اتصل بنا
 

كيف يمكن للألماس أن يُحدث ثورة جديدة في عالم الكمومية؟

نيسان ـ نشر في 2025-12-30 الساعة 12:31

كيف يمكن للألماس أن يحدث ثورة
نيسان ـ أطلقت شركة التعدين «دي بيرز» قبل نحو 80 عاماً شعاراً يقول إن «الألماس أبدي». والآن يحمل هذا الشعار التسويقي بُعداً جديداً يتناسب مع عصر الكمومية، حيث يجري العمل على استغلال متانة الألماس، التي جعلته حجراً ثميناً في صناعة المجوهرات لآلاف السنين، لتحويله إلى جهاز استشعار متطور يسمح لنا بقراءة موجات الدماغ، والتنقل دون الحاجة إلى الأقمار الصناعية، وتشخيص الأمراض بسرعة وفعالية أكبر.
ويعتمد هذا العصر الجديد للألماس على قلب خصائص الانتظام التي لطالما جعلته مرغوباً فيه لجماله، فمن خلال إدخال عيوب دقيقة في بنيته البلورية عالية التنظيم، يستطيع العلماء جعله كاشفاً فائق الحساسية للظواهر الكمومية دون الذرية.
وتُعدّ الاستخدامات الجديدة المبهرة للألماس جزءاً من قفزة نوعية أوسع في قدرات الاستشعار عالية الدقة، استناداً إلى عالم ميكانيكا الكم المثير للاهتمام. وبعد مرور قرن كامل على وضع العالم الألماني فيرنر هايزنبرغ إطاراً رياضياً لتفسير فيزياء الكم، يشهد العالم ما يسميه العلماء «ثورة الكم الثانية».
وتمحورت الثورة الأولى حول فهم سلوك الكم، ما أرسى دعائم العصر الصناعي للإلكترونيات والليزر والموصلات الفائقة. أما الثورة الثانية، فتتمحور حول التحكم الدقيق في عمليات الكم، لفتح آفاقٍ جديدة واسعة في مجالات مثل الحوسبة والتشفير والاستشعار.
وبالنسبة للألماس، تأتي ثورته الكمومية في وقت يعاني فيه القطاع ككل من أزمة. فقد تراجعت مبيعات مجوهرات الألماس الطبيعي بشكل حاد منذ جائحة كوفيد19، ويعود ذلك في معظمه إلى المنافسة الشديدة من أحجار الألماس الاصطناعية الرخيصة المصنعة في الصين. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يرى البعض في هذا القطاع «ألماس التكنولوجيا»، مثل ألماس الكم المصنّع في المختبر، وسيلة واعدة للنمو.
وقد تركزت معظم الإثارة حول تقنيات الكمومية على تطوير حواسيب تعد بخصائص تتجاوز حتى أكثر الأجهزة تطوراً الموجودة حالياً. بينما لا تزال الحواسيب الكمومية ذات الفائدة الواسعة في مختلف المهام بعيدة المنال حتى الآن، فإن أجهزة الاستشعار الكمومية باتت أقرب إلى الواقع. ويجري تطبيقها بالفعل في مجالاتٍ تتراوح بين التصوير الطبي والساعات فائقة الدقة والملاحة.
يقول السير بيتر نايت، عالم الفيزياء الكمومية رئيس المجلس الاستشاري الاستراتيجي للبرنامج الوطني البريطاني لتقنيات الكم: «تُعدّ الليزرات وأشباه الموصلات والموصلات الفائقة جزءاً من الثورة الكمومية الأولى، وقد أحدثت تحولاً جذرياً».
ويضيف نايت، الذي يرأس أيضاً معهد القياس الكمومي في المختبر الفيزيائي الوطني البريطاني: «تتمثل الثورة الثانية في القدرة على استخلاص المعلومات على المستوى الكمومي من المادة الذرية ومعالجتها، وهذا سيوفر لنا أجهزة استشعار جديدة، وتوقيتاً جديداً، وقدرات جديدة لنقل البيانات».
