اتصل بنا
 

مفطر رمضان وكلبتنا السوداء

نيسان ـ نشر في 2017-06-05 الساعة 16:43

النقاش حول إدانة مفطري رمضان يثير جدلاً في الفضاء الأزرق، مع تحديد العقوبات في بعض الدول العربية، وتقسيم الآراء بين مؤيدين ومعارضين، حيث يرون المؤيدون أن العقوبة ضرورية ورادعة، بينما يرون المعارضون أنها جائرة وتتضمن انتهاكًا لحق الأفراد في السلوك الحر.
نيسان ـ

ما زال النقاش على أشده في الفضاء الأزرق بين مؤيدٍ ومعارضٍ للإدانة الاجتماعية الصارمة بحق مفطر رمضان الذي غنّينا له، صغاراً، أنشودةً لا تخلو من عنفٍ وكراهيةٍ، كنا نردّدها بدون تأمل وتدقيق، لكنها بالتأكيد تعكس منظومة تفكير غير متسامحة ألبته 'يا مفطر رمضان/ يا عايف دينك/ كلبتنا السودا تقطع مصارينك'، سعداء بالنغمة التي كنا نُشهرها حاقدين منتقمين في وجه من ثبت إفطاره، لا سيما إذا كان ادّعى الصيام كذبا، انصياعا لسطوة المجموع غير الرحيم في أغلب الأحيان. كذلك يجري الحديث حول العقوبات التي ترتبها قوانين بعض الدول العربية، مثل تونس والأردن والمغرب، والتي تقضي بعقوبة الحبس شهراً لمن ضُبط وهو يتناول الطعام أو يشرب الماء أو يدخن السجائر علناً، وعلى الملأ في أثناء شهر رمضان، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الدول تعتبر معتدلةً نسبيا، بل ويمكن تصنيفها متقدمةً، ومنفتحة اجتماعيا وتشريعيا ودستوريا، بالمقارنة مع دولٍ عربيةٍ أكثر تشدّدا، حتى أن عمّان، مثلا، تبيح تقديم الطعام وشرب القهوة في فنادق ومطاعم ومقاهي الخمس نجوم، لاعتباراتٍ سياحيةٍ، لكن ذلك يتم بشكل خافتٍ غير معلن، احتراما للثقافة السائدة التي تفرض شروطها في العادة.
اعتبر المؤيدون تغليظ العقوبة في مواجهة مفطري رمضان إجراء ضروريا ورادعا وعادلا لمن ينتهك حرمة الشهر، بذريعة ممارسة الحرية الشخصية، ويذهبون إلى أن سلوكا كهذا يؤذي مشاعر المجموع الملتزم بالصيام، سواء كان ذلك من باب التدين الحقيقي أو بحكم العادة والعرف الاجتماعي المرتبط بطقوسٍ ميزت الشهر، وأضفت عليه خصوصيةً وبعدا رومانسيا، لا يرغبون في خدش صورة أيٍّ من مفرداته تحت أي عنوان. فيما يذهب المعارضون إلى مهاجمة العقوبة التي يرونها جائرةً تتضمن انتهاكا خطيرا لحق الأفراد في السلوك الحر غير الخاضع للإدانة القانونية أو الاجتماعية، كون ممارسة العبادات مسألة شخصية جدا، غير مقبول بأي حال، التدخل في كيفية تأديتها أو احتقار من لا يؤديها وتكفيره، نيابة عن رب العباد. والحق أن ثمة وجاهة في الموقفين، إذ إن احترام ثقافة المجموع يدخل في نطاق اللباقة والذوق والأخلاق التي نلتزم بها مرغمين، حين نسافر إلى أميركا أو أوروبا مثلا. هناك يتحول العربي ذاته الذي يلقي القاذورات من سيارته ويدخن في الأماكن العامة تحديدا بجانب اليافطة التي تحظر التدخين، ضاربا بالقوانين والأنظمة والأعراف عرض الحائط، إلى كائن منضبط، يدخن في الأماكن المخصّصة، ويحتفظ بكيس بلاستيكي يضع فيه قاذوراته، لكي يلقيها في أقرب حاوية، يحترم القوانين والأنظمة ويتقيد بها حرفيا تفاديا لعقوبة حبس أو غرامة، من دون أن يشعر أن كرامته امتهنت، أو أن حريته قد انتقصت، بمعنى أنه مؤهلٌ من حيث المبدأ للتقيد بالقانون من دون نقاشٍ بمدى منطقيته أو عدالته.
في حالة إفطار الشخص غير الصائم، وتدخينه السجائر علنا، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى إيذاء مشاعر جمهور الصائمين، ويحول دون تقواهم وورعهم، يحدث ذلك لو أن الشعوب العربية تمكّنت عبر الأجيال من التخلي عن أهم خصالها وعلاماتها الفارقة التي تميزها عن بقية خلق الله، وهو الفضول القاتل الذي يجعلنا مشغولين بالآخر طوال الوقت. تفاصيل كثيرة تأخذ من تفكيرنا، وتجعلنا منتبهين إلى أدقّ التفاصيل، متأهبين لإطلاق الأحكام والتكفير ومنح صكوك غفران، مع أن الأمر أبسط من ذلك بكثير، فمن يُقدم على الإفطار علنا في استعراضٍ بائس لجرأة مفتعلة، لا تصمد طويلا أمام محقق صغير هو شخص حر بطبيعة الحال، لا أحد ينكر عليه ذلك، لكنه ببساطة قليل الذوق، عديم الحساسية، وليس من العدل أو المنطق أن يزجّه في غياهب السجن بناء على ذلك، إذ لا يوجد نص في قانون العقوبات يقضي بحبس شخصٍ، بسبب قلة ذوقه. هذه صفةٌ عليه أن يعيش معها، ولا نملك، في هذا السياق، سوى أن ندعو للمقربين منه بالصبر على الابتلاء.

نيسان ـ نشر في 2017-06-05 الساعة 16:43


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً