اتصل بنا
 

بعد ساعات من افتتاح ريو.. ما علاقة هتلر باختراع الشعلة الأولمبية؟

نيسان ـ نشر في 2016-08-06 الساعة 11:41

x
نيسان ـ

ليلة الجمعة 5 أغسطس/آب 2016 تصل الشعلة الأولمبية إلى مدينة ريو دي جانيرو وسط مراسم حفل الافتتاح الرسمي الذي ستضم فعالياته عروض فرق السامبا واستعراضاً يحاكي العارضة البرازيلية الشهيرة جيزيل بوندشن بينما تتهادى ماشية على ممشى استعراض الأزياء.

إلا أن تاريخ تقليد تتابع تسلّم الشعلة مظلم لا يسرّ أبداً، حسب تقرير نشرته صحيفة ديلي بيست الأميركية، الجمعة 5 أغسطس الجاري.

لكم أن تقولوا ما تشاؤون عن تقصير البرازيل في التحضيرات والترتيبات المعدة للأولمبياد المقبل، بدءاً من شاطئ غوانابارا الذي ملؤه القاذورات، وانتهاء بكابوس ازدحام المرور المرتقب في شوارع ريو. لكن مع كل تلك العيوب والتقصير، إلا أن لدى البرازيليين شيئاً واحداً يتوافر لديهم بكثرة وغزارة، ألا وهو المقدرة على الضحك على أنفسهم.

فعلى النقيض التام لأولمبياد لندن عام 2012 الذي افتتح باستعراض هزلي يحاكي ملكة بريطانيا التي ظهرت كأنها بطلة من أفلام جيمس بوند بينما تقفز في السماء، سيكون افتتاح أولمبياد ريو هذه الليلة باستعراض يقلد العارضة البرازيلية السوبر موديل جيزيل بوندشن بينما تتهادى وتتبختر على ممشى عرض الأزياء على وقع أنغام أغنية The Girl from Ipanema التي تعد رمزاً وأيقونة للبلاد (يذكر أن العديد من التقارير تحدثت عن تعرض الرياضيين والمتفرجين في الأولمبياد لجرائم الشوارع).

تكتم كثير خيم على برنامج الليلة الافتتاحي، لكن الأسرار سرعان ما تنكشف، وقد تلاحقت التقارير التي رصدت تمارين الاستعداد وتسربت على الشبكات الاجتماعية وغيرها لتقول إن كلاً من الدول الـ206 المشاركة سوف تدخل الميدان برفقة فرقة سامبا مصغرة خاصة بكل فريق؛ وكذلك سيحضر ألمع نجوم البرازيل إلى الحفل من أمثال العملاقين الموسيقيين جيلبيرتو جيل وكايتانو فيلوسو اللذين سيغنيان بالمناسبة، وكذلك من المزمع أن تلقي قصائد شعرية كل من الممثلة التي رشحت للأوسكار فيرناندا مونتي نيغرو والممثلة الفائزة بالأوسكار – ولكنها قطعاً ليست برازيلية - جودي دينش البريطانية.


مخرج الحفل

أحد كبار القائمين على إخراج وتصميم حفل الافتتاح ومراسيمه هو المخرج فيرناندو ميريليس الذي أخرج عام 2002 فيلم City of God الذي رشح لجائزة الأوسكار والذي يصور التزايد المهول في مستوى العنف والجريمة ضمن أحياء ريو الفقيرة متميزاً بدقة تفاصيله الصريحة دون مواربة، والعام الماضي قال ميريليس للصحفيين إن استعراض الافتتاح سيكون "نسيجاً من ثقافتنا الشعبية". لكن من الواضح أن كلماته تلك فيها كثير من التواضع الذي يبخس الواقع حقه، فمن المزمع بعد أن تتعرض جيزيل لجريمة نشل وسرقة أن تهب الشرطة لنجدتها وتلاحق الحرامي اللص طول الملعب وعرضه حتى يلقى القبض عليه في النهاية!

كذلك من القائمين على إخراج وتصميم الافتتاح المخرج ليوناردو كايتانو الذي قال متحدثاً لـ"بي بي سي" إن العرض "سيجسد الطريقة البرازيلية في الترحيب بالضيوف الزوار". وطبعاً نحن نعلم وندري أن نُزُل ومهاجع الرياضيين مازالت قيد البناء لم ينته العمل عليها بعد، ومعلوم لدينا أيضاً حجم التأخير في محطات مترو الأنفاق، ولكن الدفء البرازيلي كذلك مشهود له، فلدى البرازيليين عدة أفعالٍ يستعملونها كناية عن "الاسترخاء" ولا يجدون غضاضة في الإملاء على الآخرين أي طريقة في الاسترخاء عليهم اتباعها.

