اتصل بنا
 

كربلاء واخواتها (2).. اخطاء كبيرة

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2017-04-19 الساعة 09:29

نيسان ـ

كان ثوار كربلاء قلقين من امكانية زحف الجيش على مدينتهم من جهتي الرزازه والوند ، اما الرزازة فهي بحيرة كبيرة تقع غرب المدينة وتبعد عنها 17 كم ، تنتشر حولها معسكرات ضخمه للحرس الجمهوري ومراكز للتدريب وقواعد جويه ومخازن للعتاد وسجون واماكن للاعدامات . واما الوند فتبعد عن المدينة 15 كم وعلى جانبيها بساتين وارفه يصعب القتال داخلها ، لم يدخل الجيش الوند حتى الساعة الرابعة من مساء الثلاثاء ، اول ايام الانتفاضة بسبب انشغاله بتأمين خاصرة بغداد ( قضاء المسيب التابع لمحافظة بابل ) فالعاصمه العراقية ترتبط بخط دفاعي يمتد من المحاويل الى المسيب ، تولت حماية معسكرات المحاويل عشائر الدليم الشيعية التي قررت الانضمام الى قوات السلطة ، اما قضاء المسيب فلم تسقط معسكراته بيد الثوار ، زحفت عليه الوية الحرس الجمهوري وقصفته قصفا وحشيا ودار في شوارعه قتال شرس كانت الغلبة فيه للحرس الجمهوري .
مبنيا شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي بنيا ليكونا قلعتين ،وسراديبهما تحوي اسلحه تكفي ثوار كربلاء من المقاومة شهرين ، تم حصارهما اول ايام الثورة ، ارسلت تعزيزات حكومية للمبنيين عززت روح المقاومة ، لكن من جهة اخرى زادت تعزيزات الثوار فقلت حماسة المحاصرين ، وعند الفجر قرروا الانسحاب .
هنا يروي المؤلف ما يمكن ان يقال عنه المضحك المبكي ، فقصة حارس مبنى شعبة الصمود / منصور كاظم تتلخص في انه كُلف بنقل الرصاص والقذائف من السراديب الى سطح المبنى ، ثم تعاون هو وزميله المحاسب عند الحائط الخلفي للمبنى لتسهيل هروب المحاصرين ، شبكا ايديهما يعينان الحزبيين على الصعود والتشبث بنهاية السور العالي ثم القفز الى الساحة الخلفية تحت وابل من رصاص الثوار ، اقتحم الثوار المبنى وبدأوا باطلاق النار عليهم قرب الحائط ، كان منصور كاظم قد عبر السور وبقيت ساقه متأرجحة باتجاه الثوار ، اصابوها برصاصة، وقتلوا زميله المحاسب وتمكن منصور من الهرب الى بيت اخيه في حي البناء الجاهز ، وعندما احتل الحرس الجمهوري هذا الحي بعد القضاء على الثورة اعتبروا كل مدني مصاب من الثوار ، اخرجوا منصور من المنزل معصوب العينين بين صراخه وتوسلاته ، وبعد انجلاء الحقيقة رد اعتباره ومنحت عائلته ثلاثة انواط شجاعه وراتبا كبيرا ومنزلا وسيارة ، اما هو فقد رقد في مقبرة كربلاء وفي جسده رصاصتان ، واحده ( ثوريه ) في الساق ، والاخرى ( جمهورية) في الرأس .
ما ان اذاعت محطة الثوار بيانا يبشر الكربلائيين بسقوط شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي ، حتى سارعت المدينة كلها باتجاه المبنيين ، دخل الناس الى السردابين بلا سلاح وخرجوا محملين بشتى انواع الاسلحه ، رشاشات قاذفات بنادق ومسدسات ،وايضا بدلات الحرب الكيماويه واقنعة للغازات السامه ومعدات اخرى كثيره . وبدأ كل قيادي في الثوره يحضر للموقع مع جماعته ويغرف من الاسلحه ويمضي بها في سيارة نقل ، من هؤلاء القياديين يذكر المؤلف ( سليم ظاهر العرداوي ) كان يعمل ميكانيكيا للسيارات في الحي الصناعي ، وعقب الثوره ارتدى عمامة خضراء وتسمى بلقب السيد ، وقاد مجموعة مقاتله . ايضا النقيب احمد خضير ابو حمره الذي انضم للثوار وقاد جماعة من سبعة ثوار ، وشارك في كل نشاطات الثورة ، وعند سقوطها اعدم الجيش جماعته السبعه ورُقّي هو الى رتبة رائد ونقل الى بغداد .
