ناقشني بس.. وطّي صوتك
نيسان ـ نشر في 2016-01-28 الساعة 18:14
الدكتورة إلهام العلان
مبدئياً، علينا أن نتفق أن الصوت العالي يُثير الإستياء، ويستفز الآخرين، ويُعكر المزاج، ويزيد الطين بلة في بعض الحوارات، قد يؤدي للعراك بالأيدي والكراسي أو "والله لأطخك"..
في هذا يقول العالِم النفسي البرفيسور "وليم ترثون" في كتابه "الصوت والمخ" والعلاقة المتبادلة بينهما: إن الأصوات تُختزن في المخ على هيئة تفاعلات كيميائية.. هذه التفاعلات تُحدث تأثيراً في مشاعر الإنسان وانفعالاته، وتظهر في سلوكه في صور خمول أو نشاط.. فرح أو حزن..سعادة أو ألم..
كما وتُشير الدراسات النفسية وعلم الأصوات، أن الصوت دليل بارز على الحالة النفسية والاجتماعية للإنسان، لهذا فالتعامل مع شخص مرتاح البال يختلف عن آخر تتراقص الشياطين أمام عينيه آخر الشهر والجيبة طفرانة، فحذاري أُيتها المرأة من مناقشات آخر الشهر، وإنتبه أيها الرجل من التعرض للمرأة وعندها غسيل وطبيخ وهذا يصرخ وذاك يُنادي "مامااااا تعالي درسيني".. فإدراك نبرة الصوت تُسهل عملية التواصل بين الأشخاص..
كما لم يثبت أن هناك صوتين متشابهين في عدد الذبذبات، فالأحبال الصوتية للمرأة قصيرة ورقيقة، لهذا عند إستفزازها، جملها قصيرة ومش قادرة توخذ نفس، وإذا جنبها شبشب تناولتك فيه، وإذا زوجها أمامها بصير صوتها يشحط، وبنشف ريقها وطالع نازل، لإنها مش قادرة تفش غِلها فيه.. أما الأحبال الصوتية للرجل فهي طويلة غليظة، لهذا لا تلوم أبوك لما ينادي عليك بصوت قد يصل للحارة الثانية وزلزال يقلب الدار فوق تحت، ونوابنا لما تدوي أصواتهم تحت قبة البرلمان حرام ما إلهم دخل، علينا إغلاق آذاننا والتسليم بمصيبتنا، حيث تختلط الأصواتما بين نسّوي ورجّالي، ومظهر لا حضاري يُسىء للقاء تحت القبة..
في هذا، أشارت الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الصوت يدل على الطابع الحضاري أو المتخلف.. ففي المجتمعات المتحضرة تختفي الأصوات المرتفعة وتميل أحاديثهم إلى الهدوء وفي صوت منخفض، أما المجتمعات المتخلفة والمكبوتة سياسياً فتتميز أصواتهم بالإرتفاع والضوضاء في كل مكان، فالأصوات مرتفعة، والضوضاء منتشرة، والفوضى تعم الأماكن، حتى مسيرهم في الطريق غير متوازن ويقاتل "ذبان وجهه"..
كما أشارت تلك الدراسات أيضاً إلى أن الأصوات لها تأثير نفسي عميق على الإنسان بغض النظر عن محتوى الكلام الذي تنقله تلك الأصوات، تلاحظ ذلك عندما تستمع لأغنية مش فاهم أشي منها ومع ذلك تقول "روعة حبيتها"..أو عندما يلتقي خطيبان وتبدأ العروسة تتمتم ويقول لها: "مش فاهم اشي بس والله بجنني"..
لهذا، فالأصوات مفاتيح القلوب، وقدرتنا على تهذيبها وتتطويعها يعكس شخصية قادرة على تحمل الكثير من معاناة الحياة؛ فخطيب المسجد قادر على امتصاص احتقان المواطن، والنواب قرفتونا بصراخكم "وعزرتوا علينا بين الدول".. أما الزوج والزوجة فهذه قصة أخرى، لا زلمنة يعلى الصوت ولا شطارة تُردي الجواب جوابين، ناقشني لكن أرجوك: وطّي صوتك..