اتصل بنا
 

عاصفة الحزم بعيون سوريّة: عن السعودية والثورة

نيسان ـ نشر في 2015-04-01

x
نيسان ـ

كمن يصحو من كابوس مزعج، أو يطلق زفرة النجاة والخلاص بعد ملمات ثقيلة، استيقظ السوريون المؤيدون للثورة صباح يوم 26 آذار/ مارس 2015 على خبر بدء عمليات عاصفة الحزم لردع جماعة الحوثي "أنصار الله" في اليمن، وذلك بعد تشكل تحالف عشريّ ضم دولًا عربية وإقليمية بقيادة السعودية.

نشوة السوريين المناوئين للأسد وحلفائه الإقليميين لا تقتصر على ما يرونه ضربة موجعة للنفوذ الإيراني الذي توسع مؤخرًا في بلدان المشرق العربيّ، بموافقة أو صمت غربيّ، بل على "صحوة" السعودية، أحد أبرز الفاعلين الجيوسياسيين في المنطقة العربية، وهجرها لإستراتيجية الانكفاء التي طبعت سياستها الخارجيّة خلال الأعوام الماضية، واندفاعها لامتلاك زمام المبادرة وإحداث تغيرات جوهريّة تنسف الواقع السابق، وتفرض موازين قوى مغايرة، بل وتحالفات جديدة. ضمن هذا السياق، سارعت غالبية الفصائل المسلحة (الجبهة الشامية، جيش الإسلام، الجيش الأول في المنطقة الجنوبية، فيلق الشام، جبهة ثوار سوريا، مجلس قيادة الثورة... إلخ) بما فيها فصائل إسلاميّة (أحرار الشام) صُنِّفت سعوديًّا خلال العامين الماضيين كخصم أو كطرف غير مرغوب في التعاون معه.

انطلقت الثورة السوريّة في ظروف دولية وإقليمية معقدة. فبعد مرحلة من القطيعة، بدأت الولايات المتحدة والدول الغربية أواخر عام 2009 بالانفتاح على النظام السوري والاعتراف بدوره. تماشيًا مع التغيرات السابقة، سارعت السعودية لإنهاء قطيعتها مع الرئيس بشار الأسد عام 2010، والبحث عن تعاون في ساحات جيوسياسية هامة كلبنان والعراق، وزار الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز دمشق أواخر تموز/ يوليو 2010، واصطحب "الأسد" معه إلى بيروت حيث عُقدت قمة ثلاثية (عبدالله- الأسد- ميشال سليمان) أدت إلى تفاهمات حول تشكيل حكومة لبنانية بقيادة سعد الحريري، وأضحى التفاهم السوري السعودي أو ما عُرف آنذاك بمعادلة (س- س) محددًا حاكمًا للتوازن الهش في لبنان، قبل أن يسارع حزب الله وفريق 8 آذار مطلع عام 2011 إلى الانقلاب على هذا التفاهم مع بوادر ظهور قرار اتهامي من المحكمة الدولية يجرِّم حزب الله في قضية اغتيال الحريري، وهو ما أدلى إلى اندلاع خلاف جديد ليس بين النظام السوري والسعودية فقط، بل مع قطر وتركيا أيضًا.

ولم يخرج موقف السعودية تجاه الثورة السورية، غداة انطلاقتها، عن أساسيات موقفها من الربيع العربي، فظهر مؤيدًا للنظام، خاصة بعد اتصالات هاتفية تلقاها "الأسد" من مسؤولين سعوديين أكدت "وقوف المملكة مع القيادة السورية لإحباط المؤامرة". حاولت السعودية، آنذاك، توظيف أزمة النظام المجتمعية لقطف ثمار سياسية في الإقليمي كإحياء تفاهمات (س- س) في لبنان، وعرقلة التحالف الناشئ حديثًا بين "الأسد" ونوري المالكي برعاية إيران التي كانت تنتظر بفارغ الصبر الانسحاب الأمريكي من العراق أواخر عام 2011، لتصبح القوة الإقليمية الأكبر في المشرق العربي. ولما عجزت عن ذلك، بدأ الموقف السعودي يتصاعد خطابيًّا ودبلوماسيًّا تجاه النظام السوري وإيران أيضًا.

مثّلت الرسالة الشهيرة للملك عبدالله مطلع آب/ أغسطس 2011، نقطة تحول هامة في الموقف السعودي من الثورة والنظام، خاصة وأنها تزامنت مع اجتياح الجيش السوري مدينة حماة، وضغط الرأي العام السعودي والعربي أيضًا لاتخاذ موقف واضح ضد عنف النظام وممارساته، تلاها تصريحات تصعيدية، واندفاع سعودي لخنق النظام دبلوماسيًّا عبر مؤتمرات أصدقاء سوريا، وعسكريًّا عبر تزويد المقاومة المسلحة آنذاك بعُدّة وعتاد ساهم في خروج مناطق واسعة من سوريا عن سيطرة الحكومة. لكن، ونظرًا للظروف الإقليمية وانشغال صانع القرار في المملكة بملفات أخرى، ظل الدور السعودي خلال عامَيْ 2011 و2012 محدودًا أمام أدوار متقدمة لدول عربية كقطر (قادت حراكًا دبلوماسيًّا لعزل النظام في الجامعة العربية ومجلس الأمن)، وإقليمية كتركيا (أضحت مقرًّا للمعارضة السياسية والعسكريّة).

المفارقة الغريبة، أن اندفاع السعودية منتصف عام 2013 للعب دور أساسي وموجه لمخرجات العمل المعارض في سوريا جاء بالتزامن مع نجاح ما يُسَمَّى بـ"الثورات المضادة" في دول الربيع العربي في مقدمتها مصر، فافتقد هذا الدور التأييد الشعبي العام؛ لاسيما وأن القيادة السعودية السابقة أوصلت نخبة سياسيّة هشة إلى قيادة الائتلاف المعارض ساهمت في إذكاء الخلافات البينية، وأدخلت قضيتها في صراع المحاور الإقليمية، وبعثرت الدعم العسكريّ المقدم، فكانت أحد الأسباب الرئيسة للهزائم المتتالية (القصير، القلمون، الغوطة، حلب، مدينة) التي مُنيت بها فصائل المعارضة خلال عامَيْ 2013، 2014، والتي قلبت موازين القوى بشكل كامل لصالح النظام، لاسيما بعد دخول قوات حزب الله والميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والإيرانية واللبنانية، واضطلاعها بالدور الرئيس في قتال الثوار والفصائل المسلحة.

كما كان للمقاربة السعوديّة تجاه الإرهاب والتحالف الدولي أثرها البالغ على صورة المملكة داخل سوريا، فبخلاف دول عربية وإقليمية أيدت المملكة الاندفاع الأمريكي لتشكيل تحالف دولي للقضاء على تنظيم "الدولة" والجماعات الجهادية الأخرى، دون أن تضع ضغوطًا حقيقية على الولايات المتحدة لدفعها إلى تبني مقاربة شاملة تضمن معالجة الأسباب الحقيقية والجوهرية؛ لتنامي دور ونفوذ الجماعات الجهاديّة، ولا تركز على النتائج فقط.

يرى قسم كبير من السوريين أن ثورتهم تحولت إلى "حرب تحرير شاملة" ضد محتل خارجي هو إيران، غَدَا الآمر الناهي في بلدهم، وبأنهم الشوكة المتبقية أمام مشروعه الإقليمي، والذي لا يهدد بابتلاعهم ودولتهم فقط، بل محيطهم العربي والإقليمي أيضًا، لذلك ينظرون بتفاؤل لكل ما يساهم في إضعاف هذا المشروع حتى لو كان خارج الحدود.

ويراهن هؤلاء على القيادة السعودية الجديدة لإنضاج سياسة تختلف جذريًّا عن سابقتها لجهة تجاوز منطق الاستقطاب الإقليمي أو مسايرة الحلفاء الغربيين والشروع في دعم مدروس ومنهج لإعادة رسم الخارطة والتوازنات، بما يحقق مصالح مشتركة، ويخفِّف جزءًا كبيرًا من معاناتهم، ويعزِّز مقومات صمودهم.

نيسان ـ نشر في 2015-04-01

الكلمات الأكثر بحثاً