وتكمن قوة تقنيات الكمومية في الاستشعار في قدرتها على قياس التغيرات الدقيقة جداً، بدلاً من التغيرات الكبيرة جداً. يشير مفهوم الكم في الفيزياء في البداية إلى كميات محددة - أو «حزم» منفصلة - من الطاقة المنقولة عن طريق تسليط الضوء أو أشكال أخرى من الإشعاع على الأجسام. وبحسب حجم كم الطاقة، يمكن لهذا المدخل أن يغير خصائص قابلة للقياس في الذرات، مثل دورانها واهتزازاتها وسلوك إلكتروناتها.
وتعد جوائز نوبل التي مُنحت في العاشر من ديسمبر خير مثال على ذلك، فجائزة هذا العام في الفيزياء تتعلق بتأثير كمي يُعرف باسم «النفق الكمومي». يشير هذا التأثير إلى كيف أن الجسيمات الكمومية تبدو أحياناً كأنها لا تُحجب بالحواجز المادية، بل يمكنها الظهور على الجانب الآخر منها. ويمكن تشبيه ذلك في التجربة الإنسانية بكرة تنس تُقذف على جدار فتخترقه مباشرةً دون أن تُحدث ثقباً. وميكانيكا الكم منافية للحدس، هكذا وصفها ميشيل ديفوريه، أحد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء، في ستوكهولم قبل أيام من استلام جائزته. وقال: منطقها مختلف تماماً عن المنطق الذي نختبره في حياتنا اليومية.
لكن هذه العمليات هشة وتنهار بسرعة عند تعرضها لتأثيرات عوامل بيئية خارجية كالاهتزازات أو المجالات المغناطيسية. وهذا يعني أنها تحتاج إلى مادة حاضنة متينة تحميها وتُحدث أقل قدر من التشويش. وهنا يأتي دور الألماس، أكثر المواد الطبيعية صلابة على وجه الأرض. فهو مقاوم للاهتزازات بفضل بنيته البلورية الصلبة المكونة من ذرات الكربون، والمرتبطة بروابط كيميائية قوية.
وجاء التعرف إلى الخصائص الكمومية للألماس جزئياً عن طريق اكتشافٍ عرضي قبل 20 عاماً. فقد تم تقطيع حجر وردي طبيعي مُستخرج من سيبيريا، أُطلق عليه اسم الألماس الروسي السحري، وإرساله إلى مختبرات حول العالم. وأثار هذا الاكتشاف موجة من الأبحاث العلمية حول قدرته غير العادية على الحفاظ على حالة كمومية في درجة حرارة الغرفة. ولم تُثمر الجهود المبذولة للعثور على ألماس سحري آخر من خلال التعدين، ولكن في نهاية المطاف تمكن العلماء من بناء ألماس كمومي في المختبرات.
ويوجد أحد هذه الأحجار في حرم هارويل العلمي في أوكسفوردشاير، في مختبر تديره شركة إليمنت سيكس المتخصصة في صناعة الألماس. هو مكعب وردي صغير، أصغر من طرف الإصبع، مُدمج في مستشعر بلاستيكي أسود. وتُعدّ شركة إليمنت سيكس، التي سُمّيت بهذا الاسم لأن الكربون هو العنصر السادس في الجدول الدوري، من بين عدد قليل من الشركات التجارية الرائدة في ثورة الاستشعار الكمومي.
على الرغم من أنها صنعت أول ماسة كمومية لها منذ أكثر من 15 عاماً، إلا أن عملية التصنيع لم تتحسن بما يكفي لإنتاجها بشكل موثوق به وبأسعار معقولة إلا مؤخراً (يمكن شراء الماسة الكمومية اليوم ببضعة آلاف من الجنيهات الإسترلينية). كما شهدت التقنية اللازمة لتضمين الماسة الكمومية داخل قارئ إلكتروني تطوراً كبيراً. وفي هذا العالم دون المجهري، نشهد تأثيرات كمومية تبدو أحياناً غريبة مقارنةً بسلوك الأجسام في العالم كما نراه.
ولا تزال هناك تساؤلات كبيرة حول ما إذا كان الاستشعار الكمومي سيكون مفيداً في الحياة الواقعية كما هو الحال في المختبر، ومتى ستصبح هذه التقنية قابلة للتطبيق تجارياً. كما يمكن لمواد أخرى أن تُنتج تأثيرات كمية قابلة للقياس، مثل الجرافين - الذي يُعدّ، كالألماس، شكلاً من أشكال الكربون - إضافة إلى المواد المحتوية على السيليكون. لكن من أهم مزايا الألماس إمكانية استخدامه في درجة حرارة الغرفة والضغط الجوي باستخدام معدات متوفرة تجارياً.
وشركة إليمنت سيكس مملوكة في معظمها لشركة دي بيرز، التابعة لشركة التعدين أنجلو أمريكان. ومن بين الشركات الأخرى العاملة في هذا المجال شركة كوانتام بريليالنس الأسترالية، التي افتتحت مصنعاً للماس الكمومي الشهر الماضي، وشركة كوانتام داياموندز الألمانية الناشئة، التي تصنع أدوات اختبار لصناعة أشباه الموصلات. وكما هي الحال في مجالات العلوم الرائدة الأخرى، لم يتضح بعد أين سيتحقق أول اختراق تجاري للماس الكمومي.
وتقول كاترين كوبي، الرئيسة التنفيذية لشركة بوش كوانتام سينسينج إن فريقها توصل إلى أكثر من 100 تطبيق محتمل عند إطلاق المجموعة المتخصصة في الماس الكمومي قبل ثلاث سنوات. وهي تتذكر كيف كانت أجهزة استشعار الماس الكمومي في عام 2022 تشغل مساحة نصف غرفة وتكلف ما يعادل شراء منزل عائلي. أما اليوم، فهي بحجم الهاتف الذكي، وقد انخفضت تكلفتها.
وتعدّ الملاحة الجوية أحد الأسواق المحتملة، حيث يُمكن لأجهزة الاستشعار الكمومي أن تحل يوماً ما محل الاعتماد الحالي على أقمار نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، التي يُمكن التشويش عليها بسهولة. ويُعدّ الاستكشاف الجيولوجي لقشرة الأرض استخداماً مبكراً آخر لهذه التقنية إذ ستتمكن أجهزة الاستشعار الكمومي من قراءة التغيرات الطفيفة في المجال المغناطيسي، والتي تُشير إلى وجود رواسب معدنية. وعلى المدى البعيد، تعتقد كوبي بأن مستشعرات الماس الكمومية ستكون ذات قيمة كبيرة في مجال التفاعل بين الدماغ والحاسوب، والذي تُقدّر قيمته السوقية بنحو 5 مليارات دولار في يوم من الأيام. وتقول: رؤيتنا هي أن نمتلك مستشعراً صغيراً جداً وحساساً للغاية لدرجة أنه يستطيع قياس إشارات الدماغ وتحويلها إلى أفعال، بحيث يُمكنك التحكم في الآلات فقط بأفكارك.
لكن التركيز الرئيس للتطبيقات المبكرة لهذه التقنية هو المجال الطبي. وأحد الاستخدامات المحتملة الأولى، والتي تخضع حالياً للاختبار، يُمكن أن يحل محل تخطيط كهربية القلب، وهو إجراء روتيني يتم فيه لصق عدة مستشعرات على صدر المريض لقياس نتاج قلبه. يُمكن لجهاز طبي يعتمد على الاستشعار الكمومي الحصول على المعلومات نفسها بمجرد وضعه بالقرب من قلب المريض، دون الحاجة إلى أقطاب لاصقة.
ومن المجالات الواعدة الأخرى استخدام الماس المُحتوي على فراغات نيتروجينية للكشف عن الفيروسات المُسببة لأمراض مثل كوفيد 19 وفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز في مرحلة مبكرة مقارنةً بالاختبارات الحالية، ما يسمح بالتشخيص المبكر الذي قد يكون حاسماً في علاج المرضى.

نيسان ـ نشر في 2025-12-30 الساعة 12:31

الكلمات الأكثر بحثاً