اتصل بنا
 

عن الجلوة العشائرية والدولة المدنية 

نيسان ـ نشر في 2016-01-17 الساعة 10:54

x
نيسان ـ

.

محمد قبيلات.. قد يكون الفصل أو القطع مع الماضي ضرورة في حالات تشوه عملية التطور الاجتماعي والثقافي، ولا يمكن لهذا القطع أن يترسخ إلا بإرساء قوانين صارمة تعمل على ترسيخ المُثل الجديدة بالقوة والجبر.

العادات والقيم والمُثل عموما تُتوارث من تشكيلة اجتماعية إلى أُخرى، فهي أصلا تولّدت في حقبة تاريخية ما، حسب شكل العلاقات المادية التي هي الأساس الذي يُشكل مصالح الفرد أو المجموعة .

في حالة التطور الاجتماعي الطبيعي المتدرج الثابت، فإن البنى الفوقية من الآليات والقوانين التي تُسيّر شؤون المجتمع تتطور بشكل طبيعي، يتبع تطورالبنى التحتية، لكن عندما تحدث قفزات عن بعض المراحل التاريخية، فإن الإرتباك يشوب عملية التشكل الثقافي للمجتمع فيستحضر أدواته القديمة ويُفعلها.

تاريخيا يكون التوارث للعادات والمُثل هو عامل تراكم حضاري ضروري، لكن للإيجابيات منها، ويتساقط السلبي مع الزمن، مثلا الصدق والشجاعة والكرم، هي قيم توارثتها المراحل التاريخية وظلّت قيما إيجابية في المجتمع رغم تبدل أشكال الإنتاج، وبالتالي موقع الجماعات حسب المصالح.

لكن ليس من المنطقي أن تظل العادات السلبية تتوارث، فلقد كانت أدوات دفاعية- ربما أيجابية- للبشر عندما كانوا يعيشون كجماعات ضمن ظروف وتشكيلات الاقطاع وما قبله، فكان لا بد من التصرف كمجوعة غريزية ضد الجماعات البشرية الأخرى للدفاع عن المصالح المشتركة للمجموعة.

الآن من الطبيعي أن تسقط هذه السلوكيات الدفاعية مع تشكُل الدولة وتفكك شبكة المصالح للمجوعات القبلية، وانخراط أفرادها مصلحيا ضمن فئات وطبقات ممتدة خارج حدود القبيلة، لكن التشوهات التي شابت عملية التطور خلطت الحابل بالنابل، فأصبحنا نعيش في دولة مدنية وتشكيلة اجتماعية متطورة نسبيا، لكن بعقلية وثقافة التشكيلات الاجتماعية السابقة.

المشكلة أن هذا التشوه وافق مصالح بعض الطبقات المُتسيّدة، فأبقت عليه ومنحته فسحة شرعية وقانونية، حيث تم تمرير التشوه من خلال دور وزارة الداخلية والحكام الإداريين في حل القضايا، التي هي أصلا واضحة بالنسبة للقانونيين والقضاة، ولا تحتاج لأية تكييفات.

مثلا؛ صار واجبا على القاضي أو النائب في البرلمان أو العسكري أو الأمني أو الطبيب أن يرحل مع قبيلته لأن قريبا (بعيدا) له- ربما لا يعرفه- اقترف عملا من المفروض أن يعاقب عليه مرتكب الفعل وحده أمام القانون، لكن العقوبة تشمل كل هؤلاء الذين لا ذنب لهم، وأصلا لم تعد تربطهم مصالح فعلية بالمتسبب، ولا يشتركون معه إلا بالإسم الأخير.

المفروض أن يتم نقل ملفات الجرائم والحوادث بشكل كامل لهيئات التحقيق والقضاء، ولا يُترك أي مجال للتدخل من قبل أية هيئات أخرى اجتماعية أو رسمية في هذا المجال، وأن تُغلظ العقوبات على كل من يحاول أن يأخذ حقه بيده.

غير ذلك، تصبح كل الأحاديث الرسمية عن استقلال القضاء وهيبة الدولة من دون معنى.

نيسان ـ نشر في 2016-01-17 الساعة 10:54

الكلمات الأكثر بحثاً