اتصل بنا
 

لماذا تفشل تحالفات الرياض في المنطقة؟

احث مصري في شئون التنمية السياسية

نيسان ـ نشر في 2016-03-11 الساعة 16:36

نيسان ـ

لا تُعتبر الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، إلى إيران، على مدار يومَيْن مؤخرًا هي "الخيانة" الوحيدة التي تتلقاها الرياض لسياساتها في المنطقة، فمن قبلها كان الموقف المغربي الذي وأد القمة العربية الدورية من قبل أن تُعقَد، والموقف المصري الذي للأن؛ لا يعطي الرياض ما تريده صراحة ووضوحًا في الموضوع السوري والصراع المحتدم بين الرياض وإيران.

ولا يقف الأمر عند هذه الدول؛ حيث إن الموقف متدهور في دول الخليج العربي ذاتها، التي من المفترض أنها تُعبِّر عن القرار السعودي بشكل يصفه البعض بالأوتوماتيكي؛ حيث لم تلقَ قرارات الرياض الأخيرة في صدد "حزب الله" اللبناني، الحماسة اللازمة من جانب بعض دول مجلس التعاون الخليجي، والتي لم تأبه بقرار المجلس الأخير باعتبار الحزب تنظيمًا إرهابيًّا.

على رأس هذه الدول، سلطنة عُمان، التي كانت ضمن خمس دول عربية رفضت قرار دفعت به الرياض إلى اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب المقرر في القاهرة الخميس، 10 مارس 2016م، والقاضي بتصنيف حزب الله اللّبناني كمنظمة إرهابية.

سيناريوهات تتكرر!

ويبدو أن سيناريو الانقسام العربي الذي وقع في العام 1990م، يتكرر عندما قررت الرياض وقتها – أيضًا – كسر الإجماع العربي إزاء قضية التدخل الأجنبي في المنطقة، واستدعاء قوة نيران غربية ودولية، كانت الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، من أجل إخراج صدام حسين وجيشه من الكويت، بعد احتلاله في الثاني من أغسطس من ذلك العام.

كانت المخاوف السعودية واعتبارات الأمن القومي المتعلقة بنظام آل سعود في حينه، هو المحرك الأساسي لواحدة من أسوأ هزائم العرب، بحسب الكثير من المؤرخين؛ حيث كان التدخل الأجنبي مقدمة لبدء مخطط تفكيك المنطقة العربية، بدءًا من العراق، بعد حصاره لسنوات طالت، بعد أن تم تدمير جيشه، قبل أن يتم تدمير الدولة نفسها في ربيع العام 2003م.

لم يكن الأمن القومي العربي في ذلك الوقت هو المحرك الرئيسي للتحالفات التي بنتها الرياض، وأتت بالأمريكيين والبريطانيين مرة أخرى إلى منطقة شرق السويس، بعد أكثر من ثلاثين عامًا من نجاح مصر وحركة القومية العربية في طردهم منها.

أتى الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون، هذه المرة لكي يبقوا، والمبرر قائم، وهو سلسلة من الأزمات الباردة والساخنة التي "تهدد الأمن والسلم الدوليَيْن" بما يوجب أن تتواجد القوى العظمى في المنطقة، لحماية مناطق النفط، وأمن إسرائيل، وطرق التجارة العالمية، واستكمال مخطط الفوضى الهدامة.

وفق الكثير من المؤرخين، كان يمكن معالجة أزمة احتلال العراق للكويت، في إطار عربي، وكانت هناك الكثير من الوساطات التي قاد بعضها الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وكادت أن تسفر عن نتائج لولا أن استبقها التحرك العسكري، في السابع عشر من يناير عام 1991م.

ومن بين أهم أدوات التحليل السياسي، التي تسمح بالمزيد من الفهم للظواهر الموجودة؛ هي المقارنة التاريخية؛ حيث يمكن من خلال المقارنات الوصول إلى القوانين التي تحكم ظواهر الواقع، والوسائل السليمة التي يمكن من خلالها التعامل بها معها، وتفادي الأخطاء، وهي طبعًا كلها أمور لكل ذي عينَيْن ممن يتمتع بالرشادة، وليس على قدر من المراهقة السياسية بطبيعة الحال.

من خلال المقارنات التاريخية؛ سوف نجد أن ذات هذا السيناريو، يتكرر في وقتنا الراهن، ويبدو أن حرائق المنطقة لا تكفي آل سعود، فبدأوا في البحث عن حرائق أخرى، فكان الإعدام غير المنطقي والمفاجئ للناشط الشيعي نمر النمر، الذي بدا وكأنه الشيطان الذي فجَّر أزمة قد تقود المنطقة إلى مجهول أكبر قد تبدو أمامه الأزمة السورية بملايين القتلى والمشردين، ومئات المليارات من الخسائر، والدمار الكامل لبلد من أهم بلدان العرب؛ بمثابة لعب أطفال!

هذه المراهقة السياسية، والإحساس المتعاظم بالذات، في مقابل تراجع القوى العربية التقليدية وراء أزماتها، وعلى رأسها مصر وسوريا والعراق، وغياب الجزائر عن الساحة العربية، بل واحتياج قوى كبرى مثل مصر للعطاء المالي والاقتصادي السعودي، مَنَحَ الفرصة للرياض لكي تتصرف كقوة عظمى، بشكل يفوق قدراتها وعوامل قوتها الذاتية.

سوء إدراك!

قادت هذه الحالة التي تعرف في العلوم السياسية بسوء الإدراك، إلى تعميق الأزمات الحالية في المنطقة، في ظل تدافع الرياض ضد عوامل وقوى عدة لا تسمح إمكانيات الرياض الاقتصادية والعسكرية، ولا تحالفاتها الخارجية، أن تتصدى لها.

وسوء الإدراك هنا يتعلق بعدد من الأمور الأساسية، والتي تتعلق في الأصل، بعوامل القوة الذاتية للدولة، وتشمل القدرات الاقتصادية، والعسكرية، وقدرتها على تبني سياسة خارجية متوازنة، وقادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة، وفق تحالفات دائمة ومستقرة.

وفي حالة السعودية؛ فإن الرياض تدخل المعترك الحالي، باقتصاد مأزوم يعاني من مائة مليار دولار عجزًا، وتراجع في وارداته النقدية بسبب تراجع أسعار النفط.

اقتصاديًّا كذلك، نشرت وكالة "رويترز"، يوم التاسع من مارس الجاري، أن السعودية تسعى لاقتراض ما بين ستة إلى ثمانية مليارات دولار، وهي أول عملية اقتراض خارجي للحكومة السعودية منذ أكثر من عشر سنوات.

عسكريًّا، وبالرغم من امتلاك الرياض لقوة عسكرية محترفة، موزعة ما بين القوات النظامية، وقوات الحرس الوطني، التي يقودها الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والتي تُعتبر صفوة القوات المسلحة السعودية، والأقوى والأحدث تسليحًا؛ إلا أنها في النهاية تعاني من عيب خطير في بنية المجتمع السعودي، وهو القدرة البشرية التي تؤهل الرياض خوض معارك في أكثر من جبهة؛ حيث لا توجد الكتلة البشرية المؤهلة لتجنيد قوة مسلحة كبيرة العدد قادرة على التعامل مع أكثر من جبهة.

إلا أن المؤشر المهم الذي نريد في هذا الموضع مناقشته، فهو ذلك الذي يتعلق بقدرة الرياض على بناء تحالفات قوية ومستقرة، تدعم سياساتها الخارجية الأكثر عدوانية، والتي يقف خلفها – وفق كل تقديرات أجهزة الاستخبارات ومراكز المعلومات الغربية – الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، ووزير الدفاع، ونجل العاهل الحالي للبلاد، الملك سلمان بن عبد العزيز.

