اتصل بنا
 

جسدها الصغير المستباح

نيسان ـ نشر في 2017-01-31

نيسان ـ

صحيحٌ أنه ليس هناك ما يمنع حدوث ذلك، من الناحية النظرية، إذ يتم الأمر، وفق قوانين الطبيعة ومعادلاتها، وبشكل غريزي فطري، لا يتطلب أي مهارةٍ من أي نوع، طالما أن دورتها الشهرية، شأن سائر الثدييات، تدور بشكل منتظم، وليس ثمّة عائق طبي واضح يحول دون أن تتحمل طفلةٌ لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها، ولم يكتمل نمو جسدها تماماً، آلام الولادة المضنية، والإنجاب، وإرضاع الوليد، واختبار تحولات الجسد غير السارّة المترتبة على تجربة الولادة، الاستنثائية الخارقة في كل المقاييس، إضافة إلى الحالة النفسية غير المستقرّة المصاحبة لأشهر الحمل وما بعدها، من نفاسٍ غير مريح في جميع الأحوال، وكل الطقوس المتعلقة بالحدث السعيد (!).
تُنجب العروس الصغيرة التي (حملته كرها ووضعته كرها)، وهي غير مدركةٍ ما يحدث في جسدها الصغير المستباح، لتجد نفسها في وضعٍ غريب شاذ. تشارك طفولتها مع طفلٍ جديد، هو ليس أكثر من ضحيةٍ مجانيةٍ لا حول لها، سوف يزاحمها بالضرورة طفولتها المستلبة، وسيكون مطلوباً منها الاعتناء به، وتأمين متطلباته الكثيرة وتربيته، والصبر عليه تنفيذاً لمستحقات الأمومة الجبرية بحكم الأعراف الجائرة التي تبيح تزويج الصغيرات، بغية سترهن، وتجنّب عارهن، باعتبار الأنثى ضمن هذا المنطق مشروع فضيحة من حيث المبدأ، لا بد من تداركها والحيلولة دون حدوثها ضمن إجراء وقائي بائس، يتلخص في العثور على زوج بأي ثمن، يتولى حمايتها، وتنتقل مسؤولية ضمان شرفها وعرضها وسمعتها إليه، بغض النظر عن عمره وأخلاقه وإمكاناته المادية، ومدى أهليته للزواج على المستوى النفسي. وفي أحيان كثيرة، يعمد الأهل في الريف والمخيمات إلى تزويج الصغيرات، لأسباب اقتصادية بحتة، تحت وطأة الفقر والحاجة وانعدام الموارد، رغبة في التخفيف من عدد الأفواه الجائعة في الأسرة الكبيرة التي يسيطر الحرمان والجهل على أفرادها، ليستمر مسلسل الإنجاب غير المدروس أو المسؤول الذي من شأنه جلب مزيدٍ من البؤساء إلى دنيا غير رحيمة مسدودة الأبواب حتماً.
ظل هذا المشهد المؤسف يتجلى الظلم للصغيرة بأقسى صوره، حين يقودها من يفترض بهم حمايتها بالإجبار حيناً، وبالتضليل أحيانا أخرى، على الكفّ عن طفولتها ومصادرة حقها في حياة طبيعية وإلحاقها، زوراً وبهتاناً، بعالم الكبار بمسؤولياته وهمومه، قبل الأوان بكثير. لم تعد المشكلة تكمن في التشريعات التي اتجهت معظم البلاد العربية إلى تعديلها، بحسب الاتفاقيات الدوليه المتعلقه بتمكين المرأة، حيث تم رفع سن الزواج إلى 18 سنة، واعتبر تزويج الصغيرات قبل بلوغ هذه السن القانونية مخالفةً، بل وجرماً يستحق العقوبة، انتصاراً لحق المرأه في الاختيار وتقرير المصير، قياساً على تحديد سن الحصول على رخصة قيادة السيارت، وكذلك ممارسة حق الانتخاب، وكل التصرفات القانونية التي يقوم بها الفرد البالغ العاقل، فيتحمل عاقبة أعماله، وباعتباره بالغاً عاقلاً مدركاً ماهية هذه التصرفات.
المشكلة الحقيقية في وسائل الاحتيال والتلفيق التي يمارسها الأهل، وأحيانا بتواطؤ جهاتٍ حكوميةٍ لتمرير زيجاتٍ مشبوهةٍ، تقوم على مبدأ اغتيال الطفولة وانتهاك الأرواح الغضّة البريئة، ضمن سياق جهل وتخلف وظلام، فتدفع الأنثى الثمن الأكثر جسامةً وفداحةً، كونها الطرف الأضعف بالمعادلة المجحفة التي لا تقيم وزناً للنتائج الخطيرة المترتبة على اعتداء سافرٍ، وممتد قروناً من الاستلاب والقهر. ومن البديهي أن مجتمعاتنا لن تتمكن من التخلص من آثار هذا الاغتصاب المشرعن سوى بتوعية المرأة الأقل حظاً بحقها في الحياة اللائقة التي لا تستبيح إنسانيتها، وهذه مسؤوليتنا جميعنا.

نيسان ـ نشر في 2017-01-31

الكلمات الأكثر بحثاً