اتصل بنا
 

(التدين) سوق لرأس المال ووقود للسياسة

كاتب صحافي وأكاديمي أردني

نيسان ـ نشر في 2016-11-13 الساعة 07:08

ظاهرة التدين الاستهلاكي: استثمار الدين في المال والسياسة واستخدامه كأداة دعائية وللترويج للمنتجات والأفكار السياسية.
نيسان ـ التدين هو التمسك بتعاليم دين معين من الأديان، يلتزمها الإنسان في سلوكه، فلا يؤمن إلا بها، ولا يخضع إلا لها، ولا يأخذ إلا بتعاليمها، ولا يحيد عن سننها وهديها. أما التدين الشكلي فهو الالتزام الظاهري بتعاليم ذلك الدين في القول دون العمل، وإبداء الحماس لهذا الدين دون الالتزام بتعاليمه. ويبدو أن هناك نوعا جديدا قد ظهر في العالم الحديث، يمكن تسميته بـ(التدين الاستهلاكي)، حيث يتم استثمار الدين بوصفه سلعة للاستهلاك، أو بوصفه أداة دعائية لترويج المنتجات على مستوى رأس المال، أو بوصفه أدوات ولاء للحاكم أو المسؤول، أو أدوات للنزاعات والحروب على المستوى السياسي. إن ظاهرة استثمار التدين في المال والسياسة لم تعد خافية اليوم، ويمكن تلمسها في الإعلام من خلال انتشار الفضائيات الدينية، حيث بلغ عددها ما يقارب 200 فضائية من أصل 1400 فضائية في الوطن العربي، طبعا هذه قنوات دينية فقط، عدا ما تبثه القنوات الأخرى من برامج دينية بنسب متفاوتة، وكل ذلك نوع من جلب الجمهور المستهلك، وأغلب هذه البرامج لا تقدم سوى مقولات عاطفية وقصص خرافية وكثير من أنواع التسالي الدينية. أما الشركات فإنها لم تغفل عن استغلال التدين في الدعاية لمنتجاتها وخدماتها. أما في المجال السياسي فإن الأمر أكثر وضوحا، وما تشهده المنطقة من صراعات طائفية ودينية، خير دليل على ذلك، فالسياسيون من خلال رجال الدين يستطيعون تجنيد عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الشباب المتدين ليكونوا وقودا لصراعاتهم على السلطة، بدعوى الجهاد في سبيل الله وإقامة حكم الله على الأرض، وإعادة الخلافة والفردوس المفقود، والشهادة في سبيل الله ونيل رضاه، فلا يمكن فهم هذا الحماس من الشباب للقتال في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، وركوب المخاطر للوصل والانضمام لصفوف المقاتلين إلا من باب الهوس الديني وتشجيع الاستهلاك السياسي الذي يستخدم الدين أداة لتحقيق مآرب سياسية خاصة، وما ألسنة رجال الدين إلا أبواق يسهل استغلالها للدعاية والترويج لتلك الأفكار. إن التدين الاستهلاكي بات اليوم ظاهرة يمكن رصدها من خلال المؤسسات التي تسمي نقسها باسم الإسلام مثلا؛ البنك الإسلامي، المدرسة الإسلامية، المستشفى الإسلامي، ... الخ. وهذه المؤسسات لا تقدم أية خدمات إضافية على مستوى الاستهلاك إلا ما تريح به ضمائر المتعاونين معها بأنهم ينصرون دينهم من خلالها، وبأنهم يقدمون للإسلام خدمات تجعل أنفسهم مطمئنة في عالم تكثر فيه الخطايا كما يظنون، فهي ليست أكثر من تعبير عن حالة من التدين الاستهلاكي الذي يقدمه الإنسان ظنا منه أن ذلك يرضي ربه، ويمسح خطاياه. ويبدو أن هذه المؤسسات تتكاثر يوما بعد يوما بسبب ما تحققه من أرباح بخدمات رخيصه، فهي لا تبتغي رضا الناس من خلال خدماتها، بل هي تمنّ عليهم بأنها تحميهم من نار جهنم، وتوفر لهم المنتج الذي يرضي ربهم، ويحسّن مصيرهم في الآخرة. فالمتدينون هم مستهلكون مثاليون في نظر رأس المال والسياسي، والجمهور المتدين هو الأقرب لتحقيق الربح دون مشاكل أو متطلبات، فعندما يقصّر البنك الإسلامي في خدماته مثلا فإن نقده يكون من باب الإثم لأنك تعترض على حكم الله، ولا ترضى به حكما لأعمالك وأقوالك، ومن يعترض أو ينتقد الجهاد في الدول العربية فإنه يعدّ معاديا لدين الله وينكر فريضة وركنا من أركان الإسلام، ومن يتحدث عن الصراع السياسي يُتهم بأنه منحاز للظالمين والكافرين، وما كل ذلك إلا لأن المتدين المستهلك معجب بالسلعة التي ينتجها السياسي ورأس المال، بل ربما تكون شركات الأسلحة هي التي تلعب على فتوى الجهاد عندما تشعر بكساد المنتج، وعندما يقل الطلب عليه، وأخيرا: ألسنا متدينين مثاليين ومستهلكين مقتنعين بأن نكون وقودا لترويج البضاعة عند كساد السوق؟

نيسان ـ نشر في 2016-11-13 الساعة 07:08


رأي: د. يوسف ربابعة كاتب صحافي وأكاديمي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً