اتصل بنا
 

حنفية الماء كأحد أسباب تراجعنا

مدير مركز ابن رشد للثقافة العربية في استراليا

نيسان ـ نشر في 2018-01-04 الساعة 16:58

نيسان ـ

بعد الاحتلال البريطاني لمصر، شرعت بريطانيا في إقامة مشاريع عصرية ينفذها مهندسون بريطانيون وشركات بريطانية، وكان منها مد شبكات عمومية لمياه الشرب وللصرف الصحي في المدن. وفي سنة 1884، أصدرت حكومة الاحتلال البريطاني في مصر قانونا يقضي باستبدال أماكن الوضوء في الجوامع الكبيرة بصنابير مربوطة بشبكة الإمداد بمياه الشرب التي بدأت الحكومة في تركيبها.

في البداية حرّم مشايخ المذاهب الشافعية والمالكية والحنبلية بالجامع الأزهر الوضوء بصنبور المياه لأسباب مختلفة، ولم يوافق على ذلك إلّا فقهاء الحنفية. ومن هنا أطلق المصريون على الصنبور كلمة 'الحنفية'، ومن ثم انتشر الاسم 'حنفية' في غالبية البدان العربية..
وفي موريتانيا، دار جدل كبير حول الشاي عندما وصل إليها قبل قرون بين من قال بحرمته ومن قال بحلّيّته، واستغرق الأمر سنوات بين الأخذ والرد إلى أن انتصر الرأي القائل بأنه مشروب حلال، ونذكر ما قاله الشيخ/ محمد بو المهابة بقوله:
هو الخمر إلا أنّ فيه منافعا* * * وليس به إثمٌ كبيرٌ ولا سُكر
وعلى الرغم من ذلك ظل الشاي حكرا- لسبب ما- على الرجال دون النساء لسنوات أخرى تلت..
هاتان القصتان على طرافتهما وغرابتهما إلا أنهما كاشفتان لما قد يكون واحدا من جملة أسباب لعدم قدرة المسلمين المعاصرين على مواكبة غيرهم في إنتاج المعرفة. فالبحث عن تأصيل شرعي لكل ما هو جديد أو مختلف عن طريق عرضه على رجال الدين من شأنه إضاعة الوقت والموارد فيما لا يضيف أية قيمة، فضلا عن أنه (إعطاء الخبز للحداد)، لعدم أهلية رجل الدين في البت فيما يدخل حياتنا من اختراعات وابتكارات ونظريات جديدة، وبالتالي حاجتهم لتشكيل لجان من المختصين، والذين سيمضون أسابيع- وربما أشهر- لصياغة توصيات يرفعونها إلى الهيئات الشرعية، والتي قد تعود وتطلب توضيحات، مع كل ما يصاحب ذلك من هدر للمال والوقت.
وبتتبع قصص بدايات ظهور الاختراعات التي تجتاح المجتمعات الإسلامية حاليا- كالتلفاز والكاميرات والهاتف والإنترنت وغيرها- نجد أن كلها تقريبا وجدت من يحرمها في البداية قبل أن يتراجع ويحلّها- فيما يكشف عن نزعة تحريمية لدى بعض رجال الدين وكأنّ الأصل في الأشياء التحريم وليس الحلّيّة!
إنّ إنتاج المعرفة يتطلب أن نستبدل سؤال 'هل هو حرام أم حلال؟' بـ 'كيف يمكننا أن نصنع مثله؟' فباستثناء الابتكارات التي يرافق ولادتها صخب وجدل لا تخطؤه العين- كالاستنساخ أو ما شابه- فلا حاجة لعرض الابتكارات الجديدة على هيئات شرعية، ولنحسن الظن بالفرد المسلم، ونترك له قرار الحلال والحرام، ولنعطه ما يستحق من حرية

نيسان ـ نشر في 2018-01-04 الساعة 16:58


رأي: يوسف الريماوي مدير مركز ابن رشد للثقافة العربية في استراليا

الكلمات الأكثر بحثاً