إنهم شعب دافئ تراهم يكلمون الغرباء باستعمال ألفاظ "يا ابني" و"يا بنتي"، وكذلك ليس غريباً أبداً عليهم أن ترى زملاء العمل الذين لم يسبق لهم الالتقاء من قبل أن يذيّلوا رسائلهم الإلكترونية بتوقيعات تحمل القبلات والأحضان. في كل عام ترحب البلاد بملايين الزوار بمناسبة الكرنفال الذي كثيراً ما يوصف بأنه أكبر احتفال عالمي، لكن حفل الافتتاح الأولمبي ليلة الجمعة والذي سيشاهده 900 مليون متفرج حول العالم قد ينافس أجواء الكرنفال الاحتفالية، فقد تناقلت الأنباء أن كمية الألعاب النارية التي ستستخدم تبلغ حوالي 3000 كيلوغرام، كذلك سيكون هناك 2000 مدفع ضوئي وأكثر من 100 كشاف ضوئي.

لكن ما لا يخطر ببال أحد أن مبتكر كل هذه البهرجة هم صناع الحملات الدعائية النازية. أليس في هذا خيبة أمل كبيرة بعدما شاهدنا محمد علي في افتتاح أولمبياد أطلنطا عام 1996 يهبط من رافعة عملاقة على خشبة مسرح الاحتفال ليستلم الشعلة من السباحة جانيت إيفانز فيما يداه ترتجفان من مرض باركينسون، ثم يوقد الشعلة التي هبت لتشعل مرجلاً ضخماً فوق الملعب، بينما راحت الكاميرا تلتقط صور المتفرجين الذي هتفوا مهللين ابتهاجاً بالمشهد والإثارة وصورة الرئيس كلينتون الذي اغرورقت عيناه بالدموع بينما المعلق الرياضي بوب كوستاس يصف المشهد بصوته الجهوري قائلاً: "انظروا إليه، مازال عظيماً حضوره متألق يشع نبلاً وهيبة".


تاريخ الشعلة

حتى الشعلة الأولمبية التي يخيل للكثيرين أنها تتصل بأقدم ديمقراطيات العالم إلا أنها ليست كذلك! فتتابع تناقل الشعلة الأولمبية المعاصر والذي يبدأ بمراسيم تمثيلية في مدينة أوليمبيا اليونانية مسقط رأس الألعاب الأولمبية الأصلية حوالي عام 776 قبل الميلاد، ومن ثم تناقل الشعلة عبر العالم حتى الوصول إلى المدينة المضيفة، كل هذا من بنات أفكار كارل دييم العداء الألماني للمسافات الطويلة والمؤرخ الرياضي الذي اقترح الفكرة أوائل الثلاثينيات ثم أصبح المدير الرئيسي المنظم لأولمبياد برلين.

سوزان باكراك المؤرخة في متحف ذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكوست) ومؤلفة كتاب "الأولمبياد النازي: برلين 1936" تقول: "لقد كان دييم يعرف استخدام الشعلة في أولمبياد الألعاب القديمة، بيد أنه لم يكن هناك في ذلك الزمن تتابع لتناقل وتسليم الشعلة كما هو معروف الآن".

والمفارقة المخيفة هي أن الأداة التي استحدثت خصيصاً لأداء المهمة وطقوسها حملت إشارات للدمار والمآسي التي حلّت فيما بعد، فحاملات شعلة برلين الضخمة كانت من صناعة شركة Krupp للأسلحة التي صنعت الأسلحة الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، كذلك كانت منتجات المدفعية التي أنتجتها الشركة هي أحد العناصر الهامة التي حسمت المعارك النازية؛ وكما كتب ماكس فيشر عام 2012 لصحيفة الأتلاتنيك فإن الشركة حمّلت نساء يهوديات من أوشويتز إلى معمل قريب كي تعملن كالإماء.

اشتملت الدعاية الهتلرية على تلميح إلى فكرة أن العرق الآري هم ورثة الحضارة الإغريقية القديمة، حسب ما قاله ديفيد واليتشينسكي رئيس المجمع الدولي لمؤرخي الأولمبياد والذي كتب باستفاضة على مر العقود عن تاريخ الألعاب الأولمبية. وقد خلّدت ليني رايفنستال صور أولمبياد برلين بتصويرها تنقل الشعلة من مكان إلى مكان عبر بلغاريا ويوغسلافيا والمجر والنمسا وتيشكوسلوفاكيا في فيلمها "أولمبيا" الذي أخرجته عام 1938 بمناسبة الأولمبياد.

لكن العار الذي شاب حفل افتتاح الأولمبياد حينها لم يبدأ في برلين، ولكم هنا أن تقيسوا على ذلك أولمبياد عام 1904 في مدينة سانت لويس الأميركية الذي افتتح وسط فوضى عارمة سار فيها الرياضيون على غير هدى وسط المباني الحكومية العامة؛ وقتها لم تكلف خاطرها سوى 12 دولة فقط بعناء المجيء للمشاركة في هذا الأولمبياد الذي استضافته مدينة أميركية صغرى كانت في نفس الوقت تستضيف المعرض العالمي الدولي.

فلا حلوى القطن (غزل البنات) الشهيرة في سانت لويس ولا زبدة الفستق اللذيذة ولا مخاريط حلوى الوافل ولا أي من إغراءات المدينة كانت كافية لتجذب الرياضيين وتقنعهم بالمجيء وتجشم عناء السفر، وفق تقرير كتبته مجلة Slate عام 2008.


المنشطات المحظورة

ولكي لا يظن عشاق الألعاب الأولمبية اليوم أن الغش باستخدام المنشطات المحظورة مقتصر فقط على رياضيي يومنا هذا، فلهم في قصة فريد لورز الفائز بذهبية الماراثون خير عبرة، فلقد كان لورز بالفل أول من وصل إلى خط نهاية السباق، بيد أنه استبعد عندما اكتشف المسؤولون أنه قطع نصف مسافة السباق راكباً في سيارة!

لكن لعل الغش والاحتيال الذي ارتكبه لا يقارن بـ"أيام الأنثروبولوجيا الإنسانية" حسب التسمية التي اعتمدها القائمون على أولمبياد سانت لويس 1904 عندما أُتي بأقزام قصار القامة وأفراد من قبيلة سيو الهندية الأميركية وشعب الإيغوروت الفلبيني وغيرهم للمشاركة في استعراض "حديقة حيوان بشرية" حيث دفع لهؤلاء للمشاركة في مسابقات كالتزحلق في الوحل وتسلق قصبة زلقة مدهونة بالزيت فضلاً عن مسابقات رماية. وقتها قال البارون بيير دي كوبيرتان الأرستقراطي الباريسي الذي كان أول من أسس الألعاب الأولمبية المعاصرة في أثينا عام 1896 مصعوقاً من روع ما رأى: "بخصوص تلك المسخرة الفظيعة فلا شك أنها ستفقد نكهتها بعدما يتمكن البشر ذوو البشرة السوداء والحمراء والصفراء من الركض والقفز والرمي فيما يتخلف بيض البشرة وراء ظهورهم".

لا بد أن أولمبياد ريو دي جانيرو ستكون أجواؤه أكثر شمولية وتعددية، فهو يقام في دولة يرى نصف سكانها أنهم من أعراق متعددة الأطياف أو سود البشرة. ويقول القيمون المنظمون أنهم حافظوا على بساطة في ميزانية الإنفاق مقارنة بالعروض الباهرة المترفة في سوتشي ولندن، حيث قيل إن افتتاح أولمبياد لندن عام 2012 كلف 42 مليون دولار من إخراج داني بويل مخرج فيلم Slumdog Millionaire، حيث كان الممثلون والراقصون يهزجون ويستعرضون فترات وعصوراً هامة من التاريخ البريطاني.

يقول ميريليس: "أخجل أن أهدر القدر الذي أنفقته لندن في دولة نحن فيها بحاجة للبنى التحتية الصحية وحيث التعليم يعوزه المال".

أنفقت لندن مبلغاً إجمالياً قدره 14.8 مليار دولار على كل من حفل الافتتاح والألعاب والمنافسات، وهو مبلغ زهيد مقارنة بالثروة الطائلة الباذخة التي أنفقت في ألعاب سوتشي الشتوية عام 2014 والتي بلغت 51 مليار دولار، أما ريو فتحاول البقاء ضمن ميزانية 1.8 مليار دولار على مر 16 يوماً من المنافسات تشمل حفل الافتتاح، حيث يمر الاقتصاد البرازيلي بواحدة من كبرى أزماته منذ ثلاثينيات القرن الماضي بعدما هوى في السنوات الأخيرة وقصم ظهره انهيار صناعة البترول.

وقال كايتانو إن حفل الافتتاح الذي يجري فيما العالم يعيش حالة انقسام سياسية صارخة سوف يؤكد قيم أهمية الحفاظ على كوكبنا وكيف تجمع واتحد برازيليو اليوم في نسيج واحد متعدد الأعراق، "فبالنسبة للعالم سيرى مشهداً حديثاً يجسد معنى أن يكون المرء برازيلياً. سيكون فرصة للعالم لرؤية نتاج تاريخنا وتمازج أعراقنا في يومنا هذا".

وختم قائلاً: "ستظهر [في حفل الافتتاح] قدرة البرازيليين على صنع المزيد بالقليل".

نيسان ـ نشر في 2016-08-06 الساعة 11:41

الكلمات الأكثر بحثاً