يتامى صدّام حسين
نيسان ـ نشر في 2017-10-03 الساعة 15:23
صدام حسين: الطاغية الذي لا يزال يحيا في ظلام الكذب والتضليل.
متى يشبع الميتون موتًا؟.. يحاصرني هذا السؤال، كلما باغتتني صور صدام حسين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يوميًّا، بمناسبة أو من دونها، أو لإشهار صورته سلاحًا في مواجهة انتكاسةٍ عربية ما، على قاعدة: 'وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر'.
والحال أن 'بدر' صدام حسين لم يفتقد تمامًا، وأكاد أراهن أن كذبة واحدة يطلقها مأفون قوامها أن 'صدام حسين لم يعدم ولم يزل حيًّا' كفيلة بأن يصدقها الملايين، وسط هذا المناخ القابل لتصديق أي كذبةٍ تنشله من نفق الهزائم الذي يفتقد أي ضوءٍ في مخرجه.
هذا على افتراض أن صدام حسين كان 'ضوءًا'، أو لعله كان كذلك في أول النفق، لا في آخره، حين ورّط شعبه وبلده، بل وأمته، في أتون حروبٍ عبثية أهلكت كل شيء، وما يزال العراق يدفع ثمنها، وثمة الكثير مما يمكن أن يقال عن طاغيةٍ ستاليني ضرب سجنًا حديديًّا على شعبه، وأباد معارضيه، وجعل الرعب طعامًا يوميًا في بلاده، وأسبغ على ذاته قداسةً فرعونية تجعل من 'الويل' أدنى عقوبةً لمن يفكر بخدشها، بصرف النظر عن سائر الشعارات المجوّفة التي كان يتشدق بها عن 'تحرير فلسطين'، ومقارعة الإمبريالية؛ لأن مثل هذه المعارك لا تخاض بالعبيد، بل بشعوبٍ حرّة لا يسكنها الرعب والرغبة في الخلاص من سلاسلها وأطواقها، بدليل أن بعض الشعب العراقي فتح أبواب بغداد بيديه للمحتل، حين أحسّ بأنها فرصته الوحيدة للنجاة من طاغيته، وعلى قاعدة 'التحالف مع الشيطان' هذه المرة، وقد كان 'دونكيشوت العراق' واثقًا بهزيمة تحالف عالمي ثلاثيني مدجج بأحدث أسلحة الإبادة.
أما تماثيله وصوره التي كانت تملأ جدران العراق وكتبه المدرسية، فقد انتقلت، بعد إعدامه، لتملأ الآن صفحات 'اليتامى' على 'فيسبوك'، بوصفها إرث الطاغية لعبيده، وفي قناعتي أن هؤلاء 'اليتامى' أخطر من الطاغية نفسه على الأمة، لأنهم يؤبّدون الطغاة، ولا يتقبّلون فكرة الحرية، ويسعون إلى تعميم فكرة 'الزعيم الأوحد' بمراثيهم البائسة، ولن يقنعهم أحد بأن فلسطين لن يحرّرها غير صدام حسين، وأن مواجهة الإمبريالية لن تتم بغير صدام حسين، ولن يحقق الوحدة غير صدام حسين، وبعضهم على ثقةٍ بعودته، ولو من خلال جلسة تحضير أرواح، على اعتبار أنهم مفتونون بالمعجزات حتى آخر النفق.
وعلى غرار يتامى صدام حسين، وهم الأحدث، ما تزال هناك فلول من يتامى جمال عبد الناصر، ممن ترى أن العالم أغلق أبوابه بوفاته، وأن فلسطين ضاعت إلى الأبد بعده، كما دفنت القومية إلى ما بعد يوم القيامة، فيما يرى إسلاميون من 'يتامى' صلاح الدين أن القدس لن تتحرّر إلا باستنساخه مجددًا، ولن يعاد فتح القسطنينية إلا على يدي محمد الفاتح.
أولئك اليتامى الذين يستعيرون من الغرب كل شيء، لا يلتفتون إلى أهم ابتكارٍ لديه، وهو نزع ثوب القداسة عن رموزه، مهما تعاظمت إنجازاتها، فالزعيم تشرشل الذي يحسب له فضل إنقاذ بريطانيا من براثن هتلر هزم في أول انتخاباتٍ بعد الانتصار، لأن الشعب أدرك أن دوره انتهى في مرحلة البناء، بعيدًا عن دوي المدافع، أما أيتامنا فيؤمنون إيمانًا مطلقًا بأن طغاتهم صالحون لكل المراحل والأزمان، للحروب والبناء، للقمع والحرية، للخراب والتحديث، للموت والحياة، أما 'الطبيعة التي تمقت الفراغ' فضربٌ من 'الهوس' العلمي، لأن الفراغ في عرفهم يظل فراغًا أبديًّا لا يشغله أي قدّيس جديد بعد قديسهم الراحل.
باختصار، حياتنا 'صور ثابتة'، مثيرة للبكاء، حين يتعلق الأمر بتحضير الأرواح، لكنها يمكن أن تتحول أيضًا إلى 'صور متحركة' قابلة للتحول إلى أسلحة دفاع وهجوم، كلما قرّرنا خوض معركةٍ نعلم نتائجها مسبقًا، أما الميتون فلا يشبعون موتًا، وأما اليتامى فيزدادون يتمًا.
نيسان ـ نشر في 2017-10-03 الساعة 15:23
رأي: باسل طلوزي