اتصل بنا
 

‎من الجاني الحقيقي؟ آباء وأمهات من جنس إبليس أم أمثال قاتل أمه الأردني؟

كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

نيسان ـ نشر في 2016-11-15 الساعة 21:08

جريمة قتل الأم بوحشية تحت تأثير المخدرات: هل القاتل ضحية لظروفه العائلية والاجتماعية؟
نيسان ـ ‎إن مجتمعًا يقدس الآباء والأمهات بشكلٍ أعمى لن يتردد في أن يطلق الأحكام القاسية ضد جاني الجريمة البشعة التي قطع فيها رأس أمه واقتلع عينيها بيديه، بينما كان تحت تأثير مادة الجوكر، التي تسبب الجنون المؤقت، وغيرها من المخدرات. لكننا لا نعرف بعد لماذا فعل هذا الشاب كل ذلك؟ ما هي طبيعة علاقته مع أمه؟ ما الذي حصل مع هذا الشاب في طفولته؟ نسرع إلى الإدانة رغم أن كل المؤشرات تقول بأن الشاب غير سوي، قد يكون على الأغلب مريضًا نفسيًّا. وإذا كان مريضًا نفسيًّا، فهل وُلِد كذلك؟ أغلب المرضى النفسانيين يولدون أسوياء، لكن قد تتشكل لديهم عقد في الطفولة من خلال التربية غير السوية، التي يعرضهم لها الآهالي والمقربون جدًا. ‎أكثر العقد تأتي من الآباء والأمهات، فكم من مرة سمعت بأذني من فتيات ونساء ورجال، من مختلف الثقافات، وهم يقولون بأن آباءهم (بالدرجة الأولى) وأمهاتهم (إلى حدٍ أقل) دمروا حياتهم إلى الأبد. برأيي المتواضع أن هناك احتمالية أن الخلل جاء من الأم وإلا لماذا يقتلها الإبن بهذه الشراسة؟ فهي لربما لم تربه صح ولم تعالجه صح ولم ترع احتياجاته صح. وتخميناتي قد لا يكون لها أي أساس من الصحة، فليس عندي أية تفاصيل عن الأم المغدورة. لكني لغاية الآن أتعامل مع القاتل على أساس أنه ضحية من نوع ما، قد يكون ضحية بيئته الأسرية أو مجتمعه. فهو شخص يتعاطى المخدرات، مما يعني أن عنده مشاكل لها أول وليس لها آخر. وأنا لست مقتنعة بمسألة تناوله للمخدرات، التي هي عارض من عوارض مشكلة مأزومة عميقة ونفسية قد تعود جذورها للطفولة. والمخدرات ليست سببًا لقتل أمه بل نتيجةً. ورغم تحفظي على فرويد، ونظريته في التحليل السيكولوجي، إلا أني أرى نفسي أنهج منهجه في تحليل هذا المجرم/ الضحية في هذا الموقع هنا. ‎لماذا نقبل في مجتمعاتنا، أن يقتل الأب ابنته قتل الشرف دون أن يقضي أية محكومية في السجن، والمجتمع يسكت على هذه الجرائم سكوت الشيطان، ولو عكسنا الأية وقتلت البنت أباها دفاعًا عن النفس، يقف كل المجتمع في وجهها، ويعتبرها عاقة. لكن إذا خرج الأب عن دوره في حماية ابنته، فمن حق البنت أيضًا أن تخرج عن طاعة أبيها وتحمي نفسها بنفسها، حتى لو كان ذلك ضد أقرب الناس لها. العقل والمنطق يقولان هذا، والمعيار المقدس يسقط، عندما تختل الموازين. فعندما يتحول الأب الحاني إلى ذئب شرس ومتعطش للدم، فعلى ابنته أن تتحول إلى لبوءة جبارة. العدالة تقتضي أن نرى الأمور من جميع الزوايا. الحقيقة مرة وأليمة في الغالب، لكنها تبقى الحقيقة التي يجب أن نضعها في عين الإعتبار، قبل أن نحكم على أحد بالإعدام! وأنا مع إلغاء عقوبة الإعدام في كل الأحوال. ‎ في أوروبا، يحصل الأشخاص وبخاصة النساء القاتلات نتيجة الإضطهاد على أحكامٍ مخففة، وأحيانًا البراءة، لأن المجتمع لا يتعاطف مع من يمارس الإضطهاد بل مع الضحية الحقيقية، التي تعرضت للقمع والتعسف، وارتكبت الجريمة لوضع حد للمعاناة الصامتة وكسر دائرة العنف، والتي في الغالب تكون طويلة الأمد. نحن لا نعرف حقيقة العلاقة بين القاتل وأمه، التي قد تكون ربته على هذه الشاكلة. هل هو ينتقم منها بسبب شيء ما فعلته ضده في طفولته وأثر فيه بالغ التأثير؟ لا يجب علينا أن نسرع في إطلاق الأحكام على جريمة عائلية من هذا النوع، جرت تحت سقف بيتٍ محكم الإغلاق، على مدار سنواتٍ طويلة، على الأقل ليس قبل أن نتعرف على كافة الحقائق كاملة ومستوفية. ومن ضمن ذلك السجل المرضي للمجرم/الضحية، والذي يجب أن يكون -ولو نظريًا فقط- بريئًا حتى تثبت إدانته بالقتل العمد المتقصد. ‎ومجتمعنا ليس مثاليًا كما يريد أن يصور بعض الأشخاص، الذين يكنسون الأوساخ تحت السجادة. علينا أن نتعلم من هذه الحادثة المفجعة بأن نستخلص العبر. وأول شيء علينا أن نتعلمه هو أن ليس كل الأباء والأمهات ملائكة، وأن هناك أباء وأمهات من جنس إبليس. فقبل فترة من الزمن، سمعت عن أم تحرق أولادها بالملعقة، كنوع من التأديب والعقاب في مدينة الزرقاء، وقد تدخلت الدولة حينها، عن طريق حماية الأسرة. وحسبما علمت، فقد أخذوا الأطفال من ذويهم، ولا أدري إن كان ذلك بشكل مؤقت أو دائم، لكن هذا هو التصرف السليم. وبلا أدنى شك، فإني أشد على يد السلطات في هذه الحالة. وعلينا أن نتصدى للأباء والأمهات من نوع الوحوش، لكي نحمي أطفالنا من الضرر الدائم والجراح المزمنة، التي يتسبب الأهالي بها عن وعي أو لا وعي، عن قصد أو عن غير قصد، لأطفالنا البريئين، الذين لا يدركون ما يحدث لهم ولا يعرفون الشكوى. والأهم من كل ذلك، أن لا نبرر للأهالي سوء معاملتهم لأطفالهم إطلاقًا، فالأطفال أمانة ثمينة في أعناق الأهالي ولا يجوز التفريط بها تحت أي مسوّغ، وهم ليسوا ملكًا ولا عبيدًا للأم والأب.

نيسان ـ نشر في 2016-11-15 الساعة 21:08


رأي: سندس القيسي كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

الكلمات الأكثر بحثاً