اتصل بنا
 

جنيف السوري يستنسخ متاهات سابقه الفلسطيني!!

باحث سوري

نيسان ـ نشر في 2016-02-01 الساعة 17:39

نيسان ـ

خاص بنيسان

افتتحت مؤخراً، أعمال النسخة الثالثة مؤتمر دولي خاص للتأسيس لحل سياسي للأزمة السورية، في مدينة جنيف التي عُرفت بأنها "عاصمة السلام"، تفتح فيها ملفات الدول وتسوية الأزمات الدولية والإقليمية. لذلك أصبحت جنيف مقر العديد من المنظمات الدولية، و أيضا مقرًا لاتفاقيات دولية عديدة. و لم يكن اختيار مدينة جنيف لاستضافة مؤتمر دولي لحل المسألة السورية، اختياراً عبثياً أو أمراً عادياً أو روتينياً بل يحمل اسم المدينة دلالات وذكريات في الذاكرة العربية وعلى نحو خاص لدى الفلسطينيين والسوريين ماضياً وحاضراً. ولعل القاسم المشترك بين مؤتمري جنيف: الفلسطيني والسوري، أنهما يعبران عن شكل من تدويل القضيتين الفلسطينية والسورية، وتدخل قوى عالمية وإقليمية لحلهما أو تسويتهما مرحلياً على قواعد مختلفة من أبرزها قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

وسبق أن فتحت في جنيف بوصفها "عاصمة السلام"، ملفات تسوية أزمات دولية وإقليمية. لذلك أصبحت جنيف مقر العديد من المنظمات الدولية، و أيضا مقرًا لاتفاقيات دولية عديدة.

ولم يكن اختيار مدينة جنيف لاستضافة مؤتمر دولي لحل المسألة السورية، اختياراً عبثياً أو أمراً عادياً أو روتينياً بل يحمل اسم المدينة دلالات وذكريات في الذاكرة العربية وعلى نحو خاص لدى الفلسطينيين والسوريين ماضياً وحاضراً. ولعل القاسم المشترك بين مؤتمري جنيف: الفلسطيني والسوري، أنهما يعبران عن شكل من تدويل القضيتين الفلسطينية والسورية، وتدخل قوى عالمية وإقليمية لحلهما أو تسويتهما مرحلياً على قواعد مختلفة من أبرزها قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

وثمة ما يعزز الجنوح نحو استحضار متطلبات عملية تسوية القضية الفلسطينية وسحبها شكلاً ومفردات على القضية السورية, إذ تتداول مصطلحات مثل: "الهيئة العليا للمفاوضات"، و "كبير المفاوضين السوريين"، و "المبعوث الدولي"، و "مفاوضات جنيف". وجميعها مصطلحات تذكر بمتاهات المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، المستمرة منذ أكثر من 20 عاماً بدون تحقيق أي نتائج.

متاهات جنيف الفلسطيني

عُقِدَت في جنيف الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دولي، في ديوان الجلسات داخل قصر الأمم المتحدة, في الحادي والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) عام 1973. ورأس المؤتمر كورت فلدهايم - الأمين العام للأمم المتحدة, جنبا إلى جنب وزراء الخارجية للدولتين الكبيرتين, عندما في أعقاب رفض مصر والأردن للجلوس مع إسرائيل إلى الطاولة المستديرة في نفس الوقت, فقد جلست الوفود إلى الطاولات على حدة. وتم ترتيب الطاولات على شكل مضلع ذو الأضلاع الستة وتم تخصيص طاولة واحدة فارغة للوفد السوري.

ولم يعد يعقد مؤتمر جنيف جلساته بعد كانون الأول (ديسمبر) عام 1973, على الرغم من أنه الدول العربية والاتحاد السوفييتي والدول الأوروبية المختلفة ادعت مرارا وتكرارا بأنه هذا هو الإطار المفضل للتوصل إلى اتفاقية سلام شاملة في الشرق الأوسط.

ومنذ انفضاض الجلسة الأخيرة لمؤتمر جنيف في 22/12/1973، بدأت تثور الشكوك حول إمكانية استئناف المؤتمر والخوض في مرحلته الثانية. فعلى الرغم من حالة الإنفراج التي حكمت علاقات القوتين العظميين وتواصلت بين مد وجزر حتى أواخر السبعينيات، فقد بدا منذ عام 1974 أن الولايات المتحدة ليست على استعداد للسماح للاتحاد السوفييتي بتعزيز مواقعه في المنطقة العربية من خلال المشاركة الفعالة في تحقيق تسوية شاملة.

وتبين بعد ذلك، ومن الطريقة التي تم فيها تحقيق فصل القوات على الجبهتين المصرية والسورية، أن كيسنجر بنى سياسة الخطوة خطوة انطلاقا من هدف استراتيجي هو الحيلولة دون مشاركة الاتحاد السوفييتي في هذه الخطوات، وبالتالي عدم افتراض حتمية التوصل إلى تسوية شاملة عبر مؤتمر جنيف.

وشهد عام 1974 حدثان رئيسان لهما مساس بإمكانية انعقاد مؤتمر جنيف، أولهما فضيحة ووترغيت في الولايات المتحدة وسقوط نيكسون، والثاني هو عقد قمة فلاديفوستك بين الرئيس الأميركي الجديد فورد، والرئيس السوفييتي بريجنيف، تلك القمة التي تمخضت عن عقد اتفاقية "سالت" المؤقتة.

أما بالنسبة لمؤتمر جنيف، فقد كان البيان الصادر عن قمة بريجنيف-فورد في 24/11/1974 مؤشرا على تراجع الحماس له ولإمكانية عقده. حيث أشار البيان فقط إلى أن عقد المؤتمر " له دور مفيد" في إيجاد التسوية السلمية.

وشهد النصف الأخير من العام 1977، انتعاشة لاحتمالات انعقاد المؤتمر الدولي، ثم ما لبثت أن تلاشت مع انعقاد ما سمي المؤتمر التمهيدي في القاهرة في 14/12/1977 لاستئناف مؤتمر السلام في جنيف. وكان انعقاده نتيجة مباشرة للزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس المصري، أنور السادات لإسرائيل في 29/11/1977. وقامت القاهرة هذه المرة بتوجيه الدعوات لحضور المؤتمر. وكان الجديد هو توجيه دعوة رسمية لمنظمة لتحرير الفلسطينية للاشتراك في المؤتمر كوفد مستقل وعلى قدم المساواة مع الأطراف الأخرى التي وجهت إليها الدعوة. وفي 26/11/ 1977، أعلنت الولايات المتحدة عن موافقتها على حضور المؤتمر التمهيدي " على مستوى الخبراء"، وليس على مستوى وزراء الخارجية على النحو الذي كانت القاهرة قد أعلنته. وفي اليوم ذاته، أعلن الإتحاد السوفييتي عن رفضه حضور المؤتمر. و رفضت سوريا الدعوة مسبقا، أما الأردن فقد رفضت بطريق غير مباشر حين أعلن أن الحكومة الأردنية على استعداد للمشاركة فى حالة حضور جميع الأطراف المعنية مباشرة.

جنيف السوري

أمل عموم السوريين إلى أن يكون مؤتمر جنيف محطة انطلاق عملية تغيير الحال الراهنة التي يمتزج فيها القتل، وتدمير للبيوت والممتلكات. وإفقار أكثر من ثلثي السوريين ، وتشريد نحو ثمانية ملايين شخص عن بيوتهم في الداخل أو في الخارج، وسقوط ما لا يقل عن مئتي ألف سوري قتيل ضحية للعنف، وهناك ما لا يقل عن هذا العدد من الجرحى ومثلهم من المعتقلين.

ويبدو انقسام السوريين إلى متفائلين ومتشائمين إزاء انعقاد ونتائج مؤتمر جنيف-3، أمراً مبرراً لدى عموم السوريين وعلى نحو خاص جمهرة المثقفين والسياسيين. فثمة حالة من الربط والفصل، في آن معاً، بين القضية الفلسطينية والمسألة السورية.

ويخشى السوريون أن يتحول مؤتمر جنيف الثالث مدخلاَ لأكثر من جنيف لاحقاً على غرار ما حدث للفلسطينيين في جنيف1974 الذي شكل مدخلاَ لاتفاقات كامب ديفيد ومؤتمر مدريد ومعاهدة السلام الإسرائيلية-الأردنية واتفاق أوسلو. او بداية لعملية سياسية تفضي إلى عرقنة سورية.

وإذا كانت مبادىء الحرية والعدالة الدولية وحق التدخل الدولي الإنساني والاستجابة للحقوق المشروعة للفلسطينيين والسوريين، هي الثابت الجوهري الافتراضي لجنيف الفلسطيني وجنيف السوري التي لا يتم علاجها بل يجري إخضاعها لحسابات ومصالح، فإن المتغيرات تتعلق بتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية تتعلق بالجغرافيا والديمغرافيا يجري العمل لحلها بمنطق حسابي وبمعادلات تبادل الأرض بالسلام أو تبادل أراضي وتبادل ديمغرافي.

