حصار قطر ..فخ لتفكيك السعودية
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2017-12-24 الساعة 22:05
وردت آية في القرآن الكريم جاء فيها'يخربون بيوتهم بأيديهم وبأيدي المؤمنين'وكان المقصود بها اليهود الذين لا يعيشون بسلام ولا يعرفون معنى الهدوء والأمان،ولكن الواقع الحالي يفيد أن هذه الآية تنطبق على حكام السعودية الذين ورطوا أنفسهم في صراع مع الله ،بتخليهم عن القدس وفلسطين وبضغوطهم التي لا حصر لها على القيادة الفلسطينية بضرورة التخلي عن القدس مقابل مبالغ مالية ضخمة ،كي يتم تطويبها ليهود ،ولكي تتربع السعودية في الحضن الإسرائيلي.
بدأت المأساة السعودية بمجيء ترامب رئيسا للولايات المتحدة وقد تحالفوا معه ويحاولون حاليا تثبيته في الحكم ،من خلال معاندة رغبات الشعب الأمريكي الذي يرى فيه أسوأ رئيس دخل البيت الأبيض،ويبدو أن المعلم واحد ،إذ لا يعقل إنشاء علاقة إستراتيجية في أيام معدودات،وعليه فإنه يبدو ان الجماعة يقرأون على شيخ واحد منذ زمن،وقد شكلت لهم دولة قطر شوكة في حلوقهم .
نظرة سريعة على الدول المتحالفة مع السعودية وهي التسي تسي وهذا لوحده قصته طويلة لا يشبع من 'الرز'وينظر إلى دول الخليج على انها ضرع بقرة هولندية مدلعة يتوجب حلبها ،والبحرين او ما يطلق عليها جزيرة الريتويت وهي في مجال السياسة ملحق للسعودية،أما الإمارات فهي الحليف الأخطر للسعودية ،ويقيني أن مفاتيح اللعبة كلها بيد القيادة الإماراتية التي حيّرت الرأي العام بخصوص ماهية الإنقلاب الإماراتي وإنسلاخ إمارات الشيخ زايد عن عروبتها وإرتمائها في احضان مستدمرة إسرائيل الحزرية الصهيونية الإرهابية النووية ،وتحريضها السعودية على قطر ،والتورط في صراع مع تركيا المسلمة.
كنا حقيقة غشماء في موضوع التحالف السعودي –الإماراتي ،لأننا تخيلنا وفاء مفترضا وتحالفا صادقا بين البلدين ،ولكن الله كشف السر في الأيام الأولى وبيّض وجه قطر،فقد إتهموها بدعم الإرهاب مستندين على قيام الدوحة بتوفير ملجأ لحركة حماس الفلسطينية وحركة طالبان الأفغانية ،ظنا من المسؤولين الغشماء أن هذه التهمة ستطيح بقطر في اليوم التالي ،لكن مدير وكالة المخابرات الأمريكية 'السي آي إيه 'السابق خرج علينا بتصريح قال فيه أن إستضافة الدوحة لحركتي حماس وطالبان كان بطلب من واشنطن،وأظن أن ذلك كاف للشعور بالخزي من قبل دول الحصار التي تكشف أيضا ان عداءها السافر لقطر كان بسبب رفض الشيخ تميم التآمر على القضية الفلسطينية في قمم ترامب بالرياض.
كان مطلوبا شن عدوان همجي على قطاع غزة للقضاء على حماس وتسليمها للسلطة وتمرير حل دولة الفلسطينيين في سيناء،وكان مطلوبا قطع دابر قناة الجزيرة كي لا تقوم بتغطية العدوان على غزة ،ولا تستضيف معارضين سعوديين على وجه الخصوص عند بدء السعودية خطوات التطبيع مع مستدمرة إسرائيل ،وكذلك فقد كان مخططا بدء الهجوم الرباعي الأمريكي الإسرائيلي السعودي الإماراتي على غزة في شهر تموز الماضي ،وقد وصلت أسراب الطائرات الإماراتية والسعودية إلى المطارات الإسرائيلي مع وصول المدمرة الأمريكية 'جورج بوش'إلى حيفا وعلى متنها خمسة آلاف مارينز أمريكي.
لم يدر بخلد المخططين في السعودية والإمارات أن تصمد دولة قطر أمام أحقادهم ،وتحول حصارها إلى حصار للدول المحاصرة ،ويقيني أن هذه اللعبة لا يتقنها إلا ذكي،وقد سجلت القيادة القطرية ذكاء كبيرا في إدارتها للأزمة ،ونجحت بتحويل الحصار إلى محطة للإنطلاق سريعا في المجتمع الدولي، والبناء على ما تم التأسيس عليه من علاقات قوية وصادقة مع المجتمع الدولي ،وها هي أمريكا تتحول إلى مواجهة 'لعب العيال'في الخليج، رغم أنهم نقدوا ترامب نحو نصف تريليون دولار عدا ونقدا ،من أجل الوقوف معهم في المؤامرة الدنيئة ضد قطر .
المراقب لمجريات الأمور يجد أن طريقة قطر في اللعب مبنية على منطق مدروس ،فها هي دول الحصار المدججة بالحقد والحسد تخرج بمطالبات وضيعة فصلت تماما على مقاسها ،ومن بينها تراجع قطر عن إستضافة المونديال المقبل في قطر ،وأيم الله أن هذه الإشارة وحدها كفيلة بأن تكشف نوايا دول الحصار وخاصة السعودية والإمارات ،لأن الشريكين التسي تسي وجزيرة الريتويت لا ثقل جديا لهما لأن التسي تسي عبارة عن جندي للإيجار ويبحث عن الرز،فيما ينظر إلى جزيرة الريتويت على أنها زيادة عدد.
لم تقدم دولة قطر نفسها انها دولة تستطيع شن الحرب على الجيران الذين يحاصرونها ،ليس لعجز منها بطبيعة الحال ،فتحالفاتها العسكرية تتيح لها ذلك ،ولكنها إمتنعت عن التصعيد العسكري حفاظا منها على أمن الخليج وإستقراره مع انها تعرضت لحصار غاشم وفي شهر رمضان ،ولولا حنكة قيادتها وقوة شكيمة أهلها لنجح المحاصرون في خنقها.
بدلا من اللجوء للحسم العسكري المتاح دعت قطر إلى الحل السلمي والحوار ولم تتوانى قيادتها عن حضور قمة الخليج الكويتية فيما غاب المحاصرون ،كما أن القيادة القطرية قدمت رواية صادقة وموثوقة للمجتمع الدولي جعلت منها دولة يشار لها بالبنان ،لأنها بعيدة عن التهور وأصرت على إلتزاماتها القومية وفي المقدمة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحفاظ على عروبة القدس ،وترجمت ذلك بحضور الشيخ تميم قمة القدس في إستانبول في حين تغيب عنها قادة دول الحصار الذين تهودوا بالكامل وأصبحوا بمثابة الحذاء الوسخ الذي ستعبر به مستدمرة إسرائيل المرحلة.
ما نلحظه في السياق أن رموزا دينية تسي تساوية باتت منذ تولي التسي تسي الحكم في المحروسة مصر تروج لمستدمرة إسرائيل وبأحقيتها في فلسطين والقدس ،وآخر بوم تسي تساوي نعق بأن الأقصى يقع في الطائف وليس في القدس ،أما بالنسبة للإمارات فقد تقمصوا دور الصهاينة بشرائهم املاكا وعقارات مقدسية وبيعها للمستدمرين الصهاينة ،بينما نرى ملك الريتويت يتفاخر بعلاقات جزيرته مع مستدمرة إسرائيل ويرسل الوفود البحرينية للتطبيع العلني،في حين أن كبيرتهم التي علمتهم السحر الأسود وهي السعودية تواصل كشف نفسها انها المطبع الأول مع الصهاينة وأن ولي عهرها الدب الداشر زار تل أبيب شخصيا وإلتقى النتن ياهو،وها هي تواصل الضغط على القيادة الفلسطينية للتخلي عن القدس من أجل تسهيل الحل النهائي الذي يفوض السعودية بالتوقيع على بيع فلسطين والقدس ،وها هي أيضا تمارس الضغوط على القيادة الأردنية للتخلي عن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس لتؤول إلى الرياض التي أعلنت نفسها عراب الإستسلام المكشوف للصهاينة.
لا تعلم القيادة السعودية الغائبة والمغيبة عن المنطق أن حصارها لقطر قد إرتد عليها منذ الأيام الأولى ،وأن الجهات الأجنبية التي كانت تتخيل انها تستند عليها باتت تمثل لها خوازيق ممغنطة ومكهربة وستكون نهايتها على أيديها ،وستدرك السعودية يوما أن التصهين ليس سبيل نجاة بل طريق هلاك ستقع فيه إن آجلا او عاجلا.
من يراقب وضع السعودية هذه الأيام يجد أنها في مواقف حرجة لا تحسد عليها ، فهي منقادة لعيال الإمارات الذين يورطون ولي عهرها الدب الداشر رغبة منهم في تدميرها ثأرا منها كما قال سفيرهم العتيبة في واشنطن،وتعمل على عزل نفسها في المحيط السني ،وتقوم بالضغط ومعاداة كل دولة ترفض حصار قطر مثل الأردن والسودان وتونس والجزائر وحتى المغرب ،وتعادي تركيا قائدة العالم السني إرضاء لعيال الإمارات،وتحاول الحشد ضد إيران.
تعمل السعودية من خلال سياستها الغبية على تفكيك مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية كي تخلع نفسها من الخليج وتؤسس مع مستدمرة إسرائيل جامعة بديلة إسمها جامعة الشرق الأوسط الجديدة ،وقد ورطت نفسها في اليمن إنتقاما من نفسها دون ان تدري لما فعلته مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،وهي التي ورطت العراق مع إيران ،وورطت الكويت مع العراق ،وهي التي أسهمت في التفجير السوري وها هي تنسحب بطريقة غبية من دعم الشعب السوري وتتحول إلى دعم أكراد سوريا نكاية بالرئيس التركي أردوغان.
ربما لا تعلم القيادة السعودية الهرمة والشابة أن المخطط المقر للسعودية هو التقسيم وإنتزاع الأماكن المقدسة منها ،وهي لا تعلم أن صراعها مع إيران محسوم سلفا لو أن إيران لعبت معها بنفس الطريقة ،فأذرع إيران الشيعة في الخليج وفي السعودية على وجه الخصوص قادرون على حسم الأمر في ساعة واحدة ،ناهيك عن الحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن.
بقي القول أن قطر إنتصرت على دول الحصار الأربع ،وان التصهين لن ينقذ السعودية والإمارات من المصير المحتوم لهما ،فتهمة الإرهاب الحقيقية ستطال الإمارات والسعودية ،وسنرى ممثلي هاتين الدولتين الفاشلتين قريبا يمثلون أمام المحاكم الدولية بتهمة الإرهاب ،وسيتم تفعيل مشروع 'جاستا'،ومن بعده إلزام السعودية بدفع 100 مليار دولار تعويضات ليهود خيبر منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم،وإلزام دول الخليج الأرخرى والعراق بدفع 300 مليار دولار لصندوق تعويضات اليهود أيضا.
نيسان ـ نشر في 2017-12-24 الساعة 22:05
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية