اتصل بنا
 

سوق الماركات المزيّفة لا تعرف أزمــة!

نيسان ـ نشر في 2015-11-10 الساعة 14:03

x
نيسان ـ

اقترنت الطفرة التي تشهدها المبادلات الدولية بازدهار تجارة البضائع المزيّفة، وهو ما يزيد الضغط على الدول المصدرة ومن ضمنها سويسرا. في المقابل، تظلّ الإتفاقيات الدولية والتدابير القانونية المتاحة لمكافحة هذه الظاهرة، لحد الآن، غير كافية.

"عندما نعثر داخل الشّنط على بضائع مقلّدة، فغالبا ما يصرّح أصحابها بأنهم لا يعرفون بأن تلك المنتجات مقلدة، ومثل هذا التصرف معتاد وليس في حالة التزوير فقط"، يشير ميروسلاف ريتشارد، نائب مدير الجمارك في مطار زيورخ كلوتن، وأضاف: "عندما نتحدث مع هؤلاء الأشخاص ونطلب منهم بعض التفسيرات كأن يكشفوا لنا من أين اشتروا تلك المنتجات، يعترف العديد منهم بأنهم تصوّروا ألا تكون أصلية، وهناك من يُقرّ بكل بساطة أنه حاول الافلات ولكنه وقع في الفخ".

في كل عام، تُسجّل مصلحة الجمارك في سويسرا ما بين 2000 إلى 3000 انتهاكا لقانون حماية العلامات التجارية على مستوى الحركة السياحية فقط، ويشهد مطار زيورخ كلوتن معظم هذه الحالات بوصفه المنصّة الرئيسية لحركة نقل الركاب في البلاد، خصوصا في مواسم العطل الصيفية والخريفية، وفي شهر أكتوبر بالذات، حيث تصل عودة السياح من بلدان بعيدة ذروتها، وتُكثّف إدارة جمارك المطار من جهود الرقابة.

في السياق، يؤكّد ميروسلاف ريتشارد بأن "الجمارك السويسرية مسؤولة عن تطبيق نحو 150 قانونا، منها: حماية العلامات التجارية وكذلك التصاميم الخاصة والأصناف النادرة والتراث الثقافي ونحوها. ولكي تكون المهمة ناجعة، فنحن لا ننتظر مجرد لحظة وصول القادمين إلى سويسرا للقيام بعمليات تفتيش عفويّة، وإنّما نقوم بشكل عام برقابة مُوجّهة، استنادا إلى دلالات الخطر، نظرا لكوننا نعرف، إلى حد ما، ما هي السلع المُقلّدة، ومن أي البلاد تأتي، وفي أي المواسم".

الملاحقة القانونية

بالنسبة لكثير من السياح، قد تجلب العودة من السفر له ربحا، ولكن من تُضبَط معه سلعة مقلدة، عليه أن يتنازل عنها، وتتم مصادرتها ومن ثم تدميرها، وفي بعض الأحوال، يستوجب على مصلحة الجمارك أن تقوم أيضا بإخطار مُصنّعي المنتجات ذات العلامة التجارية الذين قدّموا طلبات مساعدة لحماية منتجاتهم، وفي هذه الحالة، قد يخاطر المشتري بتقديم شكوى ضده وملاحقته قانونيا من قبل الشركة المصنعة.

"نقوم بالإخطار بناء على الطلب المقدّم من الجهة المعنيّة، والتي غالبا ما تكون شركات مصنّعة لمُنتَجات راقية مثل الساعات والملابس وحقائب اليد وغيرها من الكماليات، وفي بعض الأحيان، قد يُطلب منا الإخطار لمجرد ضبط قطعة مزوّرة واحدة فقط، وربما لعدد معيّن، وربما إذا بلغت المضبوطات قيمة معينة، وهناك من لا يطلبه إلا إذا كانت استيرادا لأغراض تجارية"، وفق قول ميروسلاف ريتشارد.

في واقع الأمر، لا تتسم المهمة بالبساطة، لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار أن من المنتجات المُقلّدة ما قد يكون مطابقا تماما للأصل، من حيث المُنتَج وحتى التعبئة أو التغليف، ولكي تتمكّن شرطة الجمارك من القيام بعملها، فإنها تعتمد على التعليمات المرسلة إليها من قبل الشركات المصنعة، بشأن المنتجات الأصلية، وكذلك المزورة والتي قد تختلف تبعا للبلد القادمة منها، ومن الفوارق، على سبيل المثال، شكل الأزرار أو النّمرة وموضعها وطريقة خياطتها أو كيفية تثبيتها على الملابس.

الجريمة المنظمة

مع تسارع وتيرة التجارة الدولية للسلع والخدمات، فإن ظاهرة تزوير المنتجات تتفاقم هي الأخرى بشكل مقلق في جميع أنحاء العالم، فعلى مستوى السلع، ضبطت شرطة الجمارك في الاتحاد الأوروبي، في عام 2013، أكثر من 36 مليون مُنتَج يُشتَبه في أنه ينتهك حقوق الملكية الفكرية، وهذا الرقم ليس سوى غيض من فيض، فبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، يبلغ الحجم السنوي للتجارة الدولية في المنتجات المزيفة نحو 250 مليار دولار، وهي مبالغ تفلت على الأغلب من الجباية وتلحق ضررا بمصانع المنتجات ذات العلامة التجارية.

