة ومصالحهما متطابقة، وترسّخت قناعتي اليوم وقد تتبدّل غدًا بأن ثمة جهة واحدة خفية تدير المشهد برمّته. فهل الصهيونية تمسك بخيوط القرار الأمريكي عبر جماعات الضغط وشبكات النفوذ العالمية، بينما تبتز الساسة هناك بفضائح مالية وجنسية كما كشفت ملفات إبستين؟ أم إنّ الكيان ليس سوى قاعدة متقدّمة للولايات المتحدة في قلب المنطقة، كما وصفه بايدن؟ أم إنّ خلف الستار أطرافًا أخرى: جماعات إنجيلية مؤمنة بنبوءات آخر الزمان، أو المجمع الصناعي العسكري، أو ربما قوى غامضة لا نعرفها بعد تعمل في غرف مغلقة؟ لم أصل بعد إلى إجابة حاسمة؛ تارة تبدو الصهيونية هي الفاعل، وتارة الولايات المتحدة، وتارة جهات أخرى. فمن يملك الجواب فليدلُ بدلوه ويقدّم حجته.

نيسان ـ نشر في 2025-09-22 الساعة 13:36


رأي: اسماعيل الشريف

الكلمات الأكثر بحثاً