بدأت بيانات الثورة تصرخ متوسلة من الروضة العباسية بتسليم الاسلحة التي لا يستفيد منها اصحابها بهدف تدعيم السواتر حول المدينة .
وبدأت عمليات السلب والنهب واستمرت في المدينة ثلاثة ايام ، لا يتسع المجال هنا لذكر كل مشاهد الاقتحامات لمؤسسات الدولة ومنازل الحزبيين وقصورهم وتفريغ محتوياتها من كل شيء ، يقول المؤلف ان جميع ما نهب من الكويت اثناء الغزو قد تم الاستيلاء عليه من قبل الناس صغارا وكبارا ، رجالا ونساءا ، حتى بدو كربلاء اقتربوا بخيامهم من المخازن ونقلوا كل ما استطاعوا ان ينقلوه على دوابهم . ضاقت البيوت بالغنائم ، والمفارقة انه بعد استعادة السيطرة على المدينة من قبل الحرس الجمهوري احتار الناس اين يخبئون مسروقاتهم وتخلصوا منها بطرق عجيبه .
استولى الناس على مخازن وزارة التجارة التي تبين انها تحوي المخزون الاستراتيجي لمنطقة الفرات الاوسط . مخازن اخرى نهبوا منها الادوات الكهربائيه وقطع الغيار وادوات البناء والمعدات الطبيه والصيدلانيه . حزبيه تدعى سليمه رسول مهدي، تعمل فراشة في ملجأ للعجزه ، قادت مجموعة من النسوة واقتحمت الدار واستولت على المواد الغذائيه والاجهزة والادوات ، كانت تدفع العاجز عن سريره وتستولي على فراشه وسريره . مجموعة اخرى قادها عربي يحمل الجنسية المصرية يدعى عادل الموجي من المنصوره اقتحم مصنع التمور واحرق محتويات عشرة مخازن من التمور تكفي سكان المدينة لخمس سنوات ، اعتبرته قيادة الثورة مذنبا واعدمته في الروضة العباسيه . مجموعة اخرى توجهت الى معمل النسيج الاهلي ، توسل حارسه عمران العزاوي للثوار ترك المصنع لانه يعيل الف عامل من سكان المدينة ، تركوه ثم عادوا اليه مرارا واخيرا سرقوا المصنع ثم احرقوه .
ذكرت في الجزء الاول من المقال ان مصنع تعليب فواكه كربلاء اصبح من ممتلكات حسين كامل بعد ان اشتراه من الدوله ، وعقب الثوره تحركت مجموعة من الثوار الى المصنع لنهبه وحرقه ، الا ان احد موظفي دائرة اوقاف كربلاء ويدعى حامد صبري الطائي وقف خطيبا عند بوابته الرئيسيه ليقول للثوار ان المصنع درة تاج الكربلائيين ، وما حسين كامل الا لص استولى عليه بغير وجه حق ،والمصنع اعال كثيرا من العائلات الكربلائية وهو اليوم ملك للثورة وابنائها وكل من يخربه او ينهبه هو خائن للثورة والوطن ، وهكذا حفظ حسين كامل مصنعه من النهب ، واصبح حامد الطائي احد مدراء المصنع وحصل على بيت وسياره في الاسبوع الاول من احتلال الجيش للمدينه .
المستوصفات نهبت ادويتها ، خزن الناس الادوية في البيوت دون ان يعرفوا لماذا يخزنونها ، وحينما اقترب الجيش من المدينة تخلصوا منها برميها في الشارع ، اقتحمت مجموعة دائرة الارصاد الجويه ، حملوا معداتها من دون ان يعرفوا ماذا يفعلون بها .

