اتصل بنا
 

عن الأردن.. المظلوم إعلامياً لماذا؟!

وزير أردني سابق، باحث ومتخصص في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي. من كتبه "السلفيون والربيع العربي"و" الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي"و "الحل الإسلامي في الأردن" و"الإسلاميون والدين والثورة في سورية".

نيسان ـ نشر في 2025-12-29 الساعة 10:05

نيسان ـ بالرغم من أنّ موضوع ندوة «الرواية الإعلامية في الأردن»، التي عقدها منتدى الحموري للتنمية الثقافية، وشارك فيها ثلاثة من وزراء الإعلام السابقين، هو قديم- جديد في الوقت نفسه، إلاّ أنّه من الواضح لا يزال بحاجة إلى نقاش وطني أوسع وأعمق، لأنّ الإعلام لم يعد اليوم ثانوياً في عالم التواصل الاجتماعي، وقبلها الفضائيات، ولم يعد أيضاً فقط جزءاً أساسياً من القوة الناعمة لأي دولة من الدول، بل أصبح أحد أهم أدوات الجيل الجديد من الحروب، من خلال الحروب المعنوية والنفسية والاختراقات السيبرانية، التي كانت عنواناً بارزاً من عناوين الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
المشكلة لا تكمن فقط بعدم قدرة الأردن على بناء صورته السياسية خارجياً فقط، بل حتى داخلياً، إذ لا تزال هنالك – عادةً- حالة من التشكيك في مختلف المواقف الأردنية السياسية، وفي فجوة الثقة المتراكمة بالسياسات الحكومية، مما ينعكس داخلياً وخارجياً، ولا يزال الإعلام الأردني عموماً يعاني من عدم إدراك الدولة لأهمية بناء ماكينة إعلامية قوية ومحترفة وقادرة على بناء قنوات من التواصل الفعّال مع الجمهور في الداخل فضلاً عن الخارج، وبناء الرسالة السياسية الأردنية المطلوبة.
لو وقفنا عند الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وراجعنا الموقف الأردني من اللحظة الأولى، وقارنّاه بالمواقف الدولية والعربية جميعاً، ثم رصدنا الخطاب الدبلوماسي الأردني خلال عامين من الحرب، على صعيد الملك ووزير الخارجية، وحتى مقابلات الملكة التلفزيونية، لوجدنا أنّه لا يوجد أقوى وأوضح من هذا الموقف وأكثر صدامية منه مع السياسات الإسرائيلية، ولرأينا كيف قام الأردن بدور مفتاحي ومحوري بتطوير الموقف العربي والإسلامي أيضاً وبناء خطاب دبلوماسي مؤثر حتى على الأوروبيين.
مع ذلك فإنّ هذا الخطاب والموقف الدبلوماسي لم ينعكس على صورة الأردن بالطريقة أو الدرجة المطلوبة، وبقيت حملات الترويج لمواقف أقل شأنا من الأردن ولسياسات لا تقارن بالسياسات الأردنية، والفرق هو «الصناعة الإعلامية» للرسالة السياسية، التي لم نصل إليها بعد أردنياً، وما زلنا نجهل قيمتها الكبرى والرئيسية في عالم السياسات اليوم!
ضعف الصناعة الإعلامية يقف وراءه عاملان رئيسيان؛ الأول ضعف في إدراك المسؤولين لدينا لأهمية الاتصال السياسي، واقترانه الضروري بالعملية السياسية، بوصفه جزءاً منها، ويرتبط بذلك محدودية الموارد المالية والأخرى المطلوب أن توفرها الدولة للإعلام ليقوم بالدور المطلوب منه، والثاني هو عدم تطوير النخب السياسية والمثقفة والإعلامية لبنية صلبة للرسالة الإعلامية الأردنية كي تتمكن الدولة من تبنيها وتوظيفها في بناء الصورة الإعلامية.
دول أفقر بكثير من الأردن ولا تمتلك من الموارد المالية والاقتصادية والكفاءات البشرية ما يمتلكه الأردن تهتم بالإعلام والصورة الإعلامية والرواية بدرجة أكبر بكثير مما نقوم به، لأنّها تدرك تماماً أهمية ذلك على صعيد الشرعية السياسية وعلاقة الرأي العام بالمجتمع وصورة الدولة بالخارج.
المسألة لا تتعلق بالضرورة بالرسالة الإعلامية بالمعنى المباشر والرئيس، بل ببناء الصورة والرواية، ولعلّ الدور الأكبر بهذا المجال يقع على عاتق الثقافة والفن، فالمسلسل والمسرحية والفيلم والرواية والقصة هي أداوت فاعلة ومهمة في بناء الصورة بل ورسمها بصورة محترفة، وهي المجالات التي تسمح للدولة تمرير ما تريده من رسائل وصور إعلامية وسياسية بصورة ذكية وخفية وغير مباشرة.
ثمة كثير مما يقال عن موضوع الرواية الإعلامية وصورة الدولة داخلياً وخارجياً، وعن القصور الكبير في هذا المجال ليس حالياً فقط بل تاريخياً، لكن المهم أن تبادر النخب المثقفة والسياسية لبناء تصورات وتقديم اقتراحات للمرحلة القادمة.

نيسان ـ نشر في 2025-12-29 الساعة 10:05


رأي: د. محمد أبو رمان وزير أردني سابق، باحث ومتخصص في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي. من كتبه "السلفيون والربيع العربي"و" الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي"و "الحل الإسلامي في الأردن" و"الإسلاميون والدين والثورة في سورية".

الكلمات الأكثر بحثاً