اتصل بنا
 

أصحاب المصطلحات اللي مش فاهمينها

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2025-11-16 الساعة 08:43

نيسان ـ في كل قعدة أردنية، قدّام «دكان أبو نمر»، يطلعلك ذاك الشخص اللي شايف حاله مُفكّر الدنيا، مع أنه لو سألته عن أقرب مفهوم إله بجاوب: «هسّا بفتح عالتلفون وبورجيك». يمسك القعدة من رقبتها، ويصير يرمي مصطلحات ثقال مثل حجر الطابون: «التحليل البنيوي»، «التأويل العميق»، «الوعي الجمعي»، وكأنه كاتب أطروحة في جامعة هايدلبرغ وهو بالكاد مخلص قراءة منشور من صفحة «اقتباسات غريبة».
وجمال الموضوع أنه لما يحكي بحكي بثقة تهزّ المزراب.
يهز راسه، يزمّ شفايفه، يمطط صوته ويعطيك الجملة اللي أولها علمي وآخرها طقّ. تسمّع كلامه وتحسّه حافظ مصطلحات مشان «الهيبة»، مصطلحات كبيرة ومعنى أصغر من «سندويشة فلافل خالية من الفلافل».
المصيبة الحقيقية تبدأ لما يقرر الشرح.
يا الله على هاللحظة.
يحلفلك إنه فاهم الدنيا، وبس يبلّش بتحس عقلك طلع مشوار ورجع. يشرح بإيديه، يغمّض عيونه، يميل على الكرسي، يمد جملة بطول شارع بسمان وبعد كل هالاستعراض، تكتشف إنك أنت وهو ولا واحد فاهم إشي.
هو بحكي «بلدغة مثقفين»، زي حدا بأول يوم زواجه بس عامل حاله فاهم بكل إشي.
وإذا قربت الفضيحة وعلِق بالزاوية، يستخدم الحيلة الحصرية لجماعة «الفلسفة على السريع»:
«الموضوع ما بنشرح هون بده مساحة.»
وبده مساحة فعلاً مساحة بينه وبين الحقيقة، لأنه الحقيقة لو قربت عليه شوي بس كان انكشف مثل قميص رخيص بعد أول غسلة.
هذول الناس، يا صديقي، عندهم عشق غريب للكلام الفاضي المغلّف. زي اللي بشتري كاسة «ترمس» ويصوّرها ستوري مش لأنه بحبّها، بل لأنه بدي يفرجي إنه «مختلف». الكلمات عندهم لمعة مثل لعبة جديدة بيد طفل، ما بفهمها بس مبسوط إنه ماسكها.
والناس؟
الناس محترمين، وما بدهم يحرجوه.
يخلّوه يحكي، يهزّوا راسهم، يبتسموا وهم في سرّهم بيقولوا:
«يا زلمة والله لو المصطلحات توزّع ذكاء كان زمانه آينشتاين الرمثا
وبالنهاية
يظل المعنى جالس عند طرف شارع الجامعة، ماسك فنجان قهوة نصّه برد، ويحكي بينه وبين حاله:
«يا ريت الفهم ينزل عالناس مثل عروض الجمعة البيضا هيك يمكن يوصل.»

نيسان ـ نشر في 2025-11-16 الساعة 08:43


رأي: كامل نصيرات كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً