اتصل بنا
 

طاولة النرد و لعبة الحكايات والزمن الجميل

أديب أردني

نيسان ـ نشر في 2018-01-18 الساعة 09:04

نيسان ـ

رغم أنّي لعبت ورق الشدّة سنوات طويلة و صرخت في الغلبة وصرخت في الهزيمة ، لكن ' طاولة الزهر ' كانت حصّـتي في المقهى !

تحرّكت حجارة النرد بين أصابعي آلاف المرات ، مثلما تحركت حجارة الطاولة .. و لعبت ندّاً لعديد اللاعبين ، منهم من غادر الدنيا و ترك خلفه ذاكرة و حكايات و قصصاً ومنهم الكثيرون الذين ما زالوا يجوبون البلاد أو اكتفوا بالوحدة والعزلة .
كنّا نتحلّق عند طاولة الزهر ، و كثيرا ما كان اللاعبان لا يفعلان شيئا، سوى نقل الحجارة من خانة إلى أخرى ، فيما كانت قرارات النقل والحركة تخضع لآراء واجتهادات وتنافس المحيطين ، وكانوا ، ينقسمون إلى فريقين في الأغلب الاعم .. فريق لهذا اللاعب وفريق للاّعب المنافس، الخصم !
..
كانت طاولة الزهر في المقاهي الشعبيّة و بخاصة في شارع البسكليتات ، عند ثامر أو عادل أو عند أبي محمود ، تثير الجلبة والفوضى و لكنها تصنع أجواء فرحٍ و حبور و تنافس و أحياناً تخلق حالة من الغضب .
و كنت من أكثر الغاضبين عند الخسارة ، رغم أنني أتمتّع بروح رياضيّة عالية ، ولكن !
..
الشاي والقهوة واليانسون والحلبة و الكركديه و الأراجيل والسجائر ... كانت حاضرة ولم تنقطع في فترات اللعب أو الفرجة !
في الصيف كان الرصيف ملعبنا،
و في الشتاء كانت الأماكن المغلقة تضمّنا !
..
و في قعر فناجين القهوة وكاسات الشاي ، كنّا نقرأ ملامحنا و أوقاتنا و أحوالنا و نتبادل النكات و الضحك و ربما الدموع !
هل ينفع أن نتبادل الدموع ؟
ربّما ، فشراكة الدمع تجعلنا أكثر قرباً من جوّانيّاتنا و مشاعرنا .
..
و في مساحة طاولة الزهر المفتوحة كان تظهر خارطة وخريطة يوميّاتنا ، فالحجارة تتحرك والنرد يتقلّب والأصابع تتفنّن في صنع الحظّ إن استطاعت !
حجارة النرد تجيء بالحظّ وكنا نحاول أن نلعب في المشهد الذي تجلبه الحجارة ،
نلعب ونتحاور في داخل رقعة الحظّ !
..
للخاسر أسبابه التي يسوقها و يرجعها إلى ارتباك النرد و جلبة الحاضرين و انحيازاتهم ،
و للرابح نشوة الانتصار التي يرجعها في الأغلب الأعم إلى مقدرته الفائقة في اللّعب !
هكذا ، نرمي أسباب الخسارة إلى آخرين أو إلى أحوال خارجة عن إرادتنا ، و نزعم أننا نربح لأننا امتلكنا أدوات الربح من دون مشاركة الآخرين !
..
لعبة طاولة الزهر ، أو لعبة النرد ، فيها حكايات كثيرة تنفع للروي وتنفع للتأمّل وتنفع للانتظار .
..
كنت لعبت مع راحلين ، و تبادلنا الهزائم مثلما تبادلنا الانتصارات ... و منهم أستاذة و وجهاء و أصدقاء فقراء مثلي و عاديّون و منهم الراحلون : العم زكي ثلجي حداد والأخ طلال ضابان ( العساف ) و الصديق سعود أبو لمظي و غيرهم .. ولعبت مع آخرين ما يزالون على قيد النبض والحياة والمشاكسة و منهم أحمد الشوابكة و وليم حداد و شقيقه جهاد المشاغب و أخوة من مصر العروبة ( العربي و سيّد حلب و غيرهما ) .
و المقاهي تعددت وتنوّعت ، من مقهى عمر إلى مقهى غرناطة إلى مقهى المحبة إلى مقاهي شارع البسكليتات و أرصفة أخرى عديدة كانت تحتمل شغبنا و تحتفي بنا .
و تبادلنا النكات مع عشرات من اللاعبين والمتفرّجين .
و الاسترجاع هنا عن أحداث رافقت طاولة الزهر والمقاهي منذ عام 1978 و حتى الشهر قبل الأخير من العام 2011 .
..
كنّا نصنع الحكاية والنكتة الطازَجة،
و كنّا نتندّر و نلاحق المهزوم حتى آخر الليل .
و كانت لنا الأوقات والأرصفة و أباريق الشاي والسجائر والأراجيل و المواويل .
..
في الهزيمة كنّا نغنّي بملء أصواتنا ،
و في الغلبة والفوز كنّا نغنّي و نخرج إلى الشارع لنرى انتصاراتنا في وجوه العابرين .
إنها لعبة الحكايات أو حكايات اللعبة .
..
كنا نلعب و كان شايُنا معافىً و خبزنا لا يتوجّع .

نيسان ـ نشر في 2018-01-18 الساعة 09:04


رأي: ماجد شاهين أديب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً