اتصل بنا
 

على المجتمع والدولة التدخل عندما يضرب الآهالي والمربون الأطفال

كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

نيسان ـ نشر في 2016-11-24 الساعة 14:03

العامة، ويؤكد على أن الضرب يسبب تلفًا دماغيًا ويدمر خلايا المخ، ويدعو إلى التعامل مع الأطفال برفق واستيعاب وصبر بالغ، لأنهم أبناء الحياة وليسوا فقط أبناء ذويهم، وهم المستقبل لنا جميعًا، ويجب أن يكونوا أقوياء وأصحاء وذوي رؤية ثاقبة.
نيسان ـ

دارت عدة حوارات بيني وبين أمهات مقتنعات أشد الإقتناع بضرب الأطفال كوسيلة وحيدة وناجعة للتربية. وللأسف، فهذه قناعة منتشرة ومتأصلة في العالم العربي، وتعتبر ممارسةً طبيعيةً جدًا. وبما أنني لست بأم، فقد أتخذ ذلك ذريعة لما تردد بأنني لا أفهم ما تتطلبه التربية من حزم، مما زاد من استيائي وامتعاضي لأن رؤيتي تقتضي أن نعامل الأطفال برفق واستيعاب وصبر بالغ، لأنهم أبناء الحياة وليسوا فقط أبناء ذويهم. كما أن الأطفال هم المستقبل لنا جميعًا، فهم من سيحملوننا عند الكبر، ليس بالمعنى التقليدي الأناني والمحدود، الذي يحتم بر الأبناء بوالديهم، بل بمعنى أنهم سيعملون ويدفعون الضرائب للدولة المدنية، التي يجب أن تعتني بمواطنيها من كبار السن والفقراء والمرضى والأطفال والمستضعفين في الأرض. بهذا المعنى، أطفالنا سيحملون أمة المستقبل فوق أكتافهم، ولهذا عليهم أن يكونوا أقوياء وأصحاء وذوي رؤية ثاقبة.

أطفال اليوم هم بناة الغد، هم من سيخترعون ويقودون البلاد إلى مصيرها، وهم من سيواجهون التحديات، فكيف سيقومون بكل ذلك إذا كانوا "مضروبين بالجزمة على أدمغتهم" على حد قول إخواننا المصريين؟ أفلا نتعلم من أخطاء الأجيال الماضية، التي "أكلت قتلاً (ضربًا) حتى شبعت" وأخرجت لنا شُعُوبًا مخلخلة ومريضة نفسية حتى باتت لا تعرف كيف تتخذ قرارها. وأنا هنا أنوه بأن الأبحاث العلمية أثبتت أن الضرب يدمر خلايا المخ ويسبب تلفًا دماغيًا. ألا يكفي هذا من دليل لوقف العنف ضد أغلى وأجمل ما نملك، ألا وهي ثروتنا البشرية من الصغار ذوي الإمكانيات والإحتمالات المتعددة واللامتناهية؟

وقد نشر شابًا سوريًا على صفحة الفيس بوك الخاصة به، فيديو عن صديقه الذي ضرب إبنه في مطعمٍ بألمانيا، فأرداه طريح الأرض، فما كان من النادلة إلا أن اتصلت بالشرطة، التي أخذت الطفل، ذي السبعة سنوات، وأخفته عن أنظار ذويه، وعلى الأغلب إلى الأبد. بعدها أخذت الشرطة تستفسر إن كانت هذه أول مرة يتعرض فيها الطفل للضرب أم لا. وعوضًا أن يحذر الشاب السوري، صاحب الفيديو، الأهالي من ضرب أطفالهم، أخذ يحذرهم من ممارسة العنف ضد الأطفال في الشوارع والأماكن العامة، مكرسًا بذلك الممارسات الخاطئة ضد الأطفال في السر، ومعبرًا عن خوفه من أن ينتهي مصير الطفل، بالعيش مع عائلة ألمانية، تعلمه أكل لحم الخنزير وشرب الكحول وتحلل له المحرمات، عوضًا عن أن يكون جل همه واهتمامه صحة وسلامة الطفل النفسية والمعنوية. وبرأيي، كان يمكن استغلال الفرصة لنتعلم كيف نربي الأطفال بطريقة سليمة وصحيحة، لكي لا يخرجوا للمجتمع مشوهين أو مرضى نفسانيين ولكي لا يكرسوا دائرة العنف بحيث لا تمرر العادات السيئة للأجيال المقبلة، ولكي لا يعتبروا أن الضرب أسلوبًا طبيعيًا في التربية.

أما لماذا أتدخل عندما يتعلق الأمر بضرب طفل، فذلك ليس لأني مفتقدة الأمومة وأحاول تعويض نقص ما عندي. بل لأَنِّي أرى أن من الواجب علي ومن واجب المجتمع والدولة أيضًا أن نتدخل سريعًا لإنقاذ طفل من والديه ومدرسيه الذين يعذبونه بالضرب. وفعلًا أتحول أمًا لكل طفلٍ مغبون، لأنه لا يستطيع التصدي بمفرده لأي شكلٍ من أشكال القمع. فالطفل ليس ملك والديه ولا هو ملك مدرسته بل هو إبن الدولة أولاً وأخيرًا. وعلى الدولة ونحن كأفراد مجتمع أن نقف في وجه الآباء والأمهات والمدرسين الذين يرتكبون جرائم ضد أطفالنا الأبرياء والمستضعفين، تمامًا مثل ما يحصل في العالم الغربي، فالطفل غير قادر عن الدفاع عن نفسه، ومنذ صغره يضطر لخوض معركة غير متكافئة، ويكاد لا يدرك مدى الظلم الذي يتعرض له، ويعيش في معاناة صامتة، قد تستمر مدى الحياة.

وكم أنا شديدة الإعجاب بالنظم الأوروبية، والتي تتصرف على السريع وتأخذ إجراءاتها مباشرة وبحزم دون أن تتوانى عن إنقاذ الطفل، الذي يتعرض لأي شكل من أشكال الأذى ولا تتردد في حرمان والديه منه والبحث عن بيئة بديلة وسليمة وصحيه ومحبة له، لأن سلامة الطفل ونفسيته القويمة توضع فوق كل الاعتبارات. وهذا هو الصح والصحيح بدون أدنى شك. وأنا من أوائل الناس، الذين يشدون على أيدي الدول، التي تأخذ حماية الأطفال من أكثر الناس قربًا لهم، على محمل الجد، لأن من يضرب مرة، سيضرب ألف مرة ولن يتوقف عن التعسف. وَيَا ليت هذا النظام يطبق عندنا في البلاد العربية، ولو كان القانون يحمي الطفل بهذا الشكل في أوطاننا، فلربما خسرت ثلاثة أرباع الشعوب العربية أطفالها. وسيكون موقفي الواضح والصريح، الإشفاق على الطفل، وليس على أبويه، الذين لم يقدرا النعمة، نعمة الطفولة البريئة والجميلة.

الأمومة والأبوة لا تعني الخلفة لكي يساندوا الأطفال ذويهم ويحملونهم عند الكبر، هذا مفهوم قديم ومتآكل، ولا يخلو من الإبتزاز العاطفي بالطبع. ولا تعني أن تحول الأطفال إلى خدم يقومون بتنظيف البيت ويتعرضون للضرب ويحرمون من طفولتهم. قد يكون مفهومي للأمومة والأبوة مثالي بعض الشيء. لكن برأيي عدم الإنجاب أفضل مليون مرة من الإنجاب وتعذيب طفل بأي شكلٍ من الأشكال. لأننا بذلك سنخرج شخصيات مشوهة في المجتمع، تعيد الكرة مع الأجيال المستقبلية، عوضًا عن أن نكسر حلقة العنف لنقول؛ "كفى" ولا عنف ضد الطفل العربي بعد الآن. فالطفل مسؤولية كبيرة في الحياة تلقى على عاتق المجتمع بأن يوفر الحماية والأمان للطفل، من خلال القوانين المسنونة الصارمة، فكأنما نحمي كنزًا والأطفال هم كنوزنا الوطنية بالفعل، قبل أن تكون مسؤولية الأهالي في التربية الصحيحة، والتي برأيي تحتاج إلى الكثير من الإرشاد والتوجيه في عالمنا العربي.

أما حين يردد الأباء أنهم يطعمون ويلبسون أبنائهم، لكي يشعروا الأطفال بالذنب، فهذا شيء مقيت ولا يجب أن يعني أن الضوء الأخضر قد اشتعل لضرب طفل، إذا قام بفعلٍ خاطئ. الخلفة ليست بالكثرة ولا أن تخلف وترمي، ولا أن تنجب المرأة لكي تربط زوجها بحبال الأمومة. وبالتأكيد، فإن الضرب ليس الوسيلة الصحيحة للتربية، لكن يلجأ له الأباء والأمهات، لأنه ليس لديهم وقت، فهم مشغولون بحياتهم الإجتماعية، بأصدقائهم وعزائمهم وهواتفهم المحمولة عوضًا عن أن يكون الأطفال أولى أولوياتهم. وما زلت لا أفهم ما يقال من أنه بدون الضرب لا يتربى الأولاد. وردي على ذلك أن الأوروبيين يربون أولادهم بدون استخدام الضرب وأولادهم يخرجون مؤدبين ومتميزين، فكيف يكون ذلك؟

أنا أستغرب حقيقة عندما يناصر معلمون ومعلمات، متخرجون من الجامعات ضرب الأطفال، بحجة أنهم مدللين زيادة أو وقحين. فكأنهم لم يتعلموا ولم يذهبوا إلى الجامعة. كما تصر أمهات وآباء على ضرب أطفالهم، لأنه لولا الضرب لا يتربون. وأنا أرد على هؤلاء المفلسين بسؤالي هل جربتم وسائل التربية الحديثة؟ هل جربتم التربية من خلال أن تكونوا قدوة لأطفالكم؟ هل جربتم التربية عبر اللعب والحوار مع الأطفال؟ هل استشرتم أخصائيي تربية في الحالات الصعبة؟ إن محدودية مخيلتكم وضيق أفقكم هي ما تجعلكم لا ترون سوى الضرب وسيلة للتربية. إذا عرف السبب، بطل العجب. أمة تؤمن بالضرب وسيلة حوار وتواصل وتربية، هذه لا تعتبر تهميشًا بل إقصاءً كاملاً من قبل من هو أقوى ضد من هو أضعف. هذا، عوضًا عن أن نعزز مسألة الإحترام مع أطفالنا لكي نحاورهم صح ولكي نعلمهم كيف يحترموننا نحن الكبار لا أن يهابوننا ويخشوننا ويخافوننا ويرتعدون منا. برأيي، الديمقراطية تبدأ في البيت، مع الأب والأم.
Chat conversation end

نيسان ـ نشر في 2016-11-24 الساعة 14:03


رأي: سندس القيسي كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

الكلمات الأكثر بحثاً