اتصل بنا
 

خالد الكلالدة النطاسي المطعون بداء السياسة

نيسان ـ نشر في 2016-09-04

x
نيسان ـ

كتب محمد قبيلات..من أكبر التحديات التي يواجهها خالد الكلالدة، كونه طبيبا جرّاحا غادر غرف العمليات الجراحية في مستشفى لوزميلا تاركا الطب، ربما إلى الأبد، ليلتحق بكادر مطبخ صناعة القرارات السياسية الصعبة. وبذلك يكون أيضا قد انتقل من غرف عمليات المعارضة السياسية، التي تستهدف كراسي السلطة، إلى غرف السلطة التي تُعدّ الخطط للإطاحة بالمعارضة.

التحدي الأول؛ ليس بالشائك إلى الحد الذي قد يمثله التحدي الثاني، حيث يمكن أن تُعتبر المهارات، التي يتقنها الجرّاح النطاسي البارع، من المميزات التي تُسهم في تقدمه في عالم السياسة، وتجعله يملك المنطق السياسي الذي يؤهله لأن ينسّق مواقفه وتصريحاته بشكل دقيق متجانس ومعبر عن وجهة نظر منسجمة لا يداخلها التناقض.

أما الانتقال من صفوف المعارضين إلى مراكز صنع القرار؛ فلا شك أنه لن ينقذه من ملحوظات المترصدين، خصوصا أن الكلالدة ليس من أولئك الذين يمارسون عملهم بهدوء، بل إن تحركاته ونشاطاته غالبا ما تحاط بالكثير من الجلبة والصخب، فهو من عشاق الحركة في عين العاصفة.


اليسار الاجتماعي

كان هذا دأبه، عندما مارس النشاط الحزبي، خصوصا في مرحلة انخراطه في تيار اليسار الاجتماعي، حيث سطع نجمه معارضا مقبولا لدى مراكز صناعة القرار، وهذا ربما ما فتح باب الخلافات مع رفاقه. فخطاب البيانات النارية التقليدي لا يليق بمعارض يتحاور مع السلطة، ولا بد من تليين اللغة والتركيز على النقاط المشتركة، إضافة إلى ضرورة تشذيب المصطلح السياسي، بحيث يتقبله الطرف الآخر، هذا كله سبّب بعض الخلافات التي أخرجت الكلالدة من الأطر السياسية، لكنه حافظ على صلته بالحراك الشعبي خصوصا في مدينته الجنوبية -الطفيلة- التي كانت من أهم حواضن الحراك الشعبي مع بدايات الربيع العربي.

لكن ما سلف لم يُفلت عبره الكلالدة من سهام النقد التي وُجهت إليه مِن أكثر من جهة، خصوصا أنه انتقل إلى “كابينة” القيادة في فترة توتر، فجاء من دائرة كان فيها المعارض الذي يدعم الحراك الشعبي بشعاراته الحادة، التي طالت أعلى مستويات الدولة، إلى مدافع عن السياسات الرسمية، فهاجمه الكثير من رفاقه الحراكيين، وفي الوقت نفسه، لم يسلم من سهام المحافظين الذين لم يستوعبوا وجود يساري بين ظهرانيهم.

قانون الانتخاب الذي يعتبر الكلالدة أبا له، يتيح توصيل نائب غير مرغوب به ممن يمثلهم، أو بعدد الأصوات الأقل وليس الأكثر؛ وفي معرض تباهي الكلالدة بالقانون الجديد قال إنه يمكن لمرشح أن يفوز من دون الحصول على أي أصوات

وزارة التنمية السياسية

دخل الكلالدة الوزارة في التعديل الأول على حكومة عبدالله النسور بتاريخ 21 أغسطس 2013 حاملا حقيبة التنمية السياسية، التي سمّيت لاحقا وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، هذه الوزارة، منذ تأسيها صممت للحزبيين اليساريين، فقد تعاقب عليها وزراء أتوا إليها جميعا من خلفيات وأحزاب يسارية.

من مهام وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية مأسسة التنمية السياسية، بحيث يتحقق تقسيم العمل السياسي، بما يحافظ على مصالح الفئات والطبقات جميعها، في إطار من الشراكة الحقيقية بين مؤسسات الدولة والمجتمع، من خلال توسيع المشاركة السياسية؛ باعتبارها المرجعية الأعلى لصنع القرار، والتوعية والتثقيف المجتمعي بالحقوق والواجبات المدنية والسياسية، وتطوير الحياة الحزبية.

ومن المفروض أن تعمل هذه الوزارة على إرساء وتعميق أسس التنشئة السياسية والتربية الوطنية والمدنية وتوطينها في البيئة المجتمعية في أنحاء المملكة كافة، من خلال تعميق حوار وطني حقيقي، يضمن مشاركة فاعلة للفئات الاجتماعية كلها في الحياة السياسية. ومن مهامها أيضا، توفير بيئة سياسية حيوية لمجتمع مدني نشط قادر على خلق تيارات حزبية برامجية، ومنابر سياسية فكرية لخدمة الوطن، والمساهمة في بناء مجتمع مدني متماسك منفتح يجسد التحولات الديمقراطية.

وليس مصادفة أن يكلف المطبخ السياسي يسارياً مثل الكلالدة بالتصدي لهذه المهام المتعلقة بشعارات لا يمكن إحصاؤها كميّا، فمنذ تأسيس هذه الوزارة إلى هذه اللحظة والوزراء المتعاقبون عليها يأتون من خلفيات حزبية ويسارية، كجائزة ترضية لهذا التيار على ما واجهه خلال العقود الخمسة الماضية، وعلى ما يقوم به من دور سياسي جديد.


قانون انتخاب غير عادي

هاجم رئيس مجلس الأعيان السابق، السياسي المخضرم عبدالرؤوف الروابدة مشروع قانون الانتخاب، في جلسة معلنة لمجلس الأمة، ووصفه بأنه قانون لا أب له، حيث “سُلق” مشروع القانون ودُفع به إلى المسارات التشريعية على عجل، وتمت الموافقة عليه من قبل النواب والأعيان بأكثر من الأغلبية المطلوبة، وربما كان النواب الذين صوتوا عليه، من المرشحين الآن للمجلس الثامن عشر، هم من أشد النادمين على تمريره خلال عهدهم السابق.

برغم تصفيق قطاعات واسعة لقانون الانتخاب الجديد، الذي ستجرى عليه الانتخابات المقبلة -في شهر سبتمبر الجاري- إلا أن القانون مُرّر بسرعة قياسية، ويرى من يؤيد القانون أنه يعتبر خطوة متقدمة على قانون الصوت الواحد، الذي فرضه التيار المحافظ لأكثر من عشرين عاما، وهو قانون مصمم للحد من وصول بعض التيارات السياسية إلى البرلمان.

في إطار التقاذف مع التيار المحافظ، قال الكلالدة إنه هو الأب لهذا القانون الجديد، وكان حينها وزيرا للشؤون السياسية والبرلمانية، على سبيل الدفاع عن قانون الانتخاب، فنتج عن هذه المعركة استقالة رئيس مجلس الأعيان، الروابدة، واستقالة الكلالدة من الوزارة بعدها بحين، وتم تكريسه أبا فعليا للقانون، حيث تم تعيينه رئيسا للهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات.

القانون الجديد يواجه حالة غير مسبوقة من المعارضة، مع أن الكلالدة يقول بأنه تم التشاور مع قطاعات واسعة حول بنود مشروع القانون، ولم يُقدّم لمجلس النواب إلا بعد أن استوفى شروط نجاحه، لكن الملحوظات على القانون كثيرة، والقطاعات التي تعارضه لا تُقتصر على من تتعارض مصالحهم الفئوية مع بنوده، بل إن هناك ملحوظات قانونية ودستورية وجيهة عليه.

بعض القانونيين رأوا أن القانون يخالف الدستور، من حيث أنه لا يمتثل لآلية الانتخاب المباشر، حيث أن الناخب لا يصوّت مباشرة للنائب الذي يريد، بل يصوت لقائمة، ثم يؤشر اسم النائب داخل هذه القائمة، كما يفوض القانون الحكومة بإصدار نظام الانتخاب الذي قد يُقيد مقاصد القانون الدستورية.


النائب عن المقعد المسيحي أو الشركسي يمكن أن يحسم أمره من قبل الناخبين من غير القطاعات التي يمثلها، ومن دون أن يتكلف هؤلاء الناخبون شيئا، فلكل ناخب مهما كانت ديانته أو قوميته أو إمكاناته أن يؤشر اسم المرشح عن هذه الفئات بعد أن يصوت للنائب الذي يمثله، ما يعني أن القانون هو من يحدد للناس نائبهم
القانون أيضا قد يتيح توصيل نائب غير مرغوب به ممن يمثلهم، أو بعدد الأصوات الأقل وليس الأكثر؛ وفي معرض تباهي رئيس الهيئة المستقلة بالقانون الجديد قال إنه يمكن لمرشح أن يفوز من دون الحصول على أيّ أصوات. لكن كيف؟

في حال تشكلت كتلة من أربعة مرشحين، أحدهم عن مقعد إسلامي والآخرون عن مقاعد ما يُسمّى بالكوتات، وحصلت هذه القائمة على أعلى الأصوات، فإن هذا المرشح يفوز حتى لو حصل على صوت واحد، بغض النظر عن عدد الأصوات التي يحصل عليها منافسوه في القوائم الأخرى، حتى لو حصل أحدهم على عشرين ألف صوت. كما أن النائب عن المقعد المسيحي أو الشركسي يمكن أن يُحسم أمره من قبل الناخبين من غير القطاعات التي يمثلها، ومن دون أن يتكلف هؤلاء الناخبون شيئا، فلكل ناخب مهما كانت ديانته أو قوميته إمكاناته أن يؤشر اسم المرشح عن هذه الفئات بعد أن يصوت للنائب الذي يمثله، ما يعني أنه هو من يحدد لهم نائبهم.

جاء القانون حلا وسطا بين الصوت الواحد والقائمة النسبية، جاءت الهيئة المستقلة للانتخاب أيضا بناء على المطالبات بعدم إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، وأن تقوم بدلا عنها بذلك وزارة العدل، فتم تشكيل الهيئة المستقلة لتقوم بالإشراف على تنفيذ الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بانتخابات مجلس النواب والبلديات والمجالس المركزية.

تأسست الهيئة المستقلة للانتخاب عام 2011 كجهة مستقلة تعنى بإدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها من دون تدخل أو تأثير من أيّ جهة، بهدف ضمان توافق سير العملية الانتخابية مع المعايير الدولية، بما يحقق إعادة الثقة بالعملية الانتخابية لضمان جودة مخرجاتها، ومعالجة تراكمات الماضي السلبية المتمثلة بعمليات التزوير أو التأثير في إرادة الناخبين، والبناء على ما تمّ تحقيقه من إنجازات وخطواتٍ إصلاحية.

وبالرجوع إلى المعلومات التي تنشرها الهيئة على موقعها الإلكتروني، نجد أنها باشرت عملها في شهر مايو من عام 2012 وتمكنت خلال فترة قياسية من العمل على بناء هيكلها المؤسسي وتوفير ضمانات استدامته، والإعداد لإجراء انتخابات مجلس النواب الأردني السابع عشر التي جرت مطلع عام 2013 كأول انتخابات تديرها الهيئة بعد إنشائها.

في عام 2014، وبموجب التعديلات الدستورية، تم توسيع دور ومسؤوليّات الهيئة المستقلة للانتخاب، لتشمل إدارة الانتخابات البلدية وأيّ انتخاباتٍ عامة، إضافة إلى ما تكلفها به الحكومة من إدارة وإشراف على أيّ انتخاباتٍ أخرى.

أشرفت الهيئة بعد ذلك على عدد من الانتخابات الفرعية، وانتخابات المجالس البلدية ومجلس أمانة عمّان الكبرى. إضافة إلى ما تقدم؛ تجاهد الهيئة من أجل شرح قانون الانتخاب وتوضيح النقاط التي بات يثار حولها الكثير من التساؤلات، حتى من قبل المرشحين للانتخابات، فأهمّ ما يميز القانون الحالي؛ أن هناك إجماعا على عدم فهم آلياته من قبل المختصين والمعنيين والجمهور على حدّ سواء. ولعل هذا ثمن طبيعي لحالة عدم الاستقرار الدستوري والتعديل المستمر على القوانين الانتخابية.


من أجل هبوط آمن

الآن؛ بدأت المرحلة الأخيرة من العملية الانتخابية، وازدحمت شوارع عمّان والمدن والبلدات الأردنية بالشعارات الانتخابية، وبرغم توقعات بعض المهتمين بأن قانون الانتخاب سيفجّر الكثير من الزلازل المحلية، التي قد تعصف بالسِّلم الأهلي المحلي، إلا أن القوائم ما زالت متماسكة إلى حد يحافظ على مستوى معين من ثقة قلقة بين أعضائها.

ولعل أكثر الناس قلقا من أحداث يوم 20 سبتمبر المقبل، الذي ستجرى فيه الانتخابات العامة النيابية، هو خالد الكلالدة المتطوع لدور الأب الروحي للقانون، فأكثر الناس توترا في يوم تخرّج الأبناء هم الآباء والأمهات، كما أن الأكثر قلقا من الركاب، بعد إقلاع الطائرة والرحلة الطويلة، هو القبطان الذي يجب أن تكلّل جهوده بالهبوط الآمن.

العرب اللندنية

نيسان ـ نشر في 2016-09-04

الكلمات الأكثر بحثاً