(ظاهرة زهران ممداني : حدث ام ا تجاه؟)
تعقيب على ورقة د. وليد عبد الحي
زهران ممداني… حين يبدأ الانسحاب الصهيوني من أمريكا تحت أقدام غزة
نيسان ـ نشر في 2025-11-05 الساعة 11:43
نيسان ـ ...
في زمنٍ تتهاوى فيه الأقنعة أسرع من الأبراج، بدا فوز زهران ممداني في نيويورك كأنّه حدثٌ صغير على خارطةٍ كبيرة، لكنه في الحقيقة زلزالٌ أخلاقيٌّ في عمق الإمبراطورية.
ذلك أن المدينة التي طالما كانت القلب الصهيوني للمال والإعلام، أصبحت اليوم تسمع وجع غزة أكثر مما تسمع أناشيد الضحية اليهودية.
فما حدث هناك ليس انتقالًا للسلطة المحلية، بل بدءُ انسحابٍ أخلاقيٍّ صامت للهيمنة الصهيونية من الضمير الأمريكي، تحت وقع كرامةٍ فلسطينيةٍ لم تنكسر.
لقد قرأ د. وليد عبد الحي المشهد بعين الباحث الدقيق ورسم خطوط التحوّل ببراعة، لكن خلف تحليله تختبئ حقيقة أعمق لم تُقال: أن المقاومة الفلسطينية هي التي صنعت هذا الانقلاب في الوعي الأمريكي، لا الديمقراطية ولا الليبرالية ولا الخطابات.
فالمقاومة وحدها هي التي أجبرت العدالة الدولية أن تنظر نحو غزة، ودفعت المحاكم أن تفتح ملفاتٍ ظنّ الجميع أنها مغلقة للأبد وهي التي فرضت على النخبة الأمريكية أن تعيد تعريف الحرية بعد أن أفسدتها الصهيونية وأفرغتها من معناها.
لقد ظنّ العالم أن إسرائيل قوية لأنها تملك السلاح، فاكتشف أنها هشة لأنها بلا ضمير.
وأن غزة ضعيفة لأنها بلا جيش، فاكتشف أنها جبّارة لأنها لا تخاف الموت.
ومن هنا بدأ التحوّل الأمريكي: من التعاطف الموجّه إلى الاحترام الحقيقي ومن الصمت المتواطئ إلى السؤال الأخلاقي الصريح:
كيف يمكن لدولةٍ تدّعي الديمقراطية أن تبني مجدها على جماجم الأطفال؟
في عمق هذا السؤال تتهاوى قداسة إسرائيل ويُسحب الغطاء الأمريكي عنها ببطءٍ محسوبٍ ومدروسٍ ومؤلمٍ في آنٍ واحد.
لقد أصبح الدفاع عنها عبئًا أخلاقيًا على النخبة الأمريكية وصارت صورتها في الإعلام أكثر عريًا من أي وقتٍ مضى.
وما فعله ممداني بذكاءٍ وهدوء، أنه منح الصوت السياسي للضمير الشعبي الجديد، ذاك الذي تشكّل من صور البيوت المهدّمة، ومن كلمات الأمهات اللواتي يدفنَّ أبناءهنّ بأيديهنّ ولا ينكسرن.
حين أعلن ممداني رمزيًا أن نتنياهو يجب أن يُحاكم كمجرم حرب، لم يكن يغرّد خارج السرب الأمريكي، بل كان يعبّر عن ميلاد سربٍ جديد.
سربٌ لم يَعُد يخاف من تهمة معاداة السامية، لأنّ الدم الفلسطيني كشف أن السامية الحقيقية هي التي تُبقي الإنسان إنسانًا، لا التي تبرّر القتل باسمه.
تلك اللحظة الرمزية، كانت إعلانًا غير مكتوب لوفاة إسرائيل في الوعي العالمي، حتى وإن بقيت جغرافيًا على الخريطة.
فما يُميت الأمم ليس خسارة الحرب، بل سقوط الأخلاق وإسرائيل اليوم جثةٌ أخلاقية تتحرّك على عكّازٍ إعلاميٍّ مهترئ.
ها هي نيويورك عاصمة الأكاذيب القديمة، تشهد أولى علامات التحوّل الكبير، حيث بدأ الرأي العام الأمريكي يفكّ ارتباطه التدريجي بالأسطورة الصهيونية التي ربطته بالعار قرنًا من الزمن.
وفي المقابل تدخل فلسطين الوعي الأمريكي بكرامتها لا بضعفها، بثباتها لا بدموعها، بمقاومتها لا بخطابات ملوكها.
