توزيع الغاز العالمي- تنافس أم تشاركية؟
نيسان ـ نشر في 2023-03-08 الساعة 10:41
نيسان ـ بدأ الصراع العالمي على مصادر الطاقة الأحفورية منذ القرن الماضي، وكان صراعاً نفطياً بامتياز لينتقل إلى الصراع على الغاز مع بداية القرن الحالي، لمواكبة الإستراتيجية الهادفة إلى التخفيف من الانبعاثات الكربونية، والتي دفعت الكثير من الدول للتحول من النفط إلى الغاز للاستخدام في قطاع الصناعة ولتوليد الطاقة الكهربائية، تمهيدا للانتقال إلى الطاقة النظيفة.
تسارعت الاكتشافات الغازية في العالم خلال العقدين الأخيرين وتبدلت مواقع الدول المنتجة والمستهلكة له. الولايات المتحدة الأميركية تحتل المرتبة الأولى في الإنتاج والاستهلاك (حسب تقرير (Statista، إلا أن الصين مرشحة وبقوة لتكون الأكثر استهلاكا في العالم خلال هذا العقد.
روسيا حلت بالمرتبة الثانية بالإنتاج على الرغم من أنها تملك أكبر احتياطي عالمي. ثلاث دول عربية جاءت من بين الدول العشر الأكثر إنتاجا للغاز (قطر والسعودية والجزائر)، وبقدرة إنتاجية تقارب 395 مليار متر مكعب. كما أن مصر مرشحة لإزاحة الجزائر عن الموقع العاشر بعد اكتشاف حقل ظهر فيها، وتقدر احتياطاتها بحوالي 200 تريليون متر مكعب مرشحة للزيادة.
النرويج الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتوفر فيها الاحتياطيات وتحتل المرتبة التاسعة بين الدول المنتجة للغاز. الدول الأوروبية الأخرى اعتمدت على الغاز الروسي المنقول إليها بالأنابيب، الأمر الذي خلق أزمة في نقص الغاز لديها بعد اندلاع النزاع الروسي الأوكراني، نتج عنه واقع جيوسياسي جديد، أدى إلى أزمة اقتصادية وزيادة في التضخم. الأمر الذي فرض بناء إستراتيجية سريعة لتنويع المصادر وتخفيض الاستهلاك البالغ حوالي 412 مليار متر مكعب، والبحث عن المصدر الآمن سياساً واقتصادياً أكثر منه عمن يمتلك المصدر.
التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج في دول الاتحاد الاوروبي الصناعية، أضعف منافسة منتجاتها الصناعية في الأسواق العالمية وخاصة أمام الصين التي تلقت أفضلية في التعامل من قبل روسيا. الأمر الذي أدى إلى تحديد سقف لأسعار مستوردات الطاقة الروسية، مما أقلق الدول المنتجة خوفا من أن يشملها القرار في مرحلة ما.
إن مقاطعة الغاز الروسي، دفع بعض الدول لأن تطرح نفسها بديلاً لتوصيل الغاز لأوروبا المتعطشة، منها تركيا ومصر وإيطاليا وفرنسا والجزائر.
تركيا دخلت المنافسة لتكون مصدراً لتوزيع الغاز للدول الأوروبية مسلحة بمقترح الرئيس الروسي وتوفر خطوط الامداد الروسية (ترك ستريم) وإلايرانية وبعض دول حوض بحر قزوين، كما ان تركيا تستعد للاحتفال بالإنتاج من حقلها المكتشف في البحر الأسود وباحتياطيات قدرت بـ 710 مليارات متر مكعب، وبالتزامن مع احتفالاتها بمئوية الدولة. إن الإستراتيجية الجديدة لتركيا في المنطقة والعالم والتي تضمنت تقبل فكرة انتقال مراكز الاقتصاد من الغرب إلى الشرق، الأمر الذي دفعها للتواجد عسكرياً في شرق المتوسط وشمال أفريقيا للتنقيب عن الغاز.
تركيا قد تلجأ ايضاً لاستخدام ورقة السويد الراغبة بالانضمام إلى الناتو لانتزاع الموافقة الأميركية والأوروبية لاعتمادها مركزاً لتوزيع الغاز، ولتحقيق هدف ترسيم حدودها مع اليونان وقبرص، وخاصة إذا ما توصلت لاتفاق مع إسرائيل العضو في منتدى غاز شرق المتوسط. على الرغم من النجاحات التي حققتها تركيا كمركز عالمي للنقل الجوي، إلا أن تأهيلها لتصبح مركزا لتوزيع الغاز يتطلب طرح الأسئلة التالية: هل تركيا قادرة على إعداد البنية التحتية اللازمة لذلك وتجاوز العقوبات التي قد تفرض على شركات البناء للحد من تصدير الغاز الروسي؟ وهل هي قادرة على الاستمرار في لعبة الطاقة باحترافية في ظل مشاكلها الاقتصادية والتي تفاقمت بعد الزلازل المدمرة التي ضربتها مؤخراً؟ وهل تركيا قادرة على تجاوز دول المنتدى؟.
