اتصل بنا
 

هل ستنتهي مشاكل تونس بحظر النقاب؟

صحفي تونسي

نيسان ـ نشر في 2016-03-28 الساعة 13:27

نيسان ـ

قدمت كتلة "الحرة" في البرلمان التونسي مشروع "منع إخفاء الوجه في الفضاءات العمومية" والذي يهدف إلى منع ارتداء النقاب في الأماكن العمومية لتعيد بذلك جدلاً كثيرًا ما أسال الحبر في تونس حول الحريات الشخصية وعدم المساس بها بما يضمنه الدستور وبين المساهمة في محاربة الإرهاب لما يعتبر النقاب عند البعض من تهديد للأمن العام لمساهمته في تخفي الإرهابيين حسب وجهة نظر الرافضين له ولما يرونه فيه من عادة دخيلة على الشعب التونسي.

وتدين كتلة "الحرة" التي قدمت هذا المشروع للبرلمان بالولاء إلى الأمين العام السابق لحزب نداء تونس والمنشق عنه محسن مرزوق، وهي عبارة عن عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب والذين وقفوا إلى جانب محسن مرزوق في صراع زعامته مع نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي، والذين انشقوا عن كتلة نداء تونس بالبرلمان ليكونوا كتلة جديدة سموها "الحرة" تختلف مع كتلة نداء تونس في موقفها الرافض للتحالف الحكومي مع حركة النهضة، لذلك يعتبرها الكثيرون الشق اليساري المتطرف الذي كان يختفي تحت رداء حزب نداء تونس بقيادة اليساري السابق والدستوري الحالي محسن مرزوق مستدلين في ذلك على موقف هاته المجموعة وقائدها من أي تحالف مع النهضة.

وعادة ما لا يغيب ملف "النقاب" عن واجهة الأحداث في تونس؛ ففي كل مرة يعود هذا الموضوع ليطفو على السطح من جديد وليثير اهتمام وحديث الرأي العام، لكن عادة ما كان طرحه بعد الثورة من الجانب الحقوقي أو البعد الديني، لكن الأمر اختلف هذه المرة لتتم الدعوة إلى تفعيله من الجانب القانوني في شكل مقترح يهدف إلى منع ارتدائه، ولم يكن من الغريب أن يعمد أي من الأحزاب أو من السياسيين إلى طرح هذا الموضوع كل ما أراد العودة إلى واجهة الأحداث أو إلى تحقيق إشهار مجاني إن غاب حزبه لفترة أو كان منسيًا في وسط كوكبة الأحزاب الكثيرة ولا يكلفه ذلك سوى تصريح يثير فيه الموضوع حتى تدار كل الرقاب له وتتعدد المواقف والمواقف المخالفة التي عادة ما تنتهي بترك الموضوع جانبًا لفترة قبل العودة إليه مرة أخرى حتى أصبح الحديث في هذا الملف بعد الثورة حديثة بيزنطيًا لا توافق حوله.

اختلف الأمر هذه المرة ليتجاوز مجرد الحديث العرضي حول النقاب ليتحول إلى مشروع قانون يقدم إلى البرلمان يرى المروجون له أنه يهدف إلى معاضدة جهود الدولة في حربها على الإرهاب وتعزيز المراقبة على التحركات الإرهابية ومواجهة كل أساليب التخفي التي ينتهجها الإرهابيون للتخفي من المراقبة، إلى أن هذا الطرح طالما كذبه معارضوه مستدلين في ذلك على كل العمليات الإرهابية التي حدثت في تونس والتي لم يثبت فيها في أي من المرات استعمال الإرهابيين للنقاب للقيام بأفعالهم أو هجماتهم، حتى إن هذا الشق يعتبر أن الحركات الإرهابية عادة ما تبتعد عن كل ما يثير الشكوك للقيام بتحركاتها ومن ذلك عدم استعمال النقاب وحتى حلق اللحي لعدم إثارة الشبهات، مؤكدين أن هذا الأمر لا يغيب على أصحاب هذا المشروع غير أنهم يحاولون خرق الحريات الفردية التي يضمنها الدستور وأهمها الحق في الملبس تحت يافطة محاربة الإرهاب، حتى يكون ذلك الباب الأول لتخلي التونسيين عن حقوقهم الأخرى، مذكرين بمعارك التونسيين الطويلة مع النظام السابق قبل الثورة الذي كان يمنع حتى ارتداء الحجاب في حربه المعلنة على الدين ومتيقنين أنه في صورة القبول بهذا المقترح سيكون القادم أسوأ وأن الحرب القادمة ستكون ضد الحجاب وضد بقية الحقوق الفردية.

لا يخلو إثارة موضوع النقاب في هذا الوقت بالذات من استبلاه لعقول التونسيين ومحاولة لتشتيت انتباههم عن القضايا الرئيسية التي يجب الاهتمام به، فاليوم وبالنظر إلى الظرف الذي تمر به تونس والتي تعيش أصعب فتراتها الأمنية والاجتماعية يصبح الحديث عن هذه القضايا الجانبية مجرد محاولات للركوب على الأحداث وكسب نقاط على الصعيد السياسي دون أدنى احترام للفترة الحرجة التي تتطلب التضامن أكثر حول القضايا الرئيسية التي تجمع التونسيين لا تلك التي تفرقهم والتي تزيد في تقسيم المجتمع التونسي حتى وإن كانت ذا أهمية بعيدًا عن صاحب الرأي الحق بخصوصها.

فحتى لو كان النقاب حسب رأي البعض يمثل أحد سبل الإرهابيين للتخفي فإنه لن يكون أهم ولا أول السبل التي يستعملونها في حربهم على تونس، فالحرب ضد التنظيمات الإرهابية تتطلب استراتيجيات واضحة المعالم تنطلق من أصل المشكل لتدرس أسبابه وتحاول معالجتها عن طريق الالتفاف الجماعي حول هاته الآفة الفتاكة دون السقوط في فخ تقسيم التونسيين بالمواضيع الجانبية التي يعمل الإرهابيون على استغلالها عن طريق عاطفية البعض وغباء آخرين وتآمر البعض الآخر من السياسيين الذي يقدمون مصالحهم الشخصية والحزبية على مصالح تونس مستعملين في ذلك أقذر وأنجع الطرق حتى لو كانت على حساب أرواح أبناء شعبهم.

أصبح من الأكيد اليوم أن نواب كتلة الحرة في البرلمان ومن ورائهم محسن مرزوق أرادوا بهذا المقترح جذب الاهتمام إليهم خصوصًا بعدما خسر المرزوقين حرب الزعامة والتموقع التي خاضوها داخل حزب نداء تونس مما اضطرهم إلى مغادرة الحزب وكتلته داخل البرلمان وتأسيس "حركة مشروع تونس"، فكانت أولى أهدافهم العودة إلى الساحة عبر مشروع يضربون به العديد من العصافير عبر حجر واحد، فمن جهة سيكون تواجد أعضاء الحركة شبه يومي في المنابر التليفزيونية والإذاعية التي سقطت في الفخ سريعًا وتهافتت إلى إعطاء هذا المقترح أكثر من حجمه وتناوله في كل برامجها، ومن جهة ثانية سيجددون به التزاماتهم تجاه الناخبين خصوصًا من النساء الحداثيات واللاتي اختارت أغلبيتهن التصويت لنداء تونس وبتقديم حركة مشروع تونس لأول قوانينها كقانون يخص صنفًا من النساء سيجبرن على الاعتقاد بأن هذه الحركة تجعل النساء أولى اهتماماتها، فيما ستكون ثالث منافع هذا المقترح على محسن مرزوق التأكيد مرة أخرى على كونه مازال بن المدرسة اليسارية التي تدعو إلى تحرير الجسد ومحاربة ما يسمى اللباس الطائفي حسب اعتقاد البعض.

مرة أخرى تؤكد النخب السياسية التونسية أنها بعيدة كل البعد عن اهتمامات التونسيين ومشاغلهم، ففي الوقت الذي تعاني فيه البلد من الإرهاب ومن أزمات البطالة والفقر والتهميش وغياب التنمية، يلجأ بعض المحسوبين على السياسة بالخطأ إلى إثارة المواضيع الهامشية والجانبية وتقسيم التونسيين بمشاريع تزيد في تأزيم الوضع وتهدف إلى ضرب المكاسب التي حققها التونسيون بعد الثورة، لمقابل واحد هو إدارة الرقاب إلى هؤلاء الساسة وكسب بعض النقاط الانتخابية.

نون بوست

نيسان ـ نشر في 2016-03-28 الساعة 13:27

الكلمات الأكثر بحثاً