وبتحليل المواقف الأخيرة التي أظهرتها المعارك الدبلوماسية المختلفة التي خاضتها الرياض في الـ15 شهرًا الأخيرة التي تلت تولي الملك سلمان للسلطة؛ فإننا سوف نقف أمام علامات فشل لا يمكن أن تخطئها عين، سواء فيما يتعلق بالمؤشرات التي يمكن استخلاصها من مواقف الأطراف المختلفة، أو ما يتعلق باعتبارات الإدارة بالأهداف، وهي من أهم أدوات القياس في مجال العلوم السياسية والاجتماعية.

عواصف الرياض تعصف بتحالفاتها

من بين مظاهر ذلك، عدم انخراط أقرب تحالفات الرياض في الحرب الحالية في اليمن، مما أثر على قدرة السعودية على تحقيق أهدافها في اليمن، والتي أعلنتها الرياض منذ البداية، وهي استعادة سلطة الرئيس هادي منصور في اليمن، وبسط سلطتها على كامل التراب اليمني، والقضاء على شوكة الحوثيين، والقضاء على تهديدهم للحدود الجنوبية السعودية مع اليمن.

فلم يشارك الرياض في عواصف الرياض في اليمن، سوى عدد محدود من الدول، وعندما انتقل الأمر إلى مجال الحرب البرية؛ حتى مصر؛ لم تشارك، وقلصت الإمارات من مشاركتها، بعد تصاعد خسائرها البشرية، وعقم الحرب، والتي لم تتقدم فيها ما يُسمَّى بقوات "الشرعية" كثيرًا منذ يوليو 2015م الماضي.

بقيت السودان وجيبوتي وبعض البلدان الأخرى التي لا تملك الكثير لكي تقدمه في هذا المجال، سوى كسب أرضية مع الرياض.

نفس الموقف تكرر في الأزمة السورية؛ حيث تراجع الأتراك عن تأييد خيارات الحرب البرية، ورفض المغاربة من الأصل مناقشة أي شيء يتعلق بهذا الأمر، بل وأخذت مصر وسلطنة عمان والجزائر وتونس، مواقف أبعد في الأزمة المتفاعلة بشأن "حزب الله" اللبناني، وقرارات الرياض في صدده، فرفضوا الوقوف على الموقف السعودي من اعتبار الحزب جماعة إرهابية، وهو موقف أدى إلى عدم اعتبار مؤتمر وزراء الداخلية العرب الأخير، في تونس العاصمة، للحزب كجماعة إرهابية.

وتكرر ذلك الموقف في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، المنعقد في القاهرة، في العاشر من مارس؛ فبالرغم من كل الهجوم الذي تم شنه في المؤتمر على إيران وسياساتها في الإقليم، وتحميلها أوزارٍ عدة، وبالرغم من أن رئاسة المؤتمر الوزاري العربي، كانت خليجية، ممثلة في الإمارات، وانتقلت إلى دولة أخرى خليجية في هذه الدورة، وهي البحرين؛ إلا أن المؤتمر لم يذكر شيئًا في خصوص "حزب الله"، برغم ضغوط الرياض في هذا الاتجاه.

قاد ذلك إلى أزمة في الموقف العربي، مماثلة لما حدث في أزمة احتلال العراق للكويت، وحرب الخليج الثانية 90/1991م، وبدا ذلك - ببساطة – في أزمة انعقاد القمة العربية المقبلة، كما بدا في سلسلة من الأزمات المكتومة في العلاقات بين دول التحالفات الهشة القائمة حاليًا في المنطقة بسبب حالة الاستقطاب التي قادت إليها السياسات السعودية وغيرها في سلسلة الأزمات التي ضربت المنطقة في السنوات الأخيرة.

الأمر الآخر المهم الذي تتجاوزه سياسات الرياض الخارجية، وهو ربما عامل فشل مهم لما تخططه فيما يخص شكل التحالفات والسياسات العامة في المنطقة، هو الموقف الدولي، وتجاوز رؤى وسياسات القوى العالمية، بالرغم من أنها – في حقيقة الأمر – العامل الأهم في حسم أزمات المنطقة.

ولقد بدا ذلك في الأزمة السورية في أكثر من مستوى؛ فالموقف الأمريكي كان حاسمًا في مسألة عدم تجاوز التسليح الذي توفره الرياض وأنقرة والدوحة للمعارضة السورية المسلحة، لسقف معين، وظل دون امتلاك قدرة هذه الفصائل لما يمكنها به التصدي لمدرعات وطائرات النظام.

كما كان الموقف الأمريكي أحد أهم العوامل التي أوقفت مخططات الرياض الطموحة لغزو بري بمساعدة الأتراك للأراضي السورية.

وحتى لو تأملنا الهدنة الحالية في سوريا؛ فسوف نجد أنها جاءت من خلال تفاهمات أمريكية وروسية فحسب، بينما فشلت القوى الإقليمية والدولية في مؤتمر الأمن العالمي في ميونيخ، في فبراير الماضي، في فرضها.

............

قاد كل ذلك – كما تقدَّم إلى سلسلة من الأزمات الإقليمية التي تتوالد من بعضها البعض، والتي يعود قسمٌ منها إلى سوء إدراك الرياض لعدد من الأمور، أبرزها عناصر القدرة الذاتية، وسوء تقييم المشهد الإقليمي بتعقيداته.

الأهم، من وجهة نظرٍ خاصة في هذا الصدد، هو أن الرياض لا تسمح لنفسها بهامش قبول لمصالح الأطراف الأخرى، السياسية والأمنية على وجه الخصوص في منطقة مشتعلة، ومرشَّح أن تظل مشتعلة.

فتأييد المواقف السعودية من جانب مصر – على سبيل المثال – فيما يخص الملف الإيراني؛ سوف يزيد من متاعب القاهرة الأمنية، في ظل تحكم طهران في مفاتيح العديد من الجماعات المسلحة المصنفة إرهابية، وتعادي النظام المصري.

في الكويت، كذلك، هناك حساسيات بالغة إزاء الملف الإيراني، بسبب طبيعة البلد، والتواجد الشيعي الكبير هناك، وهو تواجد له أسسه الاجتماعية، ومنظَّم سياسيًّا، ولا يريد النظام الكويتي مشكلات طائفية، في ظل كونه مستهدفًا في الأصل!

كما أن الصورة الذهنية لـ"حزب الله" اللبناني، لا تزال لدى قطاع عريض من الشعوب العربية، مرتبطة بحروبه المتواصلة ضد إسرائيل، ولما يفتَّ فيها جرائم الحزب في الحرب الدائرة رحاها حاليًا في سوريا؛ بل البعض يؤيده فيها، باعتبار أن هذا البعض لم يزل على قناعة بمحور الممانعة، وما يرتبط به من مفردات قيمية وسياسية.

الحكومات العربية الحالية، لا تريد المزيد من الحرج أمام شعوبها، في ظل تماس ملف "حزب الله" مع موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، بينما تكفيها مشكلاتها الأمنية، وخصوصًا في المغرب العربي، الذي يواجه قنبلة موقوتة تنفجر من آنٍ لآخر، ممثلة في تنظيمات السلفية الجهادية المختلفة المتمركزة في مساحة شاسعة تبدأ من ليبيا وتنتهي عند ساحل الأطلنطي، وتتعمق جنوبًا، لكي تشمل دول الصحراء الكبرى.

هذه الاعتبارات لا تمثل للرياض شيئًا، وهو ما عرَّض تحالفاتها للانهيار، لأنه – ببساطة – إذا أردتُ أن تُطاع؛ فأمر بما يُستطاع.

ويبقى الوضع الحالي شاهدًا في النهاية، على فشل النظام الإقليمي العربي، ومظلته، ممثلة في جامعة الدول العربية، في صناعة سياسة عربية موحدة، في موقف تعثر الآراء فيه، وعثرة الرأي تردي!.

نون بوست

نيسان ـ نشر في 2016-03-11 الساعة 16:36

الكلمات الأكثر بحثاً