أمي التي شق القمرُ ليصنع ركبتيها
نيسان ـ بقلم محمد الزبيدي ـ نشر في 2017-04-18 الساعة 11:15
أمي التي شق القمرُ ليصنع ركبتيها:
لم يصر هذا النص قصيدةً، لأن شياطين الشعرِ لا تأكل مِن قلب استودعتهِ بالله!
وأمي انعكاس آيةِ الله: 'واللهُ يضاعفُ لمن يشاء'، إذ في اسمها حرفٌ زائد عن كَلمةِ خير.
وقلبي الأخضرُ ثمر عيناها البنيتان، وإذ خطواتي الواثقات بناتُ خطوتها المُباركة، وقد ورثتني قلباً هو خبزٌ ويدين مفتوحتين كنهرين، وأوصتني غنِّ دوماً ولا تستقم للمعنى إذ تضيق بكَ الطرقُ وابحث فيكَ عما ترد فيكَ، يأتيك!
يداكِ الكثيرتان، إذ يمشطن شعري، يصير جسدي حُراً في الزمكان، ويطلعُ في الصدرِ حقل أغانٍ وفي العينين تنسابُ انهار الرضا ويتسعُ المعنى في حلق النص فيتورد النثرُ وتمطر لي وحدي سماءٌ فوق رأسي بعشرةٍ غيومٍ. .
وهي وحدها إذ تنهر قلبك بدعوةِ رضىً ، نعمَ هِيَّ، فقد مُلكت السماوات. .
ولما تغسلُ قميصكَ تقرأ قلبكَ وتفرغُ الجيوب مِن أضغاثٍ أحلامٍ إذ تظنك يوسفاً!
أمي، أم محمدٍ -أنا- اسماً
وأم موسى خوفاً وحباً
وأم عيسى طهراً وبراءاً
وهي قبل الأنبياءِ حواء
وانا أراها كُل الخلقِ!
أمي لما تفك ضفائرها ألعنُ الحروب السافرة، أين هُنَّ مِن هذا السلام؟ وأعجب للعنكبوتِ يبني بيتهُ والحمامُ يحط أفواجاً وإني كما هو مؤمنٌ ان هناك يوجد الصادقون وأصحاب الميمنةِ الذين هم في الحق شاغلون. .
وأمي التي عيناي غمازتيها لما تضحك. .
وهي القيامات المفردات واشارات الغيب الواضحات ومذهب الروح وأم الأمنيات والنفائس وجناس الجلال ومجاز العجائب وموطن الهجرات و هي الماوراء إذ يهبك الحقائق، والنعم على راحتيها مسبلات . .
كُل شيء هالكٌ إلا الله، فكيف تهلكِ أمي وهي صورته؟
أتفنى الرحمة أو الرحمن؟
وفي المِساء، يُمعن القَمرُ في مشيتها لَكيلا يضل طريق الهُدى ويتبع الغاويين
أمي, التي شُق القمر ليصنع ركبتيها، إذ تركعُ تركع الاكوان وتستقيم!
وإني عققتكِ صغيراً لما كان قلبي صنماً، والآن بايعتكِ ومهاجرٌ إليكِ، فخذيني مِني وقربيني، نفسي قرباناً لقدميكِ. .
أسند ظهري على باب البيت، أجلس القرفصاء عند العتبة.
شمسٌ تسطعُ كعين شَيطان، يقطع ضوءها الغيم، فيمر نسيمٌ فوق رأسي.
أرفع وجهي وهاجسي يقول متثاقلاً : هي ذي كف أمك، تدلي إليك بالغيم.
تلتفت لي الأيام كئيبة وتشيح بعدكِ- أمي -بوجهها المملوء بالدمعِ عنّي.
أنفاسي حراس مَقبرة وروحي وثن، أمشي بين الأيام أو بصيغةٍ أدق الأيام تمشي فوقي.
أقوم - أمشي- أدخل البيت وتطل ضحكتكِ من الخيالِ، يثقلني الرحيلُ، ويملأ النص بخناجر الأسئلة.
لماذا تركتني فاتحاً ذراعي على أوجهن للدنيا مِثل رجل الثلجِ ؟
من متى يكون الرحيل بِلا سبب ؟
أبكي هذه الأيام كثيراً، مدفوعاً بغيابكِ
والأصدقاء تهوي أسئلتهم من علوٍ كالسواطير، يقولون لي : أنت في العشرينِ - الرجال لا تبكي - البكاء مِهنة البنات.
ليست مُشكلتي مع رحيلكِ ماما، بل كيف أتعاطى مع هذا الغِياب ؟
متعبٌ بسكين الذِكرى، لا شيء يدعو للضحكِ، الأفراح والبهجات في أقصى حدودها مُجاملة، إن الأشياء كلها تنقصكِ.
يقولون لِي : أبوك تزوج ! استبدل أمك الآن .
استميحك ماما، استبدلكِ ، كما يستبدلُ البستاني أخر عمره الأزهار الحيّة بالاصطناعية، ليزعم -غير معترفٍ- أنّه لا زال قادراً على الاعتناء بغيرهِ .
سامحيهِ، إني أقرأ حزنهُ، تزوج مُحاولاً تقطيب صدع الغِياب.
فالوحدة لا تطاق !
--
أعود إليكِ في العشرين أركض كلما كسرتني النَساء وحين تضيق عن صدري السماء.
ألف مِيم - أنفس ماء - أمُ - واللفظُ حصرٌ وظلمُ.
--
يمتحنني النصُ، كم تكونين أنتِ فيّ، ليكون مُكمّلاً !
فليضحك كِلانا بينما أُمتحن ، والسؤال : 'أكلنا كُتّاب ؟'
يجيبون : نعم - لكن على هذا المِنبر فقط يقفُ الحكم .
--
من متى يولد الكُتاب من العدم ؟
بلا خطايا وألم ، بلا حكمة الندم ، بلا أن يذوقوا كنه الشجن ؟
لا تمتهن الكتابة قبل أن تدرك كيف تصب من روحك في صنم! وكيف تحول الثلج إلى دم ، وكيف تقطب الجروح وتخدر المرضى بالكِلمات .
* لن تكون كاتباً بالخيار ، فالكاتب مِثل النبي - مُصطفىً .
--
كُتّاب مقعدون - وكلما كتبوا يفكرون بالقفزِ عن سور المسجد الأقصى ..
يستبيحون المُقدس - يزورون أمنا مريم في مخاضِ عيسى ..
مخيلاتٌ مُصابة بالهيموفيليا - ترى كل شيءٍ ينزف ..
أتكفي اللحى لدخول الجنّة ؟
أيحكم بالعدلِ أنصاف القُضاة ؟
اتركوا الكِتابة واتركوا اللواتي تحبونهن لي-أصفهن كُلما وصفت حبيبتي ، فهن بعضها إلى أن تثبتوا العكس
--
أخون يديكِ ، يا أُمي ، إن صفقت لهم .
يكتبون عن أمهاتهم بصيغةِ المقدس والجليل الشاهقِ، ولا يدرون كم يكتبون عنكِ !
أقفل الآن الصورة ما بقيت أبجديتنا حيّة ، أغلق عليهم مشاهد التمثيل في النصِّ - يا أُمي :
من الألفِ إلي الياء ما كوّن حسناً فهو أنتِ.
--
يزعم الأطباء بأني مريضٌ عُضوياً، لكني بالفعلِ خائف ووحيد ماما، من متى تُعالج الوحدة بالأدوية ؟
يستجوبني جلدي المقشعر ، وقلبي يصبح صرّة دمعٍ ، حِين يطل وجهكِ من موالٍ
حين تطلُ يدكِ كغصنٍ متوهجةً من أغنية إديف بيّاف :
Ne me quitte pas
Ne me quitte pas
Ne me quitte pas
Ilfautoublier
Tout peuts'oublier
وتصير روحي روح ناي
---
نداوى بزيت السيرج والزيتون ، ونشفى كأنا لم نكن مرضى ، ونمرضُ إذ يداكِ لا تكون .
نبيٌ بمعجزةِ يديكِ، وكنتِ جبريل الله إلي.
كُل شيء هالكٌ إلا وجه الله ، فكيف تهلك أمي وهِي صورته ؟
---
ماما .
تنامين الآن في قبري وعزاؤكِ يمتدُ هاجساً أسود على كُل الأيام ..
وقد افترقنا منذ أعوام ، لكنك للآن ترحلين في ذاتِ الوقت من كُل عام .
وتركتِ للفرح مواعيداً مؤجلةً :
حفلة الشهادة العليا- أول راتبٍ - زغرودة الزفاف - اسم إحدى بناتي - طعم النور في الطعام - ودم الحياة !
كل شيءٍ يتغير في أيامي ، إلا تاريخ الوفاة.
لِما ربيع أذار ؟ فكلما يأتي يهز إلي بشجر الجرحِ، فأتساقطُ .
-
أدعو أن ترجعي مع أني موقنٍ بأن الدعاء لن يُجاب .
ففي غيابكِ يفنى الزمان - إن اللحظات كُلها تتشابهُ.
--
لم رحلتِ وأخذت معكِ :
حاء الصباح وحاء الروح وحاء الحياة وحاء الحب وحاء اسمي وحاء الفرح ؟
وتركتِ لي : حاء الحنين إليّ، حاء الحسرةِ والنواحِ ، حاء الحمى وحاء الترح ؟