تصفية حسابات :
قتلى السلطة زادوا ، تولت قيادة الثورة محاكمتهم ورميهم بالرصاص او شنقهم في قاعة كبيرة على الجانب الايسر من باب القبله العباسيه نصبت فيها اربع مشانق ، ومن ينفذ من تقطيع الجماهير تتسلمه المشنقه ، وعندما سقطت الثوره زار صدام هذه القاعه وطلب عدم تنظيف ارضيتها من الدماء وتركيب زجاج فوقها وتحويل القاعه الى متحف .
مع وجود السلاح في ايدي الجميع فان عمليات قتل من نوع آخر انتشرت في المدينة ، هي عمليات تصفية حسابات وعداوات قديمه بين الاسر والاهالي ، احدهم ويدعى عبد الحسن الصفار اقتحم مع ثلاثة اخرين منزل ضابط امن وسرقوا محتوياته واختلفوا على تقسيم المسروقات ، فوجدت جثته لاحقا قرب محول كهرباء ،
امرأة كانت خلافاتها مع زوجها تنظر امام المحاكم ، وجدت جثة الزوج في حي العامل ممزقة بالرصاص واتهمت زوجته بقتله ، من اراد ان يغسل شرفه الملوث من العار ، ومن ارادوا ان يعاقبوا صهرهم لانه احضر لابنتهم ضرة ، الكل اصبح الحكم والجلاد .
يرصد المؤلف بعض مظاهر التحول المهمه بعد ( الثوره) كانخفاض اسعار المواد التموينيه ، والاهم انه ولاول مرة منذ عام 1968 تمت اقامة الشعائر الحسينية في عاشوراء ، وهو امر كان حزب البعث قد منعه . في الحقيقة لم افهم لماذا اقاموا شعائر عاشوراء في شهر شعبان ، ربما كلمات المؤلف بحرفيتها توضح ما صعب علي فهمه ( عرّى الكربلائيون صدورهم المكلومه، لطموها ، وراحوا يبكون على الحسين ، يبكونه لاول مرة منذ عقود، ذلك البكاء الممنوع والحرقة المخنوقة والعبرات المحبوسه) .
يقفز المؤلف من بين السطور فجأة بحكاية جديدة من حكاياته ورؤيته الخاصه فيما يجري فيقول انه كان مفتونا بالثورة مهووسا بالمشاركة في خضم احداثها ، ولكنه كلما اراد الدخول في معمعتها اوقفته واقعة انتظرها ليعيد النظر من جديد ويحاول فك رموز وطلاسم عديده تمر امامه . لم يهتف لم ينهب لم يقتل ، ومع ذلك ناله عقاب اليم من النظام بعد سقوط الثوره.
عباراته هذه كانت مقدمة لتعرية وكشف اهم اخطاء الثورة التي عجلت بسقوطها ويمكن تلخيصها بالآتي :-
- افدح اخطاء الثورة كانت في عدم تحييد الحرس الجمهوري ، فقد خرجت الثورة لتواجهُه مسلحةً بكل انواع الاسلحة تزرع الموت في صفوفه ، لم تعطه زهره ، لم ترش عليه ماء ورد كما فعل المتظاهرون في مانيلا ضد جيش ماركوس على سبيل المثال .
- بعض شعارات الثورة اعطت الفرصة لصدام ان يحاصرها بشعاراتها ويقضي عليها ، وكل شعار غير واقعي اطلقته الثورة كان يوما جديدا في حياة نظام صدام فالتف الحرس الجمهوري حوله .
- سوء التنسيق بين المحافظات الثائره او عدم وجوده اصلا ،كانت كل محافظة محررة تعمل بمفردها ، وتعمل كل منطقة في المحافظة بمفردها ، ويعمل كل ثائر حسب اجتهاده . واخفى الناس الاسلحة التي كانت الثورة بامس الحاجة اليها .
- التصور الساذج لسيناريو اسقاط صدام الذي اطلقه البعض . كان المؤلف جالسا امام منزله في اليوم الثالث للانتفاضة عندما مر من امامه طالب يدعى بشير داخل العلي على دراجته الهوائيه واخبره الآتي ( ذاهبون غدا الى بغداد نقود خمسمئة دراجة هوائيه من كربلاء ومثلها من النجف وبابل ، نقبض على الطاغية ونصحبه معنا الى كربلاء لنحاكمه امام محكمة خاصة للثوار ، ثم نعدمه بين الحرمين) .
- مساهمة الاذاعات الاجنبية مساهمة فعالة في عمليات الخداع ، اذ نشطت اذاعة لندن بالعربيه لاذاعة الاخبار الملفقة حول هذا الموضوع ، وتؤكد خلال نشراتها ان صدام بات يبحث عن ملجأ .
لكن الحقيقة ان صدام كان يشرف على معاركه في المحافظات من بغداد بكل اتزان وروية ، ارسل اقرب المقربين اليه على رأس اخلص الجيوش وحاصر المدن ودكها بلا رحمة او شفقه.
بداية النهايه :-

شاهد الاهالي طائرة هليكوبتر تحلق فوق الروضة العباسية ثم اختفت بين البساتين ، زفوا البشرى لبعضهم بان هذه هي طائرة الامام ابو القاسم الخوئي ، لكن الطائرة عادت للتحليق مرة ثانية فوق منزل المؤلف فتصدى لها الثوار بالهاونات والمدافع ، اصبح الموقف غريبا وارتبك الجميع ، حلقت الطائرة على ارتفاع شاهق والقت حمولتها من المناشير التي تهدد السكان بان الحرس الجمهوري سيلقي على المدينة اسلحة كيماويه .
وبدء التحضير للمعركة ، قطعت المياه عن المدينة ، سيطروا على مجرى نهر الحسينيه الذي يمر بشمالها ، وعانى السكان من ازمة مياه خانقه للايام التاليه .
في تلك الاثناء كانت المعارك على اطراف المدينة طاحنة ضاريه ، لم يكن القتال سهلا على آليات الحرس الجمهوري ، فبساتين كربلاء عميقة وكثيفة تتصل ببعضها حتى الروضتين ، لذلك كانت الغلبة في البداية للثوار ، كان لكربلاء اهمية خاصة عند صدام لاعتقاده ان القيادة العليا للثورة في العراق مقرها الروضة العباسية ، لذلك انتقى من اقرب المقربين اليه حسين كامل وانتقى معه اقوى القوات واخلصها واحسن الآليات والمعدات فكانت معركة كربلاء اهم معارك الحرس الجمهوري والمحافظات .
كان اليوم الخامس من الثورة حدا فاصلا بين كربلاء والموت ، قرر حسين كامل ان ينقض على المدينة وهي بلا ماء ولا كهرباء ولا ادوية ،وفي قلة من السلاح والذخائر .
استيقظ الكربلائيون على صوت طائرة هليكوبتر تحلق على علو منخفض ، لان مدافع وهاونات الثوار نفذت ذخائرها ، وانطلق صوت ستيريو من الطائرة يحذر السكان :
- يا أهالي كوربولاء ،
امر يدعو الى الاستغراب ، اليس الجيش الذي يقصفهم عراقيا ، فكيف ينطق عراقي اسم مدينة مقدسه بهذا الشكل ،ومن اين جاء صدام بهؤلاء ؟
عاد الصوت من سماعة الطائره يردد :
يا اهالي كوربولاء
القوا بأسلحتكم
اخرجوا من المدينة
ومن لم يلق سـ .....
ومن لا يخرج سـ ......

نيسان ـ نشر في 2017-04-19 الساعة 09:29

الكلمات الأكثر بحثاً