إيطاليا الطامحة دخلت بقوة طارحة نفسها كبديل لملء الفراغ الفرنسي في افريقيا وخاصة الشمال منه ومحاولة الحصول على الدعم الأوروبي لها لمحاصرة التوسع الروسي والصيني في شمال افريقيا، مستغلة عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط وقوة شركتها ايني صاحبة الاكتشافات المتلاحقة لحقول الغاز في شرق المتوسط ومنها حقل ظهر المصري وفي ليبيا وشرائها لحصة برتش بتروليوم البريطانية في حقول شرق الجزائر، وهي الأقل حدة في انتقاد روسيا خوفاً على مصالحها.
إيطاليا مؤهلة وبقوة لتصبح مركزاً لتوزيع الغاز لدول وسط وشمال أوروبا لوجود البنية التحتية لديها وخطوط الإمداد التي تربطها بالجزائر وتعمل على تنفيذ خط غالسي ليس لنقل الغاز فقط بل لنقل الهيدروجين الأخضر والأمونيا.
الجزائر والتي استطاعت تحقيق اختراق كبير على الساحة العالمية نتيجة لسياستها الذكية المبنية على استغلال التحولات الدولية معلنة عن مجموعة من الاتفاقيات مع إيطاليا ومجموعة من الدول الافريقية لتنفيذ الخط العابر للصحراء وبطول 4000 كم، وعن تخصيص مبلغ مليار دولار في القمة الافريقية الأخيرة للاستثمار في أفريقيا لتحييد منافسيها من دول غرب القارة، يضاف إليها العلاقات المتوازنة والمميزة مع روسيا، يؤهلها لتكون مركزاً للتوزيع العالمي لمعظم الدول الأفريقية والمزود لأوروبا من خلال إيطاليا. إن الدعم الروسي للجزائر لتصبح مركزا لشمال أفريقيا، يجعل من فرنسا صاحبة القوة العسكرية الأكبر في حوض المتوسط خارج المنافسة.
مصر صاحبة الاكتشافات الغازية الأكبر حتى تاريخه وتقدر احتياطاتها بحوالي 200 تريليون متر مكعب ومؤهلة لمزيد من الاكتشافات ولديها البنية لتحتية لتسيل الغاز وعضو منتدى غاز شرق المتوسط مؤهلة ايضاً لتصبح مركزا عالمياً لتوزيع الغاز المسال وخاصة إذا استطاعت للتوصل إلى اتفاق نهائي لنقل الغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية إليها.
الأردن العضو في منتدى غاز شرق المتوسط مع كل من مصر وإيطاليا وإسرائيل واليونان وقبرص، وهو التجمع الاقتصادي الذي يحمل أبعادا جيوسياسية أيضاً، يعاني اقتصاده بسبب افتقاره لموارد الطاقة وتفاقمت أزمته الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة بسبب عدم استقرار الأسعار في الأسواق العالمية وانقطاعات الغاز المصري المتكررة الأمر الذي هدد أمن الطاقة لديه، وأثر بقوة على تكلفة توليد الطاقة الكهربائية وأدى إلى رفع مديونية شركة توليد الكهرباء لمستوى قياسي.
إن وجود الأردن في عضوية المنتدى قد يكون سهل على شركات الكهرباء الأردنية والبوتاس والبرومين الوصول إلى اتفاقيات للتزود بالغاز من خلال شركة نوبل انيرجي الشريك الإستراتيجي في حقول في شرق المتوسط وبكميات تصل إلى 45 مليار متر مكعب ولمدة 15 سنة. إن هذه الاتفاقيات ربطت سعر الوحدة الحرارية مع سعر النفط، الذي ارتفعت أسعاره بشكل طفيف مقارنة بارتفاع في أسعار الغاز العالمية والتي وصلت إلى 30 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وهنا يمكن التساؤل عن مدى استفادة الشركات لأردنية من هذه الاتفاقية في ظل القفزات في أسعار الغاز العالمية خلال العام الماضي، وهل نحن قادرون على استغلال الوقت لتحويل المخاطر والتهديدات الى فرص ومنها إعادة هيكلة قطاع الطاقة والعمل على تطوير مصادر الطاقة النظيفة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية للاستثمار فيه والوصول الى مستوى معقول لأمن الطاقة الأردني الذي يحميه من الضغوطات المستقبلية.
تسارعت الاكتشافات الغازية في العالم خلال العقدين الأخيرين وتبدلت مواقع الدول المنتجة والمستهلكة له. الولايات المتحدة الأميركية تحتل المرتبة الأولى في الإنتاج والاستهلاك (حسب تقرير (Statista، إلا أن الصين مرشحة وبقوة لتكون الأكثر استهلاكا في العالم خلال هذا العقد.
روسيا حلت بالمرتبة الثانية بالإنتاج على الرغم من أنها تملك أكبر احتياطي عالمي. ثلاث دول عربية جاءت من بين الدول العشر الأكثر إنتاجا للغاز (قطر والسعودية والجزائر)، وبقدرة إنتاجية تقارب 395 مليار متر مكعب. كما أن مصر مرشحة لإزاحة الجزائر عن الموقع العاشر بعد اكتشاف حقل ظهر فيها، وتقدر احتياطاتها بحوالي 200 تريليون متر مكعب مرشحة للزيادة.
النرويج الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتوفر فيها الاحتياطيات وتحتل المرتبة التاسعة بين الدول المنتجة للغاز. الدول الأوروبية الأخرى اعتمدت على الغاز الروسي المنقول إليها بالأنابيب، الأمر الذي خلق أزمة في نقص الغاز لديها بعد اندلاع النزاع الروسي الأوكراني، نتج عنه واقع جيوسياسي جديد، أدى إلى أزمة اقتصادية وزيادة في التضخم. الأمر الذي فرض بناء إستراتيجية سريعة لتنويع المصادر وتخفيض الاستهلاك البالغ حوالي 412 مليار متر مكعب، والبحث عن المصدر الآمن سياساً واقتصادياً أكثر منه عمن يمتلك المصدر.
التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج في دول الاتحاد الاوروبي الصناعية، أضعف منافسة منتجاتها الصناعية في الأسواق العالمية وخاصة أمام الصين التي تلقت أفضلية في التعامل من قبل روسيا. الأمر الذي أدى إلى تحديد سقف لأسعار مستوردات الطاقة الروسية، مما أقلق الدول المنتجة خوفا من أن يشملها القرار في مرحلة ما.
إن مقاطعة الغاز الروسي، دفع بعض الدول لأن تطرح نفسها بديلاً لتوصيل الغاز لأوروبا المتعطشة، منها تركيا ومصر وإيطاليا وفرنسا والجزائر.
تركيا دخلت المنافسة لتكون مصدراً لتوزيع الغاز للدول الأوروبية مسلحة بمقترح الرئيس الروسي وتوفر خطوط الامداد الروسية (ترك ستريم) وإلايرانية وبعض دول حوض بحر قزوين، كما ان تركيا تستعد للاحتفال بالإنتاج من حقلها المكتشف في البحر الأسود وباحتياطيات قدرت بـ 710 مليارات متر مكعب، وبالتزامن مع احتفالاتها بمئوية الدولة. إن الإستراتيجية الجديدة لتركيا في المنطقة والعالم والتي تضمنت تقبل فكرة انتقال مراكز الاقتصاد من الغرب إلى الشرق، الأمر الذي دفعها للتواجد عسكرياً في شرق المتوسط وشمال أفريقيا للتنقيب عن الغاز.
تركيا قد تلجأ ايضاً لاستخدام ورقة السويد الراغبة بالانضمام إلى الناتو لانتزاع الموافقة الأميركية والأوروبية لاعتمادها مركزاً لتوزيع الغاز، ولتحقيق هدف ترسيم حدودها مع اليونان وقبرص، وخاصة إذا ما توصلت لاتفاق مع إسرائيل العضو في منتدى غاز شرق المتوسط. على الرغم من النجاحات التي حققتها تركيا كمركز عالمي للنقل الجوي، إلا أن تأهيلها لتصبح مركزا لتوزيع الغاز يتطلب طرح الأسئلة التالية: هل تركيا قادرة على إعداد البنية التحتية اللازمة لذلك وتجاوز العقوبات التي قد تفرض على شركات البناء للحد من تصدير الغاز الروسي؟ وهل هي قادرة على الاستمرار في لعبة الطاقة باحترافية في ظل مشاكلها الاقتصادية والتي تفاقمت بعد الزلازل المدمرة التي ضربتها مؤخراً؟ وهل تركيا قادرة على تجاوز دول المنتدى؟.
