اتصل بنا
 

ما ودّي أسولف..!.

صحفي وكاتب عامود في صحيفة الدستور

نيسان ـ نشر في 2025-09-24 الساعة 13:55

نيسان ـ يستوقفني قول «أدلى بشهادته تحت القسم».. فهل ما زال هناك صادقون؟ كم عددهم أو نسبتهم من بين الآخرين!.
في دساتير كثير إن لم يكن كل الدول، يمارس الناس مسؤولياتهم وأعمالهم ومهنهم في هذه الدول، بعد أن يؤدوا (القسم) او كنا نقول (بحلفوا يمين)، ولا أعلم إن كنا نقتنع بأن كل هؤلاء سيصدقون في أداء مهامهم..
اعتماد (حلف اليمين) في العالم، على اختلاف أعراقه وأديانه، ربما لم يعد إجراء حاسما، يقدم ضمانة للصدق لا يأتيها التشكيك والباطل والخطأ من بين يديها ولا من خلفها او من أعماق قلبها..
كل الذين يقومون بالجرائم هم أشخاص (يحلفون)، فمنهم رسميون ومستأمنون بموجب قوانين بلدانهم ودياناتها، ومنهم غير رسميين، أصحاب حقوق قد تضيع او مستأمنين على حقوق، يمكنهم التنصل منها او ممارسة التغول عليها ومصادرتها، ولا يطلب منهم بعد ذلك إجراء، وكما يقال (قالوا للحرامي إحلف، فقال جاء الفرج)، و»الحرمنة» كالثقة وغيرها أصبحت اليوم تقاس (بالنسبية)، ولا يتم التعامل معها بمعايير حاسمة.
في مجتمعنا، العربي المسلم، الذي يعيش في دولة دينها الإسلام، وروح قوانينها كلها مستمدة للشريعة الإسلامية، فإن أكثر ما يهمني التساؤل عنه متعلق بالمحاكم، والقضاء بكل أنواعه، حيث هناك ما يسمى ب»اليمين الحاسمة» التي يتفق فيها الطرفان المتنازعان، وبعد استنفاد كل بيناتهم إن وجدت، او لم توجد أساسا، حسب القاعدة القضائية (البينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر)، يتفق الطرفان امام المحكمة على توجيه اليمين الحاسمة، ويجري (حلفها أمام المحكمة)، وتنتهي القصة، وكأن آكلا لحقوق او معتديا مجرما، بعيدا كل البعد او ربعه عن الأخلاق، سيصدق حين «يمزط» يمين، فتضيع الحقوق، ويحكم القاضي بضمير مرتاح، بأن لاحقوق للآخر على الذي أدى يمينا، وأيضا ثمة عقوبة قانونية على كل من ثبت للمحكمة بأنه أدلى بيمين كاذبة.. حالة وإجراءات معتمدة تجري المراهنة فيها على الأخلاقيات، بينما تغيب أدوات التحقق، وتتقهقر، وتصبح غير مهمة في كثير من القضايا، والاكتفاء عوضا عنها بالكلام والإنشاء والأكاذيب، وترتيب أرقام مواد قانون، او تطعيم المرتفعات والمحاججات بقواعد قانونية وفقهية، لا تتغاضى عنها المحاكم، استغلالا لحقيقة ان المحاكم وحدها هي آخر قلاع القانون، وهي ربما فقط من تقدّس القانون.. بينما المجتمعات تغرق في الشر والجريمة وسيادة القوة بأشكالها المختلفة، المال والنفوذ او الهيبة ومشتقاتها الكثيرة.
ثمة مواقف وأحداث ومشاكل وقضايا ونزاعات وخصومات، بين الناس أنفسهم، وأخرى بين الناس والمجتمع والدولة، ويكون الطرف المعتدى عليه أو طالب العدالة، هو الحق العام، الذي يطالب دوما بإنزال أقسى أو أقصى أنواع العقوبة على المعتدي على الحق العام، وبالطبع نيابة الدولة او النائب العام، وعن طريق المدعي العام، هي من تمثل الحق العام، وكل من يملك ضابطة عدلية وينفذ قانونا، او من كان طرفا في خصومة، أو اشتكى على جهة او شخص اعتدى على الحق العام، او على حرمات وحقوق عامة، كلهم يصبحون شهود نيابة في المحاكم، يواجهون المعتدي، و»يحلفون» اليمين، وكل ما بعد اليمين صحيح مقدس، إلا ما تم نفيه بالدليل المقنع، لكن إن لم يكن ثمة دليل فقد (راحت ع المتهم)!.
اليوم، يوجد ادوات كثيرة للوصول للحقيقة، من بينها مثلا «الكاميرا»، وحين يجري مراقبة ومتابعة شخص ما، متهم بارتكابه فعلا جرميا ما، فالفيديوهات تنقل الحقيقة للناس، وللجهات التحقيقية، ولقاعات التقاضي أيضا، وتم اعتماد هذه الأداة، ويستطيع المسؤول الرجوع لأقراص تخزين بيانات هذه الكاميرات، والتأكد من مجريات حدث ما، او اعتماد ادلة في التحقيق، وإبرازها في المحاكم..
لكن مع ذلك، ما زالت هذه الاداة والتقنية بعيدة عن جهات تنفيذية تقوم بعمل مهم، وعقوبات مرتكبي الجرائم او الخارجين عن القانون في مجالهم، شديدة ومؤلمة، فلماذا لا يجري اعتماد هذه التقنية في عملهم، والامثلة كثيرة، اتركها لتجارب وخيالات القراء. لأني «ما ودّي أسولف».

نيسان ـ نشر في 2025-09-24 الساعة 13:55


رأي: ابراهيم عبدالمجيد القيسي صحفي وكاتب عامود في صحيفة الدستور

الكلمات الأكثر بحثاً