اتصل بنا
 

نحن السوريين الذين صبغنا البغل

نيسان ـ نشر في 2017-06-11 الساعة 13:29

الشعب السوري: بين الطيبة والاستثناءات السلبية
نيسان ـ

الشعب السوري طيّب وحبّاب، لا شك، هذا هو الغالب الأعم، ولكن هناك استثناءات ووجود الاستثناءات طبيعي، وضروري لصناعة الأخبار، فالأخبار لا يصنعها الطيّبون الحبّابون الذين يذهبون إلى عملهم في الصباح، ويرجعون إلى بيوتهم في المساء، ويُصَلُّون العشاء وينامون، لكي يستيقظوا باكراً في اليوم التالي، ويذهبوا إلى العمل. وإنما يصنعها الشطار والشواذّ، وكذلك المجرمون.
خطرت لي، قبل مدة، فكرة برنامج تلفزيوني كارتون (Animation) بعنوان 'أقوال مأسورة'، فيه حلقة تبدأ من القول إنه إذا كان 'كل الناس خيرا وبركة' فمن هم الذين يستغلون، ويسرقون، ويُزَوِّرُون، ويَغْسلون الأموال، ويُشَلِّحون الناس على الحواجز، ويسرقون الإغاثة، ويتاجرون بالنازحين، ويغتصبون النساء في المعتقلات، ويميتون الشبان تحت التعذيب، ويلقون البراميل المتفجرّة والأسلحة الكيماوية على المدنيين العُزَّل؟
ذات مرة، حينما كنت أعمل في السياسة، وقف أحد السادة المحترمين مدافعاً عن جبهة النصرة، فقال ما معناه إن معظم عناصر 'داعش' مهاجرون لا تُعْرَفُ قَرْعَاتُ آبائهم من أين، بينما عناصرُ جبهة النصرة، وهنا رقّ صوته وعَذُبَ، سوريون، أبناء بلدنا. تذكّرت، لحظتئذ، الممثل سلوم حداد، حينما استهل حديثه، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، قائلاً إنه، وبينما هو داخلٌ من الباب الخارجي للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وقع بصرُه على العسكري (السوري) الذي يحرس المبنى، فلاحظ أن وجهه كله رقة، وحنية، وشهامة، ورجولة، وبطولة، و.. انفلت سلوم بالبكاء، فأضحكني ذلك، ليقيني أن العسكري المذكور 'عايف رد السلام' من البرد، وقلة الراتب، وندرة الدسم في الطعام، ولؤم رئيسه المباشر، والخوف من أن يرتكب خطأ غير مقصود يؤدي به إلى السجن، ثم الموت تحت التعذيب تحت أيدي مخابرات 'سورية الأسد'.
قلت لزميلنا صاحب النظرية القائلة إن 'النصرة' غير 'داعش' لأن أفرادها سوريون: يا سيدي، حافظ، ورفعت، وماهر، وفواز، وبشار الأسد سوريون، وكذلك رامي مخلوف وعمران الزعبي وسهيل الحسن وبثينة شعبان وربى الحجلي، والطيار الذي ألقى الكيماوي على الغوطة وخان شيخون سوريون.
في قديم الزمان، بحسب ما يروي لنا كبارُنا، اشترى أحد السوريين، واسمه دَرْوَشَان بغلاً أحمرَ فتياً، ومضى به إلى البيت، مؤملاً أن يعينه (البغلُ) على تكاليف الحياة، فينقل معه الماء، والحطب، والأمتعة المنزلية، ويركب هو عليه حينما يكون متعباً. ولكن البغل، بعدما أطعمه دروشان وجبة تبنٍ وشعير لذيذة، شرع يثبت قائمتيه الأماميتين، ويرفس مَنْ يقترب منه رفسةً مزدوجةً تجعلُ أسنانَه الأماميةَ تطير. وفي ذلك النهار، استقبل طبيبُ الأسنان الوحيد الموجود في القرية أشخاصاً ممن فتح لهم بغلُ دروشان نوافذ مختلفة الأشكال في واجهاتهم، لأنهم اقتربوا منه، معتقدين أنه بغلٌ عاقلٌ وحبّاب.. حزن الأخ السوري دروشان، لوقوعه ضحية غشٍّ حقيرة، دبرها ابن بلده الذي باعه البغل، وقرّر أن يردّ له الصاع صاعين، وما كان منه إلا أن صبغ البغل باللون الأصفر، وسقاه كميةً لا يستهان بها من الحشيش، ونزل به إلى البازار، وباعه لأحدهم على أنه بغلٌ طيبٌ وحبّابٌ (مثل سهيل الحسن). وكان البغل، لحظتئذ، مسطولاً بفعل الحشيش، حتى إذا أخذه صاحبُه الجديد إلى البيت، صحا، وبدأ يفتح لمن يقترب منه نوافذ صغيرة في واجهاتهم، ويرسلهم معزّزين مكرّمين إلى طبيب الأسنان.
مضى علينا نيفٌ وست سنوات، والثورة مستمرة، مع ما رافقها من قتلٍ وتخريبٍ وتهجير، وما زال السوريون المؤيدون للنظام يَسحبون من الأسواق الأشياءَ والظواهر التي يتأفّف منها الشعب في مناطقهم، ثم يعيدونها إليهم مسطولةً ومصبوغة، وعاقلة، ومحتشمة، وكذلك الحال في المناطق التي يُفترض أنه أصبح يديرها أبناء الشعب، فعلى الرغم من أن كثيرين ينطبق عليهم القول المأثور، خير وبركة، إلا أن بعضَ تجار الحروب والنّصابين يصرّون على جعل البغال 'تكيف'، وتظهر أمام الشعب عاقلة وحبّابة.

نيسان ـ نشر في 2017-06-11 الساعة 13:29


رأي: خطيب بدلة

الكلمات الأكثر بحثاً