إيطاليا الطامحة دخلت بقوة طارحة نفسها كبديل لملء الفراغ الفرنسي في افريقيا وخاصة الشمال منه ومحاولة الحصول على الدعم الأوروبي لها لمحاصرة التوسع الروسي والصيني في شمال افريقيا، مستغلة عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط وقوة شركتها ايني صاحبة الاكتشافات المتلاحقة لحقول الغاز في شرق المتوسط ومنها حقل ظهر المصري وفي ليبيا وشرائها لحصة برتش بتروليوم البريطانية في حقول شرق الجزائر، وهي الأقل حدة في انتقاد روسيا خوفاً على مصالحها.
إيطاليا مؤهلة وبقوة لتصبح مركزاً لتوزيع الغاز لدول وسط وشمال أوروبا لوجود البنية التحتية لديها وخطوط الإمداد التي تربطها بالجزائر وتعمل على تنفيذ خط غالسي ليس لنقل الغاز فقط بل لنقل الهيدروجين الأخضر والأمونيا.
الجزائر والتي استطاعت تحقيق اختراق كبير على الساحة العالمية نتيجة لسياستها الذكية المبنية على استغلال التحولات الدولية معلنة عن مجموعة من الاتفاقيات مع إيطاليا ومجموعة من الدول الافريقية لتنفيذ الخط العابر للصحراء وبطول 4000 كم، وعن تخصيص مبلغ مليار دولار في القمة الافريقية الأخيرة للاستثمار في أفريقيا لتحييد منافسيها من دول غرب القارة، يضاف إليها العلاقات المتوازنة والمميزة مع روسيا، يؤهلها لتكون مركزاً للتوزيع العالمي لمعظم الدول الأفريقية والمزود لأوروبا من خلال إيطاليا. إن الدعم الروسي للجزائر لتصبح مركزا لشمال أفريقيا، يجعل من فرنسا صاحبة القوة العسكرية الأكبر في حوض المتوسط خارج المنافسة.
مصر صاحبة الاكتشافات الغازية الأكبر حتى تاريخه وتقدر احتياطاتها بحوالي 200 تريليون متر مكعب ومؤهلة لمزيد من الاكتشافات ولديها البنية لتحتية لتسيل الغاز وعضو منتدى غاز شرق المتوسط مؤهلة ايضاً لتصبح مركزا عالمياً لتوزيع الغاز المسال وخاصة إذا استطاعت للتوصل إلى اتفاق نهائي لنقل الغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية إليها.
الأردن العضو في منتدى غاز شرق المتوسط مع كل من مصر وإيطاليا وإسرائيل واليونان وقبرص، وهو التجمع الاقتصادي الذي يحمل أبعادا جيوسياسية أيضاً، يعاني اقتصاده بسبب افتقاره لموارد الطاقة وتفاقمت أزمته الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة بسبب عدم استقرار الأسعار في الأسواق العالمية وانقطاعات الغاز المصري المتكررة الأمر الذي هدد أمن الطاقة لديه، وأثر بقوة على تكلفة توليد الطاقة الكهربائية وأدى إلى رفع مديونية شركة توليد الكهرباء لمستوى قياسي.
إن وجود الأردن في عضوية المنتدى قد يكون سهل على شركات الكهرباء الأردنية والبوتاس والبرومين الوصول إلى اتفاقيات للتزود بالغاز من خلال شركة نوبل انيرجي الشريك الإستراتيجي في حقول في شرق المتوسط وبكميات تصل إلى 45 مليار متر مكعب ولمدة 15 سنة. إن هذه الاتفاقيات ربطت سعر الوحدة الحرارية مع سعر النفط، الذي ارتفعت أسعاره بشكل طفيف مقارنة بارتفاع في أسعار الغاز العالمية والتي وصلت إلى 30 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وهنا يمكن التساؤل عن مدى استفادة الشركات لأردنية من هذه الاتفاقية في ظل القفزات في أسعار الغاز العالمية خلال العام الماضي، وهل نحن قادرون على استغلال الوقت لتحويل المخاطر والتهديدات الى فرص ومنها إعادة هيكلة قطاع الطاقة والعمل على تطوير مصادر الطاقة النظيفة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية للاستثمار فيه والوصول الى مستوى معقول لأمن الطاقة الأردني الذي يحميه من الضغوطات المستقبلية.
نيسان ـ نشر في 2023-03-08 الساعة 10:41
رأي: د. عبدالله سرور الزعبي