فارس عوض.. همس قصيدة تعانق شموخ عمان
نيسان ـ نشر في 2017-06-13 الساعة 19:50
إعداد - سعد الفاعور
لمع نجمه كهمس قصيدة صحراوية تعانق شموخ جبال عمان، بعدما قدم عبر شاشة التلفزيون الأردني، خالدة الأغاني الوطنية (عمّان يا دار المعزة والفخر) التي أدهشت ولا زالت تدهش ملايين المستمعين حتى اليوم، فباتت بفضل صوته العذب الشدي، أكبر من قصيدة حبيسة دفتي ديوان شعر، وأكثر من قمر يغازل ويسامر فتيات عمان، ويتلصص على فتنة جمالهن مع غروب شمس كل يوم.
متسلحاً بشغفه الطفولي والفطري بالغناء، وبسحنته الصحراوية البدوية السمراء، وبضحكته الأثيرة، وبطباع نفسه الطيبة، تسلل كنسمة صيف منعشة من خلف بيوت شعر (البرزة)، فاستوطن قلوب من عرفوه، فدلف عتبات ستديوهات الإذاعة والتلفزيون، بعدما اتكأ على الملحن والموسيقي روحي شاهين، الذي وجد فيه ضالته، ليغدو شاهداً على حقبة تاريخية واجتماعية شهدت الكثير من التحولات.
عندما، استمعت إليه للمرة الأولى 'أدركت أنني أمام موهبة تحمل خامة صوتية مختلفة'، هكذا وصف الملحن والموسيقار روحي شاهين صوت الفنان فارس عوض. وعلى الفور، عرض عليه العمل بالإذاعة الأردنية، فوافق، وقد أدهش بصوته أعضاء اللجنة الفنية والموسيقية.
وبينما كان يزاول مهنته الرئيسية، مساح أراضي، استطاع أن يواصل مسيرته الكفاحية، وأن ينال درجة البكالوريوس من الجامعة الأردنية، تخصص اقتصاد، وفي الوقت ذاته، كان يظهر الكثير من التألق والانسجام من خلال عمله بالفرقة الموسيقية في الإذاعة، حيث كان مردداً ومنشداً للكوبليهات الموسيقية ضمن كورس فرقة الإذاعة.
ظهوره الفني الأول، كان من خلال أغنية (لولا الأمر لله)، وهذه لها قصة خاصة، كما يسردها الموسيقار شاهين في تصريحات سابقة، بقوله: 'عرض الشاعر رياض زيادات عليّ تلحين كلمات أغنية من تأليفه، وقد سمعني فارس عوض وأنا أدندن بها، حيث كان يحرص على ملازمتي بالاستديو، وطلب أن يغنيها، وهو ما حدث، وبالفعل سجلنا الأغنية بصوته، فنالت استحسان مدير الإذاعة في ذلك الحين نصوح المجالي، وما أن بثت الأغنية عبر الأثير، حتى تلقاها الجمهور بحماس كبير، فحققت صدى وانتشاراً كبيرين'.
بدأت دائرة الحب والإعجاب بفارس عوض، تكثر حلقاتها وتكبر، فأصبح نجماً حقيقياً يشار إليه بالبنان. ومرة أخرى، وعبر شراكة ثنائية مع روحي شاهين، غنى الراحل (وين المحبة وين)، من كلمات الشاعر نايف أبوعبيد، وقد حققت نجاحاً مدوياً مثل سابقتها. كما لحن شاهين للراحل أغنية (كله من الله يا حبيبي)، والتي نالت هي الأخرى، حظها من الشهرة.
وبفضل ما تمتع به من التزام، وحس فني، وصوت جميل، بدأ كبار الملحنين يتسابقون على تقديم الألحان له، فغنى من ألحان، كرامة حداد، وعيسى البلّة، وغيرهم. ومن خلال شراكة ثنائية مميزة مع الملحن الكبير إميل حداد، قدم فارس عوض خالدة الأغنية الأردنية (عمّان يا دار المعزة والفخر)، للشاعر علي عبيد الساعي، والتي شكلت علامة فارقة في مسيرته الفنية، وارتفعت به فوق هامات جبال عمّان السبعة، حتى بات صوته لحناً لا تخطئه الأذن الأردنية والعربية.
امتدت شهرة فارس عوض، خارج حدود الوطن، فاحتل مكانة مرموقة في ساحة الغناء العربية، ونال المركز الأول في مهرجان بغداد عام 1981، وتفوق على باقي المطربين العرب. كما طرب لصوته أبناء الخليج العربي، الذين رأوا فيه صورة من طلال مداح ومحمد عبده.
أحيى حفلات موسيقية عديدة بين أوساط الجاليات العربية والأردنية في أميركا وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب مشاركته في مهرجانات فنية عربية في الجزائر وبغداد، متكئاً على رصيد غنائي نوعي، ضمّ 20 أغنية، من أشهرها: (عمّان يا دار المعزة، حبحبني على الخدين، يابو خديد منقرش، يا ويلي منكم يا بنات اليوم، يا فزعة الرحمن، فارق عشير العمر، حبيت والفجر، وين المحبة وين). وكان آخر أغانيه رحمه الله (أبيعك يا منى عيني)، والتي سجلها ولقي حتفه بعد مغادرته الاستديو، في حديث سير مؤسف، دون أن يتاح له سماعها عبر الأثير.
فارس عوض، ذلك الصوت البدوي الأردني الأصيل، الذي يتحدر من عشيرة السواعدة بني حميدة، ولد في بلدة (برزة) في مدينة مادبا العريقة عام 1956، وهو وحيد والديه. عاش طفولة غير منعمة، لكنه عشق الشعر والغناء، تزوج عام 1982، ورزق بطفلين، هما: ثامر وعامر، عامي 1983 و1984 على التوالي.
ومثلما كانت بدايته الفنية، عندما وضع قدمه داخل سور هيئة الإذاعة الأردنية عام 1977، كانت نهايته المحزنة، وهو يغادر استديو الإذاعة، بعدما أنهى تسجيل آخر أغانيه. ففي يوم 18 أيلول 1986 فجع الأردنيون بنبأ وفاته، رحمه الله، لينتهي مشواره الفني وهو في أوج عطائه وشهرته. ورغم مرور ثلاثة عقود على وفاته، إلا أن صدى اسمه لا يزال يتردد بين الأردنيين.