اتصل بنا
 

المعيار ورحلة الفهم المجتمعي العربي

أكاديمي عراقي

نيسان ـ نشر في 2016-01-26 الساعة 11:33

نيسان ـ

>

كلما نحاول ان نحدد مفاهيم جديدة للتلقي في عالمنا المتغير تنشق في اذهاننا الطريقة او المنهج الذي يجب علينا اتباعه حتى لا نثير حفيظة الآخرين . وهذا الامر قد ينسحب على نوع المفاهيم الجديدة ويترتب هذا الانسحاب على تبعات اخرى قد تشمل حتى اهتزاز في المعايير التي سوف تحكم افكارنا .... المشكلة الحقيقية التي ستواجهنا هي ما الذي يحكمنا هل ( المجتمع ) ام ( الفرد ) ام ( الفكرة )...؟؟ هذا من ناحية ومن ناحية اخرى كيف يمكن لنا نحقق الموازنة بين الوحدات الثلاثة السابقة ؟؟ لقد حاول علماء الاجتماع ان يضعوا لنا الحلول وفق نظرياتهم الاجتماعية وكانت أبرز المحاور التي اشتغلوا عليها هو محور الصراع الاجتماعي الذي اعتمد المحركات الثلاثة المال , السلطة , الجنس , ولكن الذي يشغل بالي اليوم فعلا تساؤل جديد هل الإشباع في المحركات الثلاثة يودي الى بنية مجتمعية مهزوزة ام الخروج من هذا المثلث المادي يمنح الاستقرار اكثر ؟؟ ..... اما فيما يخص الوحدة الثانية ( الفرد ) فقد استطاعوا علماء النفس ان يضعوا لنا الحلول النفسية ويحددوا لنا ثلاثة معايير يمكن لنا ان نقيس فيها الفرد كإنسان منتمي للآخرين وكذات مستقلة وهذه المعايير الثلاثة هي :

1 . ان الانسان شبه كل الناس . ( وهو معيار جمعي )

2 . ان الانسان يشبه بعض لناس . ( وهو معيار نسبي )

3 . ان الانسان لا يشبه احد . ( وهو معيار فردي )

وهنا تم حل المسألة من قبل فرويد ويونغ لنرتمي في احضان التحليل النفسي واكذوبة الشعور المتدفق واللاشعور الذي يتحكم في كثير من تصرفاتنا وسلوكنا الفردي والجمعي وحتى النسبي .

لم يبقى لنا لكي نصل الى حقيقتنا سوى الوحدة الثالثة ( الفكرة ) وهي العنصر الذي سيحدد المنظومة العقلية التي نعتمد عليها في تحريك المفاهيم والانتماءات والمعتقدات وفي النهاية هي ممارسة تتابعية وصيرورة ترتبط بالوعي قد ارتباطها بالابداع والخلق .. فتؤسس للحضور الانساني والمجتمعي , لذلك هي تعتمد مبدأين اساسيين هما الذاتية والموضوعية في التناول والصراع بين الاثنين .

لم تستطع المنظومة الفكرية العربية المستوردة للثقافات الاستهلاكية ان تحقق التوازن المعرفي بين الوحدات الثلاثة ( المجتمع , الفرد , الفكرة ) لكونها عملت على الخلط بين معاييراها التي بنت عليها قواعدها المتهالكة . فلو عدنا الى الوراء قليلا نجد ان اهم ما كان يتحقق من صراع في منظومتنا العربية هو صراع يضيق الافق فيه كلما اتسعت الذاتية , فنحن بدأنا صراعنا بالبحث عن القومية العربية ووحدة الهوية والانتماء الى الارث التاريخي برموزه الجاهلية وما بعد الجاهلية ( الاسلامية ) والكينونة التي تستمد بنيتها الاساسية من الاجداد والقيم ليتحول بعد ذلك الصراع الى محور اضيق وهو البلد او الدولة ومن ثم الحكومة ومن ثم فئات المجتمع لتصل الى الصراع القبائلي ... فتحترق لدينا اول الاوراق وهو ( المجتمع ) . اما الفرد فكان اسرع من الوحدة الاولى في تنازلاته فهو بطبيعته الذاتية لايشع بالانتماء على قدر شعوره اتجاه ذاته , لذلك انطبعت سلوكياته المعرفية وحوصرت من ل تهميش الذات اولا , حتى اصبحت عملية العبور من خلاله اشبه بالعبور من خلال باب مخلوع ,,, فهو عاجز عن المقاومة كما هو عاجز عن التعبير عن عجزه , وهذا بالتاكيد يرجع الى الافكار الشمولية التي سيطرة عليه ونالت من كينونته , ففكرة القانون والدين والمعتقد والمذهب والطبقية والمستقبل والضمانات المفقودة والجنسانية والعرق , كلها افقدته الماهية التي كان يتمتع بها في السابق .

اما اذا وصلنا الى الوحدة الثالثة ( الفكرة ) انشقت لدينا تساؤلات عدة منها . ما الذي حدث للفكرة عندنا ؟؟؟ لماذا اصبحت غامضة وغير مرتبة ؟؟ اين الخلل ؟؟ وكيف يمكن لنا ان نعيد بناء الافكار ؟؟؟ ... الحقيقة اقول لقد فقدنا اليوم فكرة وجودنا حتى اصبحنا لا نبحث عن وعي الوجود لكوننا لم نحقق وجودنا المجتمعي كفكرة وكحضور فاعل متنامي ذو ايقاع تصاعدي افقي .. نحن اليوم نحتاج ان نبحث عن فكرة الوجود المجتمعي العربي ومن ثم نؤسس له ( وعي المجتمع ) حتى لا نفقده مره اخرى ....لا نحتاج ن نعرف الصراع وتشكلاته الاجتماعية ولا نحتاج ان نعرف ما الذي حدث مع فرويد ويونغ ولا تهمنا المعايير الثلاثة للفرد , بل يجب ان نبحث في مكامن انفسنا وظلمات الذات ان نفتح الضوء ولا نسمح بإطفائه مره اخرى , ان نكون مع كينونتنا وليس ضدها ولا نتلاعب بالحقائق وبان لا... ولا ... ولا.... اخشى ان تكون هذة ال ( لا ) هي السبب في ثقافتنا المهزوزة .

ان المعيار ورحلة الفهم المجتمعي العربي اصبح يخشى التقييم وتفسير الحالة المرضية التي وصل لها فهو كالمريض الذي يخاف العلاج فيرفض ان يعالج بحجة انه لا يثق بهذا الطبيب .

نيسان ـ نشر في 2016-01-26 الساعة 11:33

الكلمات الأكثر بحثاً