الكرامة حين تُصبح مدرسة… وغزة حين تُعلّم العالم من تحت الركام
ما لم تقله مراكز الدراسات ولا دوائر السياسة أن المقاومة خلقت مدرسة جديدة في فهم الكرامة.
أن تصمد يعني أن تُربك المعتدي، أن تبتسم وسط النار يعني أنك انتصرت، أن تمسك بالحياة رغم الحصار يعني أنك صرت رمزًا للبشرية كلها.
لقد علّمت غزة العالم أن الإنسان لا يُقاس بعدد الجثث بل بعدد المواقف وأن الدم حين يكون شريفًا يُغيّر العالم أكثر من ألف مؤتمر سلام.
في مقابل ذلك صارت إسرائيل كمن يشرب ماء البحر ظنًا أنه سيروي عطشه، كلّما قتلت ازداد عطشها وكلّما دافعت عن نفسها انكشفت أكثر.
إنها كيانٌ محاصرٌ بانتصارات المقاومة، ينهشه الخوف من الداخل أكثر مما تهدده الصواريخ من الخارج.
لم تعد القوة كلمةً تُخيف أحدًا، لأنّ غزة جرّدتها من معناها القديم وأعطتها معناها الإنساني:
القوة هي أن تظلّ واقفًا حين ينهار الجميع.
وهكذا حين ينطق اسم ممداني في نيويورك، لا يُسمع صوته فقط، بل صوتُ المقاومة القادم من تحت الركام، صوتٌ يقول لأمريكا:
لقد خدعكم عدوّكم طويلًا باسم الله وباسم التاريخ وباسم الضحية، لكنّ الزمن تغيّر والضمير استيقظ،
ومن هنا، من قلب مدينتكم بدأت نهايته.
إنها لحظة أخلاقية فاصلة، لا تقلّ أهمية عن أي نصرٍ عسكريٍّ في الميدان، لأنّ الأمم لا تموت حين تُهزم في الأرض، بل حين تخسر روايتها أمام الحقيقة.
وقد خسرت إسرائيل روايتها.
ولم يبقَ لها سوى أن تتكلم بلغة العنف، لأنّها فقدت كلّ لغةٍ أخرى.
المقاومة لم تُسقِط هيبة إسرائيل… بل كشفت أنها لم تكن تملك هيبة أصلًا.
وغزة لم تطلب من العالم إنقاذها… بل أنقذت ضمير العالم من موته الطويل.
في زمنٍ تتهاوى فيه الأقنعة أسرع من الأبراج، بدا فوز زهران ممداني في نيويورك كأنّه حدثٌ صغير على خارطةٍ كبيرة، لكنه في الحقيقة زلزالٌ أخلاقيٌّ في عمق الإمبراطورية.
ذلك أن المدينة التي طالما كانت القلب الصهيوني للمال والإعلام، أصبحت اليوم تسمع وجع غزة أكثر مما تسمع أناشيد الضحية اليهودية.
فما حدث هناك ليس انتقالًا للسلطة المحلية، بل بدءُ انسحابٍ أخلاقيٍّ صامت للهيمنة الصهيونية من الضمير الأمريكي، تحت وقع كرامةٍ فلسطينيةٍ لم تنكسر.
لقد قرأ د. وليد عبد الحي المشهد بعين الباحث الدقيق ورسم خطوط التحوّل ببراعة، لكن خلف تحليله تختبئ حقيقة أعمق لم تُقال: أن المقاومة الفلسطينية هي التي صنعت هذا الانقلاب في الوعي الأمريكي، لا الديمقراطية ولا الليبرالية ولا الخطابات.
فالمقاومة وحدها هي التي أجبرت العدالة الدولية أن تنظر نحو غزة، ودفعت المحاكم أن تفتح ملفاتٍ ظنّ الجميع أنها مغلقة للأبد وهي التي فرضت على النخبة الأمريكية أن تعيد تعريف الحرية بعد أن أفسدتها الصهيونية وأفرغتها من معناها.
لقد ظنّ العالم أن إسرائيل قوية لأنها تملك السلاح، فاكتشف أنها هشة لأنها بلا ضمير.
وأن غزة ضعيفة لأنها بلا جيش، فاكتشف أنها جبّارة لأنها لا تخاف الموت.
ومن هنا بدأ التحوّل الأمريكي: من التعاطف الموجّه إلى الاحترام الحقيقي ومن الصمت المتواطئ إلى السؤال الأخلاقي الصريح:
كيف يمكن لدولةٍ تدّعي الديمقراطية أن تبني مجدها على جماجم الأطفال؟
في عمق هذا السؤال تتهاوى قداسة إسرائيل ويُسحب الغطاء الأمريكي عنها ببطءٍ محسوبٍ ومدروسٍ ومؤلمٍ في آنٍ واحد.
