اتصل بنا
 

مادبا..(فتاة الشقيق) الأولى بالشامل وأم لطفلين وترعى أبويها المسنين

نيسان ـ سعد الفاعور ـ نشر في 2017-08-03

x
نيسان ـ سعد الفاعور - خاص - نيسان نيوز

في السادس والعشرين من تموز 2017، حلت رابعة عبدالرحمن الزعيرات بالمركز الأول على مستوى المملكة في قوائم الناجحين بامتحان الشامل، بمعدل 96.6 بالمائة.

رابعة التي أبصرت النور وترعرعت في قرية 'الشقيق' التابعة للواء ذيبان في محافظة مادبا، لم يحالفها الحظ كثيراً في الحياة، لكنها لم تستسلم رغم كثرة ما واجهته من صعوبات وعقبات، وظروف أسرية واجتماعية قاهرة.

ففي العام الدراسي 1999 – 2000، أنهت الثانوية العامة بنجاح، محرزة معدل 82.7 بالفرع الأدبي، ورغم أن هذا المعدل لفتاة ولدت في قرية نائية، بل في واحدة من القرى التي توصف بأنها 'الأقل حظاً'، يؤهلها لدخول الجامعة، لكن ظروفها المادية والاجتماعية لم تسمح لها بإكمال تعليمها.

صورة ذات صلة

وكأي فتاة في عمرها، كانت تنسج على مخدتها أحلاماً كثيرة، وتتصور نفسها وقد التحقت بالجامعة، لتتخرج وقد تسلحت بالمعرفة والعلم والشهادة التي تؤهلها لدخول سوق العمل. لكن قريتها النائية والبعيدة عن مركز المحافظة، وكذلك بعد المحافظة التي تتبع لها عن الجامعة الأردنية الأقرب آنذاك إلى مسقط رأسها، وعدم توفر المبلغ المالي المطلوب لدفع رسوم وتكاليف الدراسة الجامعية، كلها كانت عقبات لا يمكن القفز عنها أو تجاوزها.

لكن الفتاة المثابرة والصبورة وصاحبة النفس الطويل والجلد والعزم. قررت أن تحني رأسها للعاصفة، وأن تتقبل التعايش مع الواقع المر والظروف الصعبة التي فرضت عليها. لكن هذا التقبل للواقع لم يسقط من بالها الأمل والحق والرغبة بإكمال الدراسة.

وبينما هي في قريتها النائية، وقد أكملت التعليم الثانوي، ومضى على تخرجها عامين كاملين، تمت خطبتها، وبحكم أعراف القرية النائية، والأحكام الاجتماعية التي ترى أن الفتاة إن نضجت وكبرت، فإن الزواج هو الأفضل لها، فقد تخلت عن طموحها بإكمال دراستها الجامعية.

بالفعل، لم تجد رابعة، بداً من الانحناء لتقاليد البلدة والقبول بفكرة الزواج، وسرعان ما صارت في عام 2002، زوجة، ومن بعدها أماً، فرزقت ببنت وولد. الأيام ظلت تمضي، وإيقاع الحياة كان رتيباً، وبعد 11 عاماً من الزواج، وتحديداً في عام 2013 وقع أبغض الحلال إلى الله.

أصبحت رابعة 'أما'، وسيدة 'مطلقة'، وتحت كنفها طفلة عمرها 9 سنوات، وولد عمره 5 سنوات، وليس لها أي دخل، وأمها وأبيها مسنان كبيران، يعانيان من الأمراض. كان عليها أن تتخلى عن ثقافة العيب، وأن تدخل سوق العمل، لكنها لا تحمل مؤهلاً دراسياً أو فنياً يساعدها على الالتحاق بمهنة لائقة، فاضطرت للعمل في محلات بيع الملابس وفي صالات الأفراح، سواء في خدمة الضيافة أو في قسم التصوير وتجهيز الحفلات وغيرها من المهن الأخرى المتواضعة.

كان همها هو الحصول على مصدر دخل كريم يعينها على الوفاء بحاجيات طفليها وتمكينها أيضاً من رعاية والديها المسنين، وتوفير ما يحتاجانه من أدوية وعلاجات, فقد أصبحت المسؤولية كاملة برقبتها وحدها!

ظلت الأمور على مدى عامين كاملين من بعد طلاقها على هذا الحال، حتى قادها القدر في عام 2015 للتسجيل في دورة لتعلم مهارات صيانة وترميم الفسيفساء في ملتقى 'الشقيق' الثقافي. وبحسب ما ترويه 'رابعة' لـ 'نيسان نيوز' فإن الدورة كانت قصيرة ومختزلة، ومدتها يومين فقط. وقد جرى تنظيمها بالتعاون ما بين ملتقى الشقيق الثقافي ومركز التدريب المهني.

تضيف: هذه المرة ابتسم لي الحظ، فقد أعجب المدربون بشغلي ومهارتي في الترميم وصيانة الآثار والفسيفساء. فسألوني إن كنت قد أنهيت الثانوية بنجاح. وهل أحمل شهادة ثانوية عامة أم لا؟ فأجبتهم بأنني تخرجت بنجاح وبمعدل 82.7 بالفرع الأدبي. فعرضوا علي مواصلة تعليمي، والتسجيل في برنامج الدبلوم الجامعي المتوسط لمدة عامين، للدراسة بمعهد مادبا لإنتاج وترميم الفسيفساء، الذي يعرف باسم (MIMAR)، مع توفير مساعدة مالية شهرية قدرها 120 دينار من صندوق التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني. ودون تردد وافقت على ذلك.

نتيجة بحث الصور عن ترميم الفسيفساء الأثرية في <strong>مادبا</strong>

تم قبولي في المعهد، الذي يتبع لجامعة البلقاء، بتخصص ترميم وإنتاج الفسيفساء، وقد واجهت الكثير من الصعوبات، فقد كنت منقطعة عن الدراسة لأكثر من 15 عاماً، وكل الطلبة الذين يدرسون معي كانوا أصغر مني بكثير، كنت أنافس طلاباً صغاراً خريجي الفرع العلمي، يفهمون بحكم تخصصهم في الفرع العلمي بالثانوية مساقات الكيمياء الحيوية والكيمياء التطبيقية والفيزياء والحاسوب. هذه المساقات بالنسبة لي كطالبة خريجة الفرع الأدبي، ومنقطعة عن الدراسة منذ 15 عاماً، كانت تحدياً كبيراً. لكنني قررت خوض التحدي. والحمدلله خضعت لامتحان فحص المستوى ونجحت في هذه المقررات، كما تميزت في فحص مستوى اللغة العربية واللغة الانجليزية، أما المعضلة الحقيقية فكانت امتحان الحاسوب، كان يجب علي دراسة المساق خلال أسبوعين دراسة شاملة وفهم كامل المادة وتقديم اختبار مستوى بها. الحمدلله، أولاً، وبفضل مساعدة المدرسين الذين لم يبخلوا علي بأي نصيحة أو إجابة على أي استفسار تمكنت من اجتياز هذه العقبة أيضاً. لكنني اكتشفت لاحقاً أن الحاسوب الذي لم ألتق به طيلة حياتي إلا في هذا المعهد، لن يكون فقط مجرد امتحان مستوى، بل مساق شامل يجب أن أفهمه بشكل تام، لأنه سيكون في الامتحان الشامل مع بقية التخصصات الأخرى!

رابعة، لا تترك الفرصة تمر، دون أن تذكر بالاسم مدرسيها والمشرفين على تدريبها في المعهد، وهم: المهندس وأستاذ التدريب حمزة الشوابكة، والدكتورة سوسن الفاخري، والأستاذة ريهام حداد، والأستاذ ماهر بدوي، والأستاذ شاهين شواهين. قائلة: 'إنه لولا هؤلاء ودعمهم لي وتفهمهم لظروفي وتشجيعهم لي على مواصلة الكفاح، لما تمكنت من تحقيق هذه النتيجة'.

خلال دراستي، تقول رابعة: تعرضت لظروف قاهرة لا يمكن تخيلها، ففي أول فصل دراسي التحقت به بالمعهد، نشب حريق في بيتي، وأنا خارج البيت، وأولادي لوحدهم. من رحمة الله، أنني كنت في منزل والدي المجاور لمنزلي الذي أقطن به مع أطفالي، وقبل أن أنتهي من إطعام والداي والتأكد من شربهما للدواء، خرجت صرخات استغاثة، فإذا بهم أولادي الذين حاصرتهم النيران، نتيجة تماس كهربائي، وقد أمضيت ثلاثة شهور كاملة وأنا أتابع فترة علاجهم بالمستشفى. وقد قسمت وقتي ما بين البيت والمستشفى والمعهد.

نتيجة بحث الصور عن صندوق التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني

رابعة التي تحدت المستحيل، وصنعت من العدم مركباً لخوض غمام أعتى أمواج البحر، وبعد أن تفوقت في امتحان الشامل، وحلت بالمركز الأول على مستوى المملكة، بمعدل 96.6، استحقت أن ينسب بها مدرسوها في المعهد، وأن يحصلوا لها على منحة لإكمال دراستها في الجامعة الأردنية، بتمويل من قبل صندوق الملك عبدالله للمنح والقروض الجامعية للطلبة.

وعلى الرغم من السعادة والفرحة التي تحف رابعة، لكنها تشعر أن القدر قد يحول مرة أخرى بينها وبين حقها وحلمها في إكمال دراستها. فهي تعيش ظروف مادية قاهرة، والمنحة لن تغطي كامل تكاليف الدراسة، كما أن بيتها في البلدة النائية يبعد عن الجامعة الأردنية 110 كيلومترات، وتحتاج يومياً أن تستقل ثلاث مواصلات.

رابعة التي تشعر أن الحياة استنفذتها كثيراً وأبكتها أكثر مما أسعدتها، والتي باتت ترى ولديها يكبران في حضنها، بينما والديها ينهكهما التعب والمرض، وهي عاجزة عن أن تبادل طفليها الفرح والعطاء، أو أن تدخل الفرحة على نفسيهما، باتت تخشى أن يغتال العوز والفقر حلمها بإكمال دراستها الجامعية التي طالما انتظرتها وحلمت بها.

فهل يا ترى، تلامس قصة 'النجاح' التي ولدت من رحم العناء، شغاف قلوب بعض أصحاب الأيادي البيضاء الحانية، المحبة للخير. أو هل يستقر صدى صرختها في ضمير أي من القائمين على الجمعيات الخيرية المتخصصة برعاية الموهوبين والمكافحين والمتفوقين؟

رابعة، أو 'فتاة الشقيق' أو ابنة ذيبان ومادبا، هي قصة كفاح عظيمة، تستحق من كل أصحاب الضمائر النابضة بالخير والإنسانية، أن يمدوا لها يد العون والمساعدة، وألا يتركوا أحلامها تتحطم على صخرة الحياة البائسة.

نتيجة بحث الصور عن الفقر في <strong>ذيبان</strong>

نيسان ـ سعد الفاعور ـ نشر في 2017-08-03

الكلمات الأكثر بحثاً