اتصل بنا
 

هذه المرة ينبغي أن يكون عقاب قطر قاسيا

نيسان ـ نشر في 2017-06-07 الساعة 14:17

قطر خيار سوى البحث عن وصي جديد والتحالف مع الولايات المتحدة.
نيسان ـ

هذه لحظة تاريخية في علاقة قطر بالعالم الخارجي. قطر لم تكن دولة مستقلة أبدا. ثمة وصاية مستمرة كانت تتحكم في نظرة قطر لنفسها وللإقليم، وكانت تتغير زمنيا وسياسيا بصعود وهبوط القوى الكبرى في العالم.

إذا كانت قطر دولة مستقلة وحرة في خياراتها، فالسعودية أيضا دولة ذات سيادة وحرة في غلق معابرها ومجالها الجوي!

توظيف خطاب السيادة في هذه الظروف لن يكون في صالح قطر، ببساطة لأنه ليس دقيقا تماما.

منذ زمن الحكم العثماني ثم الحماية البريطانية كانت قطر من الناحية الجيواستراتيجية مجرد زائدة أرضية بارزة داخل مياه الخليج. لم تتغير نظرة جيران قطر لها في أي مرحلة من المراحل، حتى بدأت تحدث صخبا وضوضاء منذ انقلاب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني على ابن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني عام 1972.

الخلافات داخل الأسرة الحاكمة شكلت شخصية قطر المتمردة. الصراعات النفسية والشخصية كانت دافعا لتأسيس “تطرف الحكم”. التطرف في كل شيء، حتى الخوف. الخوف من أفراد في الأسرة وقادة في الجيش، والخوف من دول كبرى مجاورة تعتقد قطر أن لها أطماعا توسعية على حسابها.

الجانب النفسي المضطرب خلق صراعات أجنحة بين أروقة الحكم. انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده عام 1995 كان تجسيدا لوصول هذه الصراعات إلى ذروتها. اقتراب الانقلاب الآخر الذي نفذه بعد عام واحد الشيخ فهد بن حمد بالتعاون مع شقيقه الشيخ مشعل على والدهما من النجاح، قسم الأسرة تماما. النتيجة كانت استبعاد أبناء زوجة الشيخ حمد الأولى لصالح الشيخ جاسم، الابن الأكبر للشيخة موزة بنت المسند، وهي زوجته الثالثة، قبل أن يتم عزله من منصب ولي العهد لاحقا لصالح الشيخ تميم بن حمد.


قبلة نهاية الخدمة
تولي الشيخ حمد بن خليفة الحكم كان في جوهره محاولة للبحث عن وصي جديد. الولايات المتحدة كانت جاهزة لسماع ما يمكن لقطر أن تقوله واستكشاف ما لديها كي تقدمه في المنطقة.

زمن الوصاية الأميركية على قطر لم يبدأ صدفة. الحماية التي كان الحكم الجديد في قطر يبحث عنها دفعته لتقديم كل ما يملك. لم يكن أمام قطر حينئذ إلا التحول من “تطرف الحكم” إلى نموذج لدولة “الحكم بالتطرف”.

تأسيس قاعدة العديد الأميركية عام 2003 أنهى حقبة الانقلابات في قطر، وبدأت حقبة قائمة على “استعراض العضلات” التي أنتجتها وفرة مالية زائدة وتطلع مغامر للعب دور.

الخطأ هو أن استراتيجية قطر لم تكن واقعية في السعي إلى تولي دفة القيادة في المنطقة دون تدرج. النظرة القطرية كانت تقوم على إعادة إنتاج التاريخ طالما أن الإمكانيات تسمح بذلك.

الإسلام هو أحد الأركان الأساسية في تصور قطر للقيادة التي تحلم بها.

خلال الهيمنة البريطانية على المنطقة، ولدت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وساعدت بريطانيا على التحكم في المزاج الديني للشعوب العربية على مدار عقود. في استراتيجية بريطانيا، كان الدين هو الطريق الأقصر إلى قلوب المسلمين قبل عقولهم.

الاستراتيجية نفسها كانت المحور الأساسي لنظرة الولايات المتحدة للمنطقة خلال حربها الضروس على الشيوعية إبان الحرب الباردة. خلق تنظيم القاعدة وجماعات الجهاد الإسلامي مكن صناع القرار في واشنطن من تغيير شكل المنطقة تماما. كان الدين بالنسبة إلى الأميركيين المشكلة والحل معا.

في الدوحة بدت رؤية الشيخ خليفة بن حمد لقطر تتضح بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. لم ير القطريون في تنظيمات الإسلام السياسي والجهاديين ورقة محروقة كما كان يراها العرب والغرب على حد سواء. كان السؤال المطروح في الدوحة وقتها: لماذا لا نعيد صياغة أسس الفكر الإسلامي تأسيسا على قاعدتين: دعم مالي لا يتوقف، وقصف إعلامي يصل إلى أبعد مدى؟ السماح للشيخ يوسف القرضاوي بالتحول من مجرد داعية إلى “قائد روحي وفكري” لجماعات الإسلام السياسي كان جوهرا ضمن الاستراتيجية الجديدة. هذه كانت مهمة قناة “الجزيرة” ضمن مهامها الأخرى القائمة على التحطيم البطيء والمتأني لمنظومة القيم التي قامت عليها المنطقة. بعد ذلك بدأت مرحلة هدم المنظومة السياسية.

التنقل بين السعودية وإيران وتركيا وإسرائيل في وقت واحد أفقد هذه الدولة الصغيرة رصيدها في الخليج
نجحت الخطة القطرية، لكن ليس تماما.

في وسط كل هذا الحماس لم تفهم قطر حجم وإمكانيات القوى الكبرى في المنطقة. النظرة القطرية للإقليم كانت تقوم على أربعة محاور: ضمان الحماية الأميركية للحدود ولحكم الشيخ خليفة بن حمد، والاطمئنان للضغط الغربي الهائل على السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر، وضعف وترهل نظام حكم حسني مبارك في مصر، وانتهاج الإمارات سياسة خارجية تقوم على التحفظ ومحاولات لم الشمل.

لم يعد أي من هذه المحاور قائما الآن.

عقاب قطر هو انعكاس لتراكم طويل في السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط يقوم على تخفيف التواجد تدريجيا على المدى البعيد. الرئيس دونالد ترامب يؤمن بضرورة اعتماد دول المنطقة على قدراتها الذاتية التي استغرقت عقودا لبنائها. هذه السياسة لا تضم مصر والسعودية فحسب، لكنها تشمل قطر أيضا. على قطر أن تواجه مصيرها.

السعودية اليوم ليست هي السعودية منذ عشرة أعوام. ثمة تغير في العقيدة الأساسية للحكم مع صعود الجيل الثالث المتمثل في ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لا يبدو أن التردد التقليدي في التعامل مع الأزمات مازال يتحكم في صانع القرار السعودي. الأمور تتغير بسرعة، وبنفس السرعة تتغير نظرة العالم القديمة للسعودية. مصر والإمارات بدورهما ليستا كالسابق. هاتان دولتان تمتلكان إمكانيات هائلة، بشريا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا وفكريا. بين القاهرة وأبوظبي اليوم رؤية تقوم على ضرورة التعامل مع لحظة الحقيقة التي يمثلها تغليف المنطقة بفكر متطرف عمل الإسلاميون والإخوان على بنائه طوال العقدين الماضيين. هذه الرؤية تقوم على بنية تحتية أسستها الإمارات منذ ما قبل اندلاع ثورات ما يعرف بـ”الربيع العربي”، حيث كانت تواجه المشرع الإسلامي/القطري وحدها في غياب القوتين الرئيسيتين مصر والسعودية.

اليوم عادت هذه القوى معا لتلقّن قطر درسا. هذه الدولة بدأت أخيرا تدرك حجمها الحقيقي. اكتشف القطريون العاديون أن مجرد إغلاق معبر صغير على الحدود مع السعودية كاف لكي يضع قطر على شفا الانهيار. اكتشفوا أيضا أنهم كانوا يعيشون وهما كبيرا متمثلا في هذه الشركة العائلية التي تملك قطعة صغيرة من الأرض وعددا من حقول النفط والغاز، وقد تصورت أن هذه مقومات كافية كي تتحول إلى قوة إقليمية عظمى. لم يقل أحد للشعب القطري إن رجال أعمال في بلدان أخرى كثيرة يملكون شركات يعمل بها أضعاف عدد سكان قطر، ولديهم ثروة تستطيع أن تبني كيانا يماثل في المساحة والقوة العسكرية دولة قطر كلها دون عناء.

هذه معركة مصيرية ستشكل ملامح زمن غياب الوصاية على قطر. التنقل بين السعودية وإيران وتركيا وإسرائيل في وقت واحد أفقد هذه الدولة الصغيرة رصيدها في الخليج. سياسة الفهلوة واللعب بالثلاث ورقات لم يعد لها مكان اليوم.

طوال عقدين لم تترك قطر للمنطقة أي خيارات. جاء يوم انعدام الخيارات أمام قطر والإخوان والجزيرة. هذه المرة ينبغي أن يكون العقاب قاسيا.

نيسان ـ نشر في 2017-06-07 الساعة 14:17


رأي: أحمد أبو دوح

الكلمات الأكثر بحثاً