اتصل بنا
 

تضامناً مع أسماء مصطفى

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-02-20

نيسان ـ

تكتب الممثلة الأردنية، أسماء مصطفى، من تونس التي تزورها، في 'فيسبوك' عن مسرحيةٍ تونسية اسمها 'ألهاكم التكاثر' (قبل تغييره)، مستوحيةً بعفويةٍ ظاهرةٍ تعبيراً قرآنياً، فيُسارع مجلس نقابة الفنانين الأردنيين إلى عقد اجتماعٍ تأديبي، ويقرّر شطب الفنانة من عضوية النقابة نهائياً، بدعوى أن منشورها تضمّن 'تحريفاً وإساءةً واضحةً للقرآن الكريم'. وفي تصريحٍ بالغ الشذوذ في لغته الاتهامية، قال النقيب، ساري الأسعد، إنه 'لا يحقّ لأي فنانٍ أن يستخفّ بالأديان ويتطاول على العقيدة'. ومع الاتفاق البديهي مع هذا الأمر، فإن المرء يتعجّب من تسرّع سعادة النقيب في رمي زميلته (السابقة؟) بهذا الاتهام الثقيل. وكان محموداً من أسماء مصطفى أنها مسحت منشورها ذاك، وأوضحت احترامها الكامل النصوص الدينية، وأكّدت أنها 'مؤمنةٌ برب العباد الذي إذا أخطأتُ أستغفرُه هو، ولا أستغفر العباد'، وأفادت بأنها أبدت إعجابها بمسرحيةٍ شاهدتها، فكتبت اقتباساً وليس تحريفاً.

ليس مجلس نقابة الفنانين الأردنيين مجلس إفتاءٍ، يضم مشايخ وعلماء في شريعة الإسلام، حتى يصنع هذه المشكلة الغريبة، ويتجاوز اختصاصه المفترض أنه حماية حقوق المنتسبين الفنانين وحريّاتهم. ولو افترضنا، جدلاً، أن النقيب الأسعد تحسّب مما أدلت به أسماء مصطفى، ومع تسليم موقّع هذه الأسطر بأن الفنانة لم ترتكب إساءةً للدين، ولا تحريفاً للقرآن الكريم، فقد كان من الحكمة أن يتواصل معها، وينصحها بإزالة ما كتبت، دفعا لظنونٍ مرتابة. ولكن، ها هي فعلتُه، ومن معه في مجلس النقابة، أشعلت قضيةً مفتعلةً، تشغل الوسط الثقافي والإعلامي والفني في الأردن، منذ قرارهم الغريب، يوم الأربعاء الماضي. وبالتوازي مع بياناتٍ وكتاباتٍ تتضامن مع الممثلة، يتجرأ آخرون عليها، ويستبيحون شخصها بكلامٍ سخيف. ويحدث هذا في مجتمعٍ تشيع فيه ثقافة النميمة والنكاية، ومن الميسور لمن أراد تنصيب نفسِه حامي حمى الدين، في غضون اتساع الجهل بالإسلام نفسه، وبالفن والمجاز اللغوي، أن يتقوّل على الفنانة، ويؤلف بشأنها ما قد يتسبّب بإيذائها لا سمح الله. وهي التي اعتبرت، محقّةً، أن ما أقدمت عليه (نقابتها؟) يمثل 'إهانةً شديدة' لها ولأخلاقها ولتربيتها، ويتضمّن 'دعوة تحريضية'، وأوضحت أن لجوءها إلى النص القرآني كان لإعجابها ببلاغته. وفيما يضجّ فضاء التواصل الاجتماعي بالقيل والقال في الموضوع، نطالع أن محامين أردنيين يحضّرون قضيتين، للطعن في قرار مجلس نقابة الفنانين، ولإقامة شكوى جزائية ضد النقيب، وموضعها الذم والشتم والتحقير.
وحده الأردن من كل بلاد العالم شهد جريمة قتل، ارتكبها فاعلها بناءً على تصديقه ما سمعه عن نشر ضحيّته 'إساءة' لله عز وجل، في 'فيسبوك'، على الرغم من اعتذار ناهض حتر لمن ساءه ذلك الرسم الكاريكاتيري البائس الذي نشره، ثم حذَفه. ولكن، لا يبدو أن مجلس نقابة الفنانين الأردنيين يتّصف بالحصافة والتحرّز الملحّيْن، ولا يعدّ إلى العشرة، في مسألةٍ حسّاسة، خصوصاً أن فضاء الكلام مباحٌ لأيٍّ كان، وأياً كانت درايته بالدين والدنيا، فقد أقدم على سلوكٍ بالغ الغرابة. وفيما يغالب الأردنيون حرباً يومية مع غلاء الأسعار الذي يبدو أن حكومة بلدهم لا تحترف إنجازاً آخر غيره، فإنهم أبعد ما يكونون عن الحاجة إلى قصةٍ مثل التي ورّط بها ذاك المجلس النقابي المنتخب الجسم الثقافي والإعلامي والفني العام، فأشاع بذلك صورة غير طيبة للخارج، موجزُها أن نقابة، يعمل منتسبوها في الفن والإبداع والجمال، أناطت لنفسها مهمّة التربّص بهم، والاستقواء عليهم بفتاوى من عنديّاتها. ولكن الإجماع العريض من فاعلياتٍ مثقفة وفنية عديدة على استهجان ما ارتكبته النقابة المذكورة، وعلى التضامن مع الفنانة أسماء مصطفى، دلّ على شذوذ ما أقدم عليه مجلس هذه النقابة، وعلى أن النخبة الأردنية أقوى من مناورات النزوع إلى مغازلة المشاعر الدينية، وفي وسع هذه النخبة أن تمنع ذيوع أمرٍ كهذا. والمأمول تالياً أن يتم الاعتذار من الفنانة أسماء مصطفى، وأن يصدر حكم قضائي يعاقب من أساءوا إليها.

نيسان ـ نشر في 2017-02-20

الكلمات الأكثر بحثاً