اتصل بنا
 

لماذا تستغرب بريطانيا من العمليات الإنتحارية؟

كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

نيسان ـ نشر في 2017-12-30 الساعة 19:36

نيسان ـ

هل يحق لنا أن نتساءل عن استغراب بريطانيا العظمى، التي يبدو أنها ستتقلص إلى إنجلترا العظمى بعد خروجها الكامل من الإتحاد الأوروبي وما قد يترتب عن ذلك من تهديد إسكتلندا وربما إيرلندا الشمالية وويلز أيضًا للإنسحاب من بريطانيا لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي، بشأن العمليات الإرهابية التي يقوم بها متطرفون؟

وفِي سياق آخر، نذكرها بمسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، الذي بسبب وعد بلفور الإنجليزي، ما زال يذبح ويسجن ويهجر وتسلب أرضه من قبل العنصرية الفاشية إسرائيل. وندعوها لتأييد حملة الأسرى الفلسطينيين لتحسين أوضاعهم في السجون الإسرائيلية. كما نطالبها بوقف دعم الديكتاتوريات في العالم العربي. والأهم من هذا كله، على المملكة المتحدة أن تعتذر للشعوب العربية وتعوضها بالوقوف إلى جانب قضايا وحركات التحرر الحقيقية في العالم العربي وإن تنهي العبودية والإستعمار والإستعلاء والتدخل البريطاني في الشؤون العربية.

على بريطانيا أن ترقى لمستوى إسمها ولقبها وما تمثله وما يحمله جوازها من قيمٍ ومعانٍ يفترض أن تكون سامية. وبالتأكيد، فإننا سنشعر بالفخر أكثر بالجواز البريطاني، حين تتبنى بريطانيا القضايا العربية الحيوية بكل صدقٍ وجدية وبنية الإنتصار لحرية ووحدة العالم العربي وشعوبه، من البحر إلى المحيط.

من أجل أن تفهم بريطانيا مشكلة الإرهاب، عليها أن تعود إلى ملفاتها السياسية العلنية والسرية إلى أكثر من مائة عام مضى، حين أطلقت حملة سايكس-بيكو التقسيمية والتي أدت إلى استعمار العالم العربي، من بحره إلى محيطه مشاطرة بين باريس ولندن وغيرهم. لقد آن الآوان لبريطانيا وحليفاتها أن يعيدوا النظر في فعلتهم الشنيعة التي دمرت الحلم العربي الكبير بالوحدة وجلبت علينا لعنة التقسيم والتخلف وتولية زعماء عرب علينا، ليسوا أكثر من وجوه للإستعمار. هؤلاء الزعماء طالما تحدثوا العربية بألسنتهم ولكن ليس بقلوبهم ووجدانهم، بحيث أصبح البقاء على الكرسي وسلب خيرات الشعب في ظل تواطؤ ونفاق الدول الديمقراطية المتحررة هو الهدف الأسمى. ولهذا، فبريطانيا مسؤولة، مثلها مثل غيرها من الدول الغربية عن سلب الأموال العربية، التي ينبغي أن تعود للشعب العربي، فلسًا بفلس.

العالم العربي ثري جدًا، ليس فقط بالبترول، بل هو شديد الثراء من جميع النواحي، ويكفينا فخرًا أننا نحن أصل الحضارات ومهد الديانات السماوية ومصدر الثقافات. وعلينا أن نفهم سبب تكالب أكبر دول العالم علينا وبخاصة وأن موقعنا هو الأكثر عمقًا واستراتيجية في العالم، نتوسط آسيا وإفريقيا ونحن الجسر الكبير لأوروبا، الذي لا يمكن تجنبه. مع ذلك، ورغم أن الوطن العربي جنة الله على الأرض، بتنوع مناخاته وطبيعته وجوه المعتدل وتراثه، فقد أصبح معظمنا لاجئين ونازحين ومهاجرين، وتحولت الحياة على أرض الوطن المستلبة كرامته جحيمًا معاشًا على الأرض، بسبب النزاعات والحروب التي أُقحمنا فيها، من قبل الولايات المتحدة وتابعتها التي تلقب بالعظمى (بريطانيا). فيما كانت فرنسا تحاول التقارب مع المواقف العربية، لكي لا تخرج من المولد بلا حُمُّص، بعد إقصائها من قبل الدول الكبرى.

يجب أن يعرف العالم العربي حقيقة كل ما جرى وبخاصة منذ أن بعثت بريطانيا بلورنس العرب إلى جزيرة العرب، التي انطلقت منها الثورة العربية الكبرى آنذاك ضد العثمانيين. من هم الخونة الحقيقيون؟ لماذا خذلت بريطانيا الزعماء العرب؟ لماذا خدعتهم؟ ومن هيأ ظروف الخيانة؟ علينا أن نعي أن إطلاق لقب خائن لا يجب أن يكون بالأمر السهل. علينا أن نفهم ما الذي فعلته بريطانيا لإيقاع الزعماء العرب في الخيانة. وهل كان الزعماء العرب مضطرون لقبول الصفقة خاصة وأنها لم ترضهم؟ هناك أسئلة كبيرة قد تجيبنا عليها ملفات المخابرات البريطانية السرية، لأننا نحتاج أن نعرف الحقيقة الكاملة ولا شيء سوى الحقيقة. وبريطانيا تدان على كل الخيانات أيضًا لأنها لا بد أنها وضعت يدها في المؤامرات ولا بد أنها ابتزت وضغطت وأغوت ورشت ولهذا فهي شريكة في الخيانة وفِي كل الجرائم التي ترتكب ضد الشعوب العربية.

الحقيقة أقولها، لو أننا أمة قوية، لحاربنا بريطانيا في المحاكم في قعر دارها. لكن، أنا أطالبها، فلعل وعسى أن تلبي. وإن لم تلبِّ، فها أنا هنا أسجل موقفًا سياسيًّا عليها. وأقول لبريطانيا . ما أقصده أن أفعالاً جللاً حصلت وتحصل في العالم العربي مثل تحطيم العراق والإبادة الجماعية في سوريا. وعلى بريطانيا، أن تعتذر ثانيةً عن حرب توني بلير ضد حرب العراق التي دمرته تمامًا وأشياء كثيرة أخرى مثل العنصرية المتأصلة في المجتمع البريطاني والمبالغة في مراقبة ومتابعة الشباب العربي على أراضيها. بريطانيا العظمى، أمنحي البؤساء من الشعوب العربية الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة. ونتمنى أن يتلاشى الإرهاب شيئًا فشيئًا. فأنت تستحقين الإحترام والمحبة والولاء في المقابل.

نيسان ـ نشر في 2017-12-30 الساعة 19:36


رأي: سندس القيسي كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

الكلمات الأكثر بحثاً