تركيا على طريق النهضة والريادة
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2018-01-20 الساعة 13:34
أسعد العزوني
الزائر لتركيا هذه الأيام يخرج بنتيجةواحدة مدعّمة بالمنطق الملوس،أن هذا البلد انجز نهضة ووصل إلى الريادة ،بقرار ذاتي :نحن مع أنفسنا ومع إخوتنا نكبر وننهض،وبطبيعة الحال فإن أول خطوة إتبعتها القيادة التركية الجديدة التي حلت محل الحكم العسكري بإنتخابات ديمقراطية ،هي تطهير مؤسسات البلاد من الفساد ،والإنطلاق نحو البناء .
معادلة بسيطة في حال توافرت النوايا السليمة للتطهير على طريق التطوير ،وهذا ما جعل تركيا تقفز قفزات محسوبة ليس في الفضاء بل على الأرض مسلحة بإخلاص القيادة وتعاون الشعب وفق منظور سليم أن الدين لله والوطن للجميع ،فلا حجر على هذه الفئة ولا تضييق على تلك ، وهذا ما جعل مداميك البناء تعلو يوما بعد يوم لتؤسس بناءا يعمر لأجيال مقبلة ،ولا ينهار عند او 'شتوة'ربما تكون خفيفة كما هو الحال في بلدان أخرى .
أسهم التطهير من الفساد بنهضة إقتصادية رافقها توجه سياسي لم تمهله هزّات الإقليم التي أعاقت التقدم السياسي وحتى الإقتصادي التركي بعض الشيء ،وكانت سياسة تركيا الجديدة 'صفر مشاكل'،تحصينا لها وللإقليم من النهايات السوداء ،ولكن المتربصين بنا عربا ومسلمين كانوا أكثر حركة منا وقدرة على تفجير الواقع الإقليمي وبالتحديد الواقع العربي المهلهل أصلا ،لإنعدام الديمقراطية والحوار فيه ،وإرتكازه على الولاء والإنتماء المزيفين ،وهذا ما يفسر إنقلاب المزاج العام من 'منحبك'إلى 'إرحل'،كما حدث في سوريا على سبيل المثال.
عندما تكون المسيرة خالية من الفساد فإن مراحلها تبشر بكل الخير ،وهذا ما ساعد تركيا التي كانت مديونة وعلى شفا حفرة من الإنهيار قبيل إستلام الحكم الجديد للحكم ،لتصبح دولة ناهضة متطورة ،ولها حيز إقتصادي مشهود له في الإقليم الواسع،كما ان هذه الحضور الإقتصادي فسح المجال لها للتواجد السياسي ،وهذا ما نقصده بالريادة.
كانت القيادة التركية تتصدى علنا لكل الأزمات التي تهدد مصيرنا عربا ومسلمين ،وقد سمعنا الصوت التركي عاليا بالرغم من بعض المشاكل التي تواجه تركيا ،وأهمها بل أقواها العلاقة الموروثة مع مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيوينة الإرهابية ،ومع ذلك فإن الرئيس أردوغان بعث برسالة متلفزة للعالم وصنف الممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بالإرهابية ،عندما خاطب الثعلب الماكر شيمون بيريز في مؤتمر دافوس الإقتصادي وإنسحب من الجلسة ،علما أن أمين علم جامعة الدول العربية عمرو موسى آنذاك كان موجودا ولم يفعل شيئا مساندا سوى انه وقف لوداعه ،مرتكبا بذلك عيبا كبيرا يورث العار لنسله حتى يو م القيامة.
وآخر مظاهر تركيا الريادية وقوفها إلى جانب قطر المحاصرة من قبل أشقائها عربا وخليجيين ،وبذلك عبّرت تركيا في ذلك الموقف عن هويتها الإسلامية الحقة ،الرافضة للظلم والعجرفة والتعنت ،وأبت إلا أن تقف مع المظلوم ضد الظالم رغم جبروت ووضع ذلك الظالم ،فالمباديء لا تجزأ.
الإخلاص أصبح سمة الموظف التركي وقد لمست ذلك ليس في ردهات المؤسسات الرسمية فقط ،بل في الشارع العام حيث عمال البلدية الذين يعملون بجد وإتقان كشركاء وليس كموظفين ،وهذا ما جعل الشوارع في المدن التركية تبدو وكأنها حدائق غناء ،وهي بالفعل إمتداد للحدائق الغناء التي تزخر بها المدن التركية ،وقد إقترنت النظافة بالبهجة في تلك الشوارع بسبب زراعة الورود والأزهار على جانبي الطرق ،حتى انهم حولوا الجسور إلى حدائق غناء تريح نظر ونفسية المارة .
قبل أيام شرفت بالمشاركة في مؤتمر نظمته جامعة نجم الدين أربكان في قونيا بالأناضول بعنوان 'تركيا والقضية الفلسطينية '،وكان لي شرف تقديم ورقة عن التطبيع بعنوان 'التطبيع شريان حياة لمستدمرة إسرائيل'،وحقيقة أن تركيا وهي تعقد مثل هكذا مؤتمر على أراضيها ،تسجل نقاطا كثيرة ،خاصة وان هناك دولا عربية تشكل مرجعيات قومية ودينية سقطت في جرم التطبيع مع مستدمرة إسرائيل.
قد يقول قائل ان تركيا ما تزال ترتبط بعلاقات مع مستدمرة إسرائيل ،وهذا صحيح فالإرث صعب والإختراق الإسرائيلي لتركيا بات أفقيا وعاموديا بسبب العلاقة الخاصة بين حكم العسكر المندثر في تركيا وبين مستدمرة إسرائيل ،لكننا نستبشر خيرا في العام 2023 حيث مئوية معاهدة لوزان وما نتوقعه من تركيا في ذلك العام حيث ستتحرر من القيود المفروضة عليها في تلك المعاهدة.
بقي أن نقول ان هناك مشكلة نواجهها عند زيارتنا لتركيا وهي مشكلة اللغة ،فلا نحن نتحدث التركية ولا هم يتحدثون العربية او يقبلون بالتحدث معنا بالإنجليزية ،وهذا يسبب لنا بعض المشاكل في التنقل والتسوق وحتى الإحتكاك.
نيسان ـ نشر في 2018-01-20 الساعة 13:34
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية