الحقيقة مهما جرى تدويرها لا تختفي
نيسان ـ نشر في 2025-12-18 الساعة 14:36
نيسان ـ في كل أزمة عامة، يظهر امتحان الدولة الحقيقي؛ هل تتصرف الحكومة بمنطق المسؤولية أم بمنطق تصريف الأزمات؟ وهل تختار طريق القانون أم تلجأ إلى أقدم حيلة في التاريخ السياسي المتمثلة في البحث عن كبش فداء.
كان المنتظر من الحكومة، أخلاقيا ومؤسسيا، أن تقدّم اعتذارا علنيا واضحا لأرواح ضحايا مدافئ الشموسة وذويهم، بوصفه الحد الأدنى من تحمّل المسؤولية السياسية، لا أن تعتدي الحكومة على دور السلطة القضائية، وتصدر قرارها بإحالة مديرة المواصفات والمقاييس إلى التقاعد، في مشهد أقرب إلى توجيه الرأي العام منه إلى تطبيق القانون.
إن فلسفة كبش الفداء Scapegoat كما عرفتها السياسة منذ المجتمعات البدائية وحتى الدول الحديثة، تقوم على تحميل فرد أو حلقة أضعف أعباء ومسؤولية خطأ جماعي؛ ليس ابتغاء وجه الحقيقة، بل بهدف امتصاص الغضب الشعبي، وإعادة توجيه الرأي العام بعيدا عن المسؤول الحقيقي عن الكارثة. وهي ممارسة قد تنجح إعلاميا على المدى القصير، لكنها سياسة كارثية على مستوى الثقة المؤسسية وسيادة القانون.
قانونيا، لا يمكن قراءة هذا القرار إلا بوصفه إدانة مسبقة صادرة عن جهة تنفيذية لا تملك صلاحية التحقيق ولا إصدار الأحكام، في انتهاك صريح لمبدأ "الفصل بين السلطات"، ولأبسط ضمانات العدالة، وعلى رأسها قرينة البراءة؛ فالأصل أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي، لا بقرار حكومي متعجل. والأهم من ذلك، حتى هذه اللحظة، أن الحكومة لم تعلن انها وجّهت أية تهمة للمديرة المعنية، ولم يُعلن عن نتيجة حكم قضائي انتهى إلى تحميلها المسؤولية المباشرة، ومع ذلك جرى التعامل معها وكأن قرار الإدانة قد صدر بحقها واكتسب الدرجة القطعية.
الأخطر أن هذا الإجراء لا يُسائل الخطأ بقدر ما يُعيد توجيه البوصلة النفسية؛ فهو يصرف الأنظار عن المسؤول الحقيقي عن الكارثة، أي الحكومة بوصفها صاحبة الولاية العامة على السياسات الرقابية والتنفيذية، ويُقدّم للرأي العام “اسما بديلا” يُغلق الملف سياسيا قبل أن يفتحه قضائيا. وهذا يعني أننا أمام "حكومة تصريف أزمات" تسعى إلى الخلاص من الصداع دون التشخيص ومعالجة الأسباب.
لا يمكن تحت أية ذريعة استخدام الموظف العام كدرع واقٍ لامتصاص الصدمة، ولا يمكن استيعاب أن تختزل الحكومة الكارثة بقرار إداري مخالف للقانون، وينطوي على التعسف في استعمال السلطة. والأولى بالحكومة، إن كانت جادة في احترام دولة القانون، أن تتحمّل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية كاملة باعتبارها صاحبة الولاية العامة، لا أن تُدير الأزمةَ بمنهج كبش الفداء، الأكثر ضررا على مؤسسات الدولة من الكارثة نفسها؛ فالدول لا تُدار بحيلة كبش الفداء، بل بثقافة الاعتذار والاستقالة والمساءلة القضائية. وما دون ذلك هو إدارة خوف، وليس إصلاحا، وليس حلا بل تأجيل للأزمة، أما الحقيقة، فمهما جرى تدويرها، فإنها لا تختفي، بل تعود دائما بكلفة أعلى.
كان المنتظر من الحكومة، أخلاقيا ومؤسسيا، أن تقدّم اعتذارا علنيا واضحا لأرواح ضحايا مدافئ الشموسة وذويهم، بوصفه الحد الأدنى من تحمّل المسؤولية السياسية، لا أن تعتدي الحكومة على دور السلطة القضائية، وتصدر قرارها بإحالة مديرة المواصفات والمقاييس إلى التقاعد، في مشهد أقرب إلى توجيه الرأي العام منه إلى تطبيق القانون.
إن فلسفة كبش الفداء Scapegoat كما عرفتها السياسة منذ المجتمعات البدائية وحتى الدول الحديثة، تقوم على تحميل فرد أو حلقة أضعف أعباء ومسؤولية خطأ جماعي؛ ليس ابتغاء وجه الحقيقة، بل بهدف امتصاص الغضب الشعبي، وإعادة توجيه الرأي العام بعيدا عن المسؤول الحقيقي عن الكارثة. وهي ممارسة قد تنجح إعلاميا على المدى القصير، لكنها سياسة كارثية على مستوى الثقة المؤسسية وسيادة القانون.
قانونيا، لا يمكن قراءة هذا القرار إلا بوصفه إدانة مسبقة صادرة عن جهة تنفيذية لا تملك صلاحية التحقيق ولا إصدار الأحكام، في انتهاك صريح لمبدأ "الفصل بين السلطات"، ولأبسط ضمانات العدالة، وعلى رأسها قرينة البراءة؛ فالأصل أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي، لا بقرار حكومي متعجل. والأهم من ذلك، حتى هذه اللحظة، أن الحكومة لم تعلن انها وجّهت أية تهمة للمديرة المعنية، ولم يُعلن عن نتيجة حكم قضائي انتهى إلى تحميلها المسؤولية المباشرة، ومع ذلك جرى التعامل معها وكأن قرار الإدانة قد صدر بحقها واكتسب الدرجة القطعية.
الأخطر أن هذا الإجراء لا يُسائل الخطأ بقدر ما يُعيد توجيه البوصلة النفسية؛ فهو يصرف الأنظار عن المسؤول الحقيقي عن الكارثة، أي الحكومة بوصفها صاحبة الولاية العامة على السياسات الرقابية والتنفيذية، ويُقدّم للرأي العام “اسما بديلا” يُغلق الملف سياسيا قبل أن يفتحه قضائيا. وهذا يعني أننا أمام "حكومة تصريف أزمات" تسعى إلى الخلاص من الصداع دون التشخيص ومعالجة الأسباب.
لا يمكن تحت أية ذريعة استخدام الموظف العام كدرع واقٍ لامتصاص الصدمة، ولا يمكن استيعاب أن تختزل الحكومة الكارثة بقرار إداري مخالف للقانون، وينطوي على التعسف في استعمال السلطة. والأولى بالحكومة، إن كانت جادة في احترام دولة القانون، أن تتحمّل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية كاملة باعتبارها صاحبة الولاية العامة، لا أن تُدير الأزمةَ بمنهج كبش الفداء، الأكثر ضررا على مؤسسات الدولة من الكارثة نفسها؛ فالدول لا تُدار بحيلة كبش الفداء، بل بثقافة الاعتذار والاستقالة والمساءلة القضائية. وما دون ذلك هو إدارة خوف، وليس إصلاحا، وليس حلا بل تأجيل للأزمة، أما الحقيقة، فمهما جرى تدويرها، فإنها لا تختفي، بل تعود دائما بكلفة أعلى.
نيسان ـ نشر في 2025-12-18 الساعة 14:36
رأي: جمال القيسي


