من وعد بلفور إلى وعد ترامب....المصالح تتحدث
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2018-01-18 الساعة 09:09
عند تمحيص ما أقدم عليه وزير خارجية بريطانيا العظمى أواخر العام 1917 بإصداره وعدا أو تصريحا يحمل إسمه ،بخصوص وهب فلسطين وطنا قوميا لليهود ،بعد أن ضمن مندوبه السامي في جزيرة العرب السير بيرسي كوكس موافقة من عثر عليهم في صحراء التيه اليهودي العربية ،ومهد لهم القضاء على الحكام الأصليين للجزيرة ونصّبهم حكاما عليها ،وتمحيص وعد الرئيس الإنجيلي-الماسوني الطرمب ترامب بالإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة أبدية وموحدة لمستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية النووية ،بعد تحالفه مع من نصبهم السير كوكس حكاما على الجزيرة،والذين أغرقوه بمئات المليارات من الدولارات ،لتكون بداية الإنهيار على أيدي أجدادهم ،ونهايته على أيديهم ،ولكن الله قال 'ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين'،نجد أن ما قام به الرجلان لم يكن من فراغ ،أو حبا بالصهاينة وكراهية بالفلسطينيين والعرب.
بدأت القصة عام 1905 عندما إكتشفت بريطانيا النفط في جزيرة العرب ،وأرادت الإستحواذ عليه مع الغرب بطبيعة الحال ،فعمد رئيس وزرائها الداهية كامبل بنرمان ، بتوجيه دعوة سرية لممثلي الدول الغربية الإستعمارية آنذاك مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا وهولندابإسم حزب المحافظين البريطانيين ،لعقد مؤتمر يبحث مستقبل المنطقة العربية ووضع قيود عليها لأطول فترة ممكنة لضمان سيطرة الغرب على ثرواتها الطبيعية،ولأول مرة في التاريخ يستمر مؤتمر منعقدا على مدى سنتين كاملتين ،وخرج المؤتمرون بوثيقة كامبل 'السرية'.
لم يترك ممثلو تلك الدول الإستعمارية شاردة أو واردة تطبق الخناق على الأمة العربية ،إلا وجعلوا منها بندا معتبرا يساعدهم على تحقيق أهدافهم الإستعمارية ،ولم تسلم دول العالم الثالث من شرور أولئك المستعمرين ،ولكن ذلك لا يهمنا الآن ،لأن تركيزنا منصب على المنطقة العربية ،فقد قرروا من ضمن قراراتهم السوداء زرع جسم غريب في المنطقة ،يشغلها ويمنع وحدتها ويكون فاصلا بين آسيا وإفريقيا ،ناهيك عن التركيز على عدم السماح للأمة بالنهوض أو التعليم أو الإبتكار أو التطور حتى تبقى في قبضتهم ،وتمكن بعد ذلك مبعوث بريطانيا السامي لجزيرة العرب السير بيرسي كوكس من وضع النقاط على الحروف في جزيرة العرب بعد عثوره على بقايا التيه اليهودي في صحراء العرب ،تأسيسا لتصريح أو وعد بلفور.
ربما يسأل سائل :لماذا أصدر بلفور وعده أوتصريحه المشؤوم؟والجواب على ذلك ،أن ما إرتكبه بلفور من جريمة نكراء لم يكن حبا بريطانيا خالصا للصهاينة او كرها مقيتا بالفلسطنيين أو العرب ،بل كان مصلحة بريطانية خالصة تهدف إلى التخلص من اليهود الفاسدين المفسدين الذين شوهوا معالم المجتمع البريطاني بفسادهم آنذاك ،ورغبة ملحة في إقامة مملكة مسيحية إنجليزية خالصةتخلو من يهود،وهذا ما جعل بلفور ينفذ البند الخاص في وثيقة كامبل السرية والقاضي بزرع كيان غريب في قلب الوطن العربي فلسطين ذات الجغرافيا الخصوصية.
لكن المفاجأة الكبرى أن الرئيس الأمريكي هاري ترومان رفض الموافقة على يهودية الدولة ،وشطب النص الدال على ذلك وكتب بخط يده:'دولة إسرائيل'،وبقيت الأمور على حالها إلى ان جاء ترامب وأعلن إعترافه رسميا بالقدس المحتلة عاصمة لمستدمرة إسرائيل ،وقراره نقل السفارة الأمريكية من تل الربيع 'تل أبيب'إلى القدس المحتلة ،لكنه إضطر تحت الضغوط إلى تجميد قرار نقل السفارة ،ولم يكن ترامب ليجرؤ على تلك الحماقة لولا تحالفه مع أحفاد التيه اليهودي في صحراء العرب ،المنغمسين أصلا ومنذ العام 1915 في المشروع الصهيوني عندما كانت مستدمرة إسرائيل فكرة صهيونية على الورق..
معروف أن ترامب لم يكن على علاقة طيبة مع اليهود ،وهذا ما أبلغه لمركز الضغط اليهودي في واشنطن 'الإيباك'،الذي أبلغهم أنه لا يحبهم وليس بحاجة إلى أصواتهم وأموالهم،ولكن السؤال المطروح:لماذا جازف ترامب بسمعته وبمصالح بلاده أمريكا؟ الجواب على ذلك بسيط لمن تابع مسيرة ترامب الفاشلة في البيت الأبيض على مدى نحو عام ،فقد إستحق الرجل جائزة 'جينيتس'للأرقام القياسية ،لسياساته الداخلية والخارجية الفاشلة التي جلبت العار والشنار على أمريكا ،ناهيك عن تصرفاته المشينة بحق النساء والإعلام والجيران والأفارقة والمسلمين ،وممارساته الغريبة مع كبار مسؤولي البيت الأبيض الذين عينهم مساعدين ومستشارين له ،لكنهم لم يطيقوا التعامل مع رجل مهزوز ومجنون ،لا يعرف من السياسة حتى ألف بائها ،فإستقالوا ومنهم بطبيعة الحال السيد وولف الذي ألف كتابا ونشره قبل أيام بعنوان 'النار والغضب ،وشكل صفعة قوية لترامب ،وقعها أشد ألما من وقع صفعة القرن .
يقول العارفون ببواطن الأمور أن ترامب وقع تحت ضغوط أربعة هائلة وهي فشله المتراكم في البيت الأبيض ،وفضائحة التي زكمت الأنوف وفي مقدمتها تدخل موسكو في الإنتخابات الأمريكية لصالحه وتأمين فوزه عن طريق القرصنة الإليكترونية،وتحالفه مع البترو دولار العربي السائب ،والأقوى بطبيعة الحال ضغط مستشاره اليهودي جاريد كوشنير وزوج إبنته إيفانكا المتهودة عليه ،وتقديم النصح له بأن من يمسك بحبل نجاته مما ينتظره في البيت الأبيض هم الصهاينة ،وبسبب إقتراب لحظةالحسم والحديث الجدي عن الخيارات المتاحة أمام الأمريكيين تجاهة مثل :إما إجباره على الإستقالة أو قتله لإنهاء فترة حكمه ،فقد قرر إبتلاع السم واللجوء للصهاينة ،وهذا ما جرى ولا أدافع عنه بطبيعة الحال ،ولكن لولا وجود من أعانه من بيننا وزيّن لهسوء فعله وتحالف معه ومع كوشنير وقوله لهم أنه يقبل ان يكون رسغا في أيديهم ، لما تجرأ على فعلته النكراء.
نيسان ـ نشر في 2018-01-18 الساعة 09:09
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية