إسلاميون ويساريون في جهنم
محمد قبيلات
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2015-04-05
بعد تحقّق مهمّة التحرر من ربقة الاستعمار، كان لا بدّ من بناء الدولة الوطنية، التي تتصدّى للمهمات والمصالح القومية، بمؤسسات ذات رؤى وأهداف واضحة، تؤسس لحالة من التقدم في كافة مجالات التنمية، حيث كان من المفترض أن ينظّم ذلك عقد اجتماعي عادل (دستور)، يُقسّم العمل السياسي ويقدّس حقوق المواطنين وحريتهم في إطار قانون مستقل يطبق ذلك بصرامة.
بغض النظر عن كون الحكم كفوءاً أو غير ذلك، فان أهم ما كانت تتطلبه تلك المرحلة، هو أن تتبوأ القيادة شخصيات وطنية نزيهة تحظى بدعم شعبي حقيقي، وتمتلك القدرة على التقاط الحلقة المرحلية في السلسلة التاريخية، لإنجاز مهمات بناء الدولة القومية.
والآن ونحن نعيش عقابيل تلك المرحلة الحساسة من تاريخنا الحديث، نلحظ نتائجها، وما سبّبته من تأخر في كافة المسارات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وما ينتج عنها من انفجارات في كثير من الدول العربية، وقد تعيد صياغة كل شيء.
إبّان تلك الحقبة المهمة، استأثرت بالسلطة أنظمة حكم قومية الطابع، لكنها عملت دون مشروع قومي واضح المعالم، بل حافظت على التبعية للمستعمر، وأُبعدت المعارضة بكل أطيافها عن المشاركة بصياغة تلك المرحلة، أو الإفساح لها للوصول الى السلطة، تارة بتغييبها بالتهميش والقمع والسجون، وأخرى لغياب قدرتها الذاتية على انتزاع الشرعية.
تورطت التيارات الإسلامية بوظيفة الضد لليساريين لحقب طويلة؛ ما جعلها في أغلب الأوقات أقرب لأنظمة الحكم، وأقرب للانخراط في البرامج الدولية للحرب الباردة، على مبدأ وقاعدة التشارك مع أمريكا والغرب بالإيمان بالله.
وصلت بالإسلاميين الأمور حد التورط في أفغانستان، وتالياً بالإرهاب، وكان أن سبق ذلك، عدم تبنيها مشروعاً يلبي المصالح القومية للأمة، إلى جانب حياد الكثير من التيارات الإسلامية من الصراع مع الكيان الصهيوني، بحجة ان الصراع يجري بين كفرة (أنظمة الحكم- إسرائيل)، حينها وقعت التيارات الإسلامية عموماً بخطأ جسيم، ألا وهو، عدم ترتيب تحالفاتها وجدول صراعاتها حسب الأولويات والمصالح القومية.
أما القوى اليسارية، فليست مصيبتها أقل، حيث أخطأت تيارات جذرية منها، في التقاط اللحظة التاريخية المناسبة؛ ما تسبب بعدم حصولها على الشرعية الكافية، التي تؤهلها لأن تتبوأ مكانتها التاريخية، ولأن يكون لها دور في بناء الدولة الوطنية القومية.
ليس المجال فسيحاً هنا للتوسع في ذلك، لكن يكفي أن نتذكر بعض الأخطاء القاتلة، ومنها؛ موقف بعض القوى من الاستقلال، فبينما كان الحزب الحر الدستوري في تونس يناضل من أجل الحصول على الاستقلال وقف اليسار هناك ضد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وكذلك موقف اليسار المصري من نشوء الدولة الصهيونية الغاصبة، ففي الوقت الذي كان للإخوان المسلمين كتيبة تقاتل في رفح عام 1948م مع الجيوش العربية، تورط بعض اليسار المصري بالتنظير لـ "تقدمية اسرائيل"، وكذلك موقف اليسار العربي عموماً من مشروع التقسيم، والموقف من الوحدة المصرية السورية، وكذلك الموقف في كل لحظة مفصلية في تاريخ الأمة.
ليس غريبا إذاً الوصول مؤخراً إلى تورط بعض تيارات اليسار المصابة بـ "رهاب الإسلاموية"، بالدفاع عن الأنظمة الديكتاتورية، والوقوف ضد التغيير، بحجة أن هذه الانظمة مدنية وتقاوم اسرائيل والاستعمار.
طامة اليسار والإسلام السياسي الكبرى، إنه في الوقت الذي كان يجب فيه أن يكون موقفهما قومياً لبسا ثوب الأممية أو العالمية، بينما الآن وعندما وجب على عليهما دعم بناء الدولة الديمقراطية الوطنية المدنية يلبسان العمائم الطائفية.