اتصل بنا
 

حين فاجأت غزةُ مَن لا يُفاجَأ عن ارتباك الإله المزيف وعبقرية الارتجال المقاوم

تعقيبٌ على ورقة د. وليد عبد الحي(كلاهما نفآجأ)

نيسان ـ نشر في 2025-10-28 الساعة 13:26

نيسان ـ ...
كانوا يقولون إنّ "إسرائيل لا تُهزَم" لأنّها تخطّط، وتُجري المناورات
وتملك العقول الإلكترونية التي لا تنام. لكنّهم نسوا أنَّ الكهرباء تُطفأ حين تُقصف المحطة، وأنَّ "العقل" الذي يُخيف العالم كلّه يمكن أن يُربكَه حجرٌ وصاروخٌ من أزقّة مخيّم وصرخةُ أمٍّ فقدت أبناءها ولم تفقد إرادتها.
تفاجأت إسرائيل، كما لم تتفاجأ منذ قيامها.
تفاجأت بأنّ من أرادتهم رمادًا صاروا برقًا
ومن ظنّتهم جياعًا صاروا معادلةً عالمية
ومن حسبتهم بلا أجنحة صاروا فوق المدى
ومن حسبت البحر لها وحدها صار ضدّها!
قالوا إنّ المقاومة "ارتجلت" فليكن.
فالارتجال الفلسطيني أشرف من تخطيطهم.
ارتجل الأطفال على الرمل خطوط الانطلاق،
ارتجلت النساء صلوات المدى،
وارتجلت "غزة" — المعجزة — دفاعها بالحجارة والدعاء،
فأربكت جيشًا يملك من الأقمار ما لا يملك من الكرامة.
أيّها المتذاكون في الفضائيات
حدّثونا عن "الخسائر" في غزة ونحن نحفظ أسماء شهدائنا كما تحفظون أسماء أنديتكم الأوروبية.
حدّثونا عن "الارتباك" ونحن نرى جنرالات تل أبيب يتلعثمون على الهواء، يبحثون عن كبش فداء جديد ليُرمى على المذبح.
لقد انكشفت عورات "الردع" كما تنكشف أكاذيب التاريخ حين تشرق شمس الحقيقة من بين أنقاض المساجد والمدارس.
تفاجأت إسرائيل — لا لأنها لم تتوقّع الهجوم، بل لأنها لم تتوقّع أن تظلّ صامدةً بعد عامين من جحيمٍ ألقته بيديها.
تفاجأت بأنّ ركام المباني صار متاريس للمقاتلين.
تفاجأت بأنّ العالم الذي ربّته على "عقدة الذنب" بدأ يرى.
تفاجأت بأنّ "الدبلوماسية الرقمية" أوجعتها أكثر من الصواريخ.
تفاجأت بأنّ "إيلات" لم تعد نافذة على البحر، بل جرحًا في خاصرتها.
تفاجأت بأنّ شباب الغرب صار يهتف لفلسطين لا لأسهم شركاتها.
وتفاجأت أخيرًا بأنّ الأنظمة — التي حسبتها "ضمانًا" — صارت ضمانًا فقط لخيبتها الأخلاقية.
كلّ ما في المشهد يُضحك ويبكي.
جيشٌ يُقصف في الميدان،
ودولةٌ تتسوّل التعاطف من مجرمين مثلها،
وحكومةٌ تبحث في كتب التوراة عن فتوى للنجاة.
أما غزة، فهي التي لا تبحث عن معجزة… لأنّها المعجزة نفسها.
أيّها العدوّ،
لقد تآكلت أسطورتك تحت الركام الذي صنعته.
لم تَعُدْ "أقوى جيش في الشرق الأوسط"، بل أكبر مسرحٍ لأخطاءٍ لا تُغتفر.
لم تَعُدْ "تدافع عن نفسها"، بل تقتل خوفًا من أن ترى نفسها في مرآة التاريخ.
وما أقسى تلك اللحظة حين يدرك القاتل أنه هو الضحية الأخلاقية التي لا خلاص لها.
وفي النهاية، تبقى غزة هي المدهشة في كلّ شيء:
في الموت، في الحياة، في الصبر، في الحبّ، في الإصرار،
تُفاجئنا كلّ يومٍ بأنّها قادرة على تحويل الكارثة إلى كبرياء،
وتحوّل الجوع إلى أناشيد،
والحِصار إلى هواءٍ جديدٍ يملأ رئة الوجود العربي بما تبقّى من كرامة.
فليُسجّل التاريخ:
أنّ "المفاجأة الكبرى" لم تكن في يوم الحرب،
بل في أنَّ من لا يملك إلّا الإيمان قد جعل من "الارتجال" مدرسةً في التخطيط الإلهي.
أما أنتم — يا من صفقتم للجلاد — فستباغتكم غزة أيضًا حين تناديكم بأسمائكمفيذاكرةالعار.

نيسان ـ نشر في 2025-10-28 الساعة 13:26


رأي: د. وليد العريض

الكلمات الأكثر بحثاً