في هذا الإطار، تعتبر سويسرا، الرائدة في الصناعات التصديرية، من بين البلدان الأكثر تضررا، والأسوأ وضعا، وفق تحذير مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، الذي يشير إلى أن هذه التجارة غير المشروعة تتحكم بها، وبشكل متزايد، الجريمة المنظمة والمافيا – كعصابة كامورا نابولي الإيطالية وتريادي الصينية وياكوزا اليابانية – نظرا لكونها مصدرا للدخل أقل خطورة قانونية من الاتجار بالمخدرات ومن غيرها من الأعمال غير المشروعة.

كما أن إنتاج السلع المُقلدة لا يخضع للرقابة الإجتماعية ولا البيئية، وغالبا ما تتم صناعة المنتجات دون أي اعتبار لقواعد الأمان ولا لحقوق العمال وسلامتهم ولا لحظر عمالة الأطفال، وهذا يعني بأن الخطر لا يقع على المنتجين وحدهم، ولكن أيضا على المستهلكين للأدوية المزيّفة والمواد الغذائية المغشوشة والمواد الكيميائية وغيرها من المنتجات المعيبة، التي راح ضحيتها الملايين في جميع أنحاء العالم.

التجارة عبر الإنترنت

منذ سنوات، يتركز اهتمام مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات ومنظمة الجمارك العالمية على تجارة المنتجات المضروبة، كما تحث الهيئتان الدول الأعضاء على تشديد اللوائح القانونية وتعزيز الرقابة للحد من هذه الظاهرة، وقد قامت سويسرا في عام 2008 بتعضيد الجهاز القانوني باتخاذ إجراءات من بينها فرض حظر على استيراد السلع المقلدة، في حين، لا يزال مجرد حيازة هذه المنتجات لا يقع تحت طائلة العقوبة القانونية، وهو ما أكدته المحكمة الفدرالية في شهر يناير 2015.

في هذا الإطار، "يهدف التشريع السويسري بشأن التزوير والقرصنة إلى تجنيب السوق السويسرية هذا النوع من البضائع، وليس تجريم المستهلكين من الأفراد، الذين قد لا يكونون، بحسب الحال، يعلمون بأنها سلع مزورة"، على حد قول سابين دانليكر، مديرة جمعية "وقف القرصنة"، التي تأسست من قبل السلطات وبعض الشركات في عام 2007، والمسؤولة عن رفع مستوى الوعي العام حول مآلات التقليد، وتعمل منذ سنوات على الحد من استيراد المواد المزورة من قبل السياح، ويبدو أن جهودها في هذا المضمار تؤتي أكلا.

ما يصعب على شرطة الجمارك، هو مراقبة التدفق الهائل للسلع المقلدة القادمة من جميع أنحاء العالم عن طريق البريد، وكذلك النقل التجاري البري والبحري، وهذه سوق متعاظمة، لا سيما من خلال شبكة الإنترنت، وقد سجلت مصلحة الجمارك زيادة في الواردات من السلع المقلدة، التي تم شراؤها عبر الإنترنت واستيرادها على شكل طرود صغيرة ومفرقة، ولعله بالإمكان القول أن الطفرة التي تشهدها التجارة الإلكترونية فاجأت، على غير استعداد، المشرعين في جميع البلدان.

أمل جديد

على كل حال، يبقى من العسير بالنسبة لمنتجي البضائع الأصلية التوصل إلى إقرار حقهم في حماية الملكية الفكرية أمام السلطات والمحاكم في الدول التي يحصل فيها التزييف. في المقابل، فإن ما تمارسه الحكومات والمنظمات الدولية من ضغوط على تلك الدول لحضها على التعاون لم يُسفر حتى الآن عن النتائج المرجوة.

وفي هذا السياق، ثمة تغييران مهمان قد يكون لهما أثر ايجابي على الصناعات التصديرية السويسرية، أحدهما يتمثل في انطلاق العمل، ابتداء من 1 يناير 2017، بالقانون الجديد المعروف اختصار بـ "سويس نِس Swissness"، الذي يحدد شروط استخدام العلامة التجارية السويسرية في السوق العالمية.

وثانيهما، والذي قد يكون له أثر أكبر، فهو التطبيق خلال السنوات المقبلة، للبنود الواردة في اتفاقية التجارة الحرة مع الصين، التي تعتبر أكبر منتج للسلع المقلدة في العالم، وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 يوليو 2014، وهي "تتضمّن فصلا جوهريا فيما يخص حماية الملكية الفكرية"، كما ذكرت سابين دانليكر، التي أشارت أيضا إلى أن الصين "التزمت بالتعاون وتقديم المساعدة، ليس بشأن الواردات فحسب، وإنما أيضا بشأن الصادرات، وسواء فيما يتعلق بتقليد السلع ذات العلامات التجارية، أو بانتهاكات حقوق التأليف وبراءات الإختراع والتصميم".

والآن، علينا أن ننتظر لنرى مدى التقيّد الفعلي بتلك الإلتزامات المكتوبة.

نيسان ـ نشر في 2015-11-10 الساعة 14:03

الكلمات الأكثر بحثاً