لقد أصبح الدفاع عنها عبئًا أخلاقيًا على النخبة الأمريكية وصارت صورتها في الإعلام أكثر عريًا من أي وقتٍ مضى.
وما فعله ممداني بذكاءٍ وهدوء، أنه منح الصوت السياسي للضمير الشعبي الجديد، ذاك الذي تشكّل من صور البيوت المهدّمة، ومن كلمات الأمهات اللواتي يدفنَّ أبناءهنّ بأيديهنّ ولا ينكسرن.
حين أعلن ممداني رمزيًا أن نتنياهو يجب أن يُحاكم كمجرم حرب، لم يكن يغرّد خارج السرب الأمريكي، بل كان يعبّر عن ميلاد سربٍ جديد.
سربٌ لم يَعُد يخاف من تهمة معاداة السامية، لأنّ الدم الفلسطيني كشف أن السامية الحقيقية هي التي تُبقي الإنسان إنسانًا، لا التي تبرّر القتل باسمه.
تلك اللحظة الرمزية، كانت إعلانًا غير مكتوب لوفاة إسرائيل في الوعي العالمي، حتى وإن بقيت جغرافيًا على الخريطة.
فما يُميت الأمم ليس خسارة الحرب، بل سقوط الأخلاق وإسرائيل اليوم جثةٌ أخلاقية تتحرّك على عكّازٍ إعلاميٍّ مهترئ.
ها هي نيويورك عاصمة الأكاذيب القديمة، تشهد أولى علامات التحوّل الكبير، حيث بدأ الرأي العام الأمريكي يفكّ ارتباطه التدريجي بالأسطورة الصهيونية التي ربطته بالعار قرنًا من الزمن.
وفي المقابل تدخل فلسطين الوعي الأمريكي بكرامتها لا بضعفها، بثباتها لا بدموعها، بمقاومتها لا بخطابات ملوكها.
الكرامة حين تُصبح مدرسة… وغزة حين تُعلّم العالم من تحت الركام
ما لم تقله مراكز الدراسات ولا دوائر السياسة أن المقاومة خلقت مدرسة جديدة في فهم الكرامة.
أن تصمد يعني أن تُربك المعتدي، أن تبتسم وسط النار يعني أنك انتصرت، أن تمسك بالحياة رغم الحصار يعني أنك صرت رمزًا للبشرية كلها.
لقد علّمت غزة العالم أن الإنسان لا يُقاس بعدد الجثث بل بعدد المواقف وأن الدم حين يكون شريفًا يُغيّر العالم أكثر من ألف مؤتمر سلام.
في مقابل ذلك صارت إسرائيل كمن يشرب ماء البحر ظنًا أنه سيروي عطشه، كلّما قتلت ازداد عطشها وكلّما دافعت عن نفسها انكشفت أكثر.
إنها كيانٌ محاصرٌ بانتصارات المقاومة، ينهشه الخوف من الداخل أكثر مما تهدده الصواريخ من الخارج.
لم تعد القوة كلمةً تُخيف أحدًا، لأنّ غزة جرّدتها من معناها القديم وأعطتها معناها الإنساني:
القوة هي أن تظلّ واقفًا حين ينهار الجميع.
وهكذا حين ينطق اسم ممداني في نيويورك، لا يُسمع صوته فقط، بل صوتُ المقاومة القادم من تحت الركام، صوتٌ يقول لأمريكا:
لقد خدعكم عدوّكم طويلًا باسم الله وباسم التاريخ وباسم الضحية، لكنّ الزمن تغيّر والضمير استيقظ،
ومن هنا، من قلب مدينتكم بدأت نهايته.
إنها لحظة أخلاقية فاصلة، لا تقلّ أهمية عن أي نصرٍ عسكريٍّ في الميدان، لأنّ الأمم لا تموت حين تُهزم في الأرض، بل حين تخسر روايتها أمام الحقيقة.
وقد خسرت إسرائيل روايتها.
ولم يبقَ لها سوى أن تتكلم بلغة العنف، لأنّها فقدت كلّ لغةٍ أخرى.
المقاومة لم تُسقِط هيبة إسرائيل… بل كشفت أنها لم تكن تملك هيبة أصلًا.
وغزة لم تطلب من العالم إنقاذها… بل أنقذت ضمير العالم من موته الطويل.
نيسان ـ نشر في 2025-11-05 الساعة 11:43
رأي: د. وليد العريض