وفي الحالة السورية يسعى رعاة مؤتمر جنيف-3 نحو دفع السوريين المتفاوضين، الذين وضعوا في منزلة وكلاء لأطراف دولية وإقليمية، نحو إنجاز تسوية تلبي مصالح واستراتيجيات دولية وإقليمية قد تفضي إلى تهديد وحدة سورية الجغرافية والديمغرافية أو تحويل سورية إلى الولايات المتحدة السورية، أو تفتيت العناصر المكونة للقضية السورية وافتعال قضايا أخرى أو إحياء قضايا نائمة تحول السوريين إلى جماعات وقبائل و"شعوب" في استنساخ لما جرى للقضية الفلسطينية من تحويلها إلى قضايا فرعية لمجموعات فلسطينية داخل وخارج فلسطين، يجري حل قضايا ومطالب كل مجموعة بشكل منفصل عن قضايا المجموعات الأخرى.

توأم سيامي سياسي

تبدو جدلية الربط والفصل بين القضية الفلسطينية والمسألة السورية عملية معقدة، ويتم عادة تسطيحها إلى عملية ربط ميكانيكية مشفوعة بمعادلة ترتيب الأولويات السفسطائية التي سادت في الفكر السياسي القومي العربي. وتمثلت في الانقسامات والسجالات القومية والقطرية حول الشعارين التاليين: الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين وتحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية. وأيضاً حول تراتبية مسائل: الوحدة والحرية والتحرير فكانت المعادلة البعثية متمثلة في ثلاثية: وحدة، حرية، اشتراكية، متزامنة مع معادلة: حرية، وحدة، اشتراكية أو اشتراكية، وحدة، حرية أو تحرير.

وراهناً، تختزل الثلاثية المذكورة إلى ثنائية الحرية والديمقراطية ولا تستبدل برباعية الحرية والديمقراطية و التحرير والوحدة. أي استعادة الحتمية التاريخية مع ما تستلزمه من أواصر التضامن والتعاطف المتبادلة المستمدة من "العلاقة الخاصة والمميزة" بين الشعبين الفلسطيني والسوري.

وهنا لا بد من التذكير أن الحقوق الوطنية الفلسطينية قوضتها اتفاقات أوسلو وملحقاتها وبروتوكولاتها قبل عقود من نشوب الثورة السورية، فضلاً عن أن السلطة الفلسطينية تعلن جهاراً التزامها بشعار "الحياد"، الصيغة الفلسطينية لسياسة "النأي بالنفس" اللبنانية، وبمبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية", ولا تستر تموضعها السياسي الذي برز في مناسبات مختلفة في زيارات علنية لمسؤولين فلسطينيين رسميين على دمشق.

وكي يستقيم فهم جوهر عملية الربط العضوي بين سورية وفلسطين، لا بد من التشديد على وصف الدكتور غسان سلامة في أحد كتبه سورية بخريطتها السياسية الحالية بأنها "دولة ما تبقى" في إشارة إلى كونها نتاج عملية تقسيم وتفتيت بلاد الشام أو ما يسمى سورية الكبرى.

وتجري راهناً عملية إعادة إنتاج المسألة السورية التي قد يترتّب عليها تشكّل تضاريس خريطة سياسية جديدة للمنطقة قد تأخذ شكلاً تقسيمياً منشوداً من جهات إسرائيلية تعتقد بأن "الثورات والحروب في الدول العربية لن تؤدي فقط إلى تغيير الأنظمة، بل والى إعادة تصميم خريطة المنطقة".

لكن انهيار دولة ما تبقى وتفتيتها إلى رزمة "أفغانستانات" أو "بانتوستانات" قد يشمل الدول والكيانات السياسية المجاورة ويُنتج هويات أقلوية مذهبية لن تُقدم حلولاً عملية للأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العميقة التي تعم أرجاء الشرق الأوسط بل حلول كارثية ستتمثل في حروب طوائف وأقليات تكبح الحريات وتجعل من عملية الدمقرطة أمراً صعب المنال.

ويمكن القول إن القضيتان الفلسطينية والسورية هما توأمان سياميان سياسياً وجغرافياً وديمغرافياً واقتصادياً، وجوهرهما يتمثل في مسألة حرية الوطن والمواطن غير القابلة للتجزئة. وينبغي أن يتم التعامل مع فلسطين قضية وشعباً بمنطق انتهازي سياسي بل وفق إستراتيجية واضحة وتكتيكات دقيقة تتلاءم مع استحقاقات المرحلة السياسية من إخضاع متبادل للعاملين القومي والقطري، يضمن الخصوصية القطرية الوطنية.

نيسان ـ نشر في 2016-02-01 الساعة 17:39

الكلمات الأكثر بحثاً