اتصل بنا
 

انتخابات فاترة وصيف لاهب

نيسان ـ محرر الشؤون السياسية ـ نشر في 2024-06-15 الساعة 12:19

x
نيسان ـ ارتفعت سخونة الانتخابات على وقع ارتفاع درجات الحرارة في المدن الأردنية فوق معدلاتها المعتادة، ما يبشر الأردنيين بصيف ساخن هذا العام، لكن هذا لم ينعكس إيجابا، بالشكل الكافي، على حماسة الشارع الانتخابي في العاصمة والمدن الكبرى مثل الزرقاء وإربد، إذ ما زالت بعض الأصوات المنادية بمقاطعة الانتخابات يلقى صداها تجاوبا، ليس لسبب يتعلق بالانتخابات مباشرة، بل بسبب المعارك الدائرة في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، حيث ما زالت القوات الصهيونية تشن حرب إبادة ممنهجة لأهل قطاع غزة، ويستمر ذلك منذ ما يزيد على ثمانية أشهر، من دون صدور تضامن عربي، رسمي أو شعبي بالمستوى اللائق المطلوب.
تُعزز هذه الانطباعات حالة عدم اكتراث للانتخابات، تبديها الحركة الإسلامية، وهذا لا يعني نيتها مقاطعة الانتخابات، لكنه ضرب من ضروب استثمار الحالة بالوكالة، إن صحّ التعبير، حيث يدمغ كثيرون الإخوان المسلمين وحراكهم السياسي في عمان بحالة من الترابط مع حركة حماس في قطاع غزة المنكوب، وربما يسعون لإعطاء أصواتهم لحزب جبهة العمل الإسلامي كنوع من أنواع التبرع بها لدعم حالة المقاومة في غزة والضفة الفلسطينيتين.
هذه الأجواء جعلت كثيرين، من أصحاب المهارات التحليلية، يسرحون بخيالاتهم إلى ما هو أبعد من الواقع في تقدير قدرات الحركة الإسلامية الانتخابية، بل هم يبالغون في حجم التأييد الذي ستحصده الحركة حتى وصلت التنبؤات إلى أن يحصد الإسلاميون من المقاعد النيابية 25- 60 % ، وهو ما يوفر تخوفات ثقيلة لدى بعض المستويات السياسية والأمنية، ويجعل في الوقت نفسه هاجس تأجيل الانتخابات حاضرًا، حتى بعد أن صدرت الإرادة المَلِكية بإجراء الانتخابات، وهو الأمر المستبعد بالطبع، لكن الحيرة الرسمية في هذا الشأن، واقعيًا، قد تؤدي إلى تسليم الجوانب التنفيذية في الانتخابات، من الناحية الإشرافية، لبعض الغلاة ممن يقفون عادة ضد الشفافية ويؤيدون هندسة الانتخابات لضمان مخرجاتها بحيث تكون آمنة وضمن المستوى الديمقراطي المسموح به تاريخيا.
من المؤكد أيضا أن تطبيق قانون الانتخاب الجديد جعل الأمر أكثر صعوبة، من ناحيتين، فقد أعطى القانون حصة من المقاعد للأحزاب، إذ تُخاض الانتخابات فيها على قاعدة القائمة الحزبية المغلقة، وتحديد ترشح المستقلين من خلال قوائم انتخابية من ناحية، ومن ناحية أخرى بروز عدد كبير من الأحزاب البرامجية، التي تحظى بالرضا الرسمي حيث تم تأسيسها على عجل قبيل الانتخابات بعام واحد، وتم حشوها بالشخصيات الرسمية الموالية من وزراء ونواب وأعيان سابقين، وقد فسّر ذلك، بعض قراء المشهد؛ بأنها حالة من حالات استنفار الطبقة السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي في الأردن خلال العقدين الماضيين بهدف بقائها في السلطة، وذلك في حالة من حالات الصراع الطبقي التي تحاول فيها تلك الطبقة منع وصول الطبقات المهمشة الواسعة لمراكز القرار، والحد من وصولها للبرلمان، خوفا من أن تمارس حالة من الثأرية إزاء من استأثروا بالسلطة على مدى العقود الماضية وعاثوا فيها فسادا وسوء إدارة.
ما بدا لافتا من ناحية أخرى، هو تأخر تشكُّل القوائم المحلية في المحافظات، حيث وقع المترشحون للانتخابات بين خيارين أحلاهما مرُّ، فمن ناحية يجب على كل مترشح اختيار حليف أو حلفاء أقوياء في القائمة لتحصيل كم من الأصوات تبلغ وتتجاوز العتبة وبلوغ مرحلة المنافسة مع القوائم الأخرى، لكنهم يخشون فوز الحلفاء الأقوياء، بالمقابل؛ إن هُم اختاروا حلفاء أضعف منهم تكون الخشية أن لا تبلغ الكتلة العتبة والدرجة التي تكون فيها في مستوى المنافسة، وهذا ما جعل حالة التردد مسيطرة على النشاط الانتخابي في الدوائر المحلية.
أما ما أخر ظهور القوائم الحزبية فهو شأن آخر تماما، حيث طوى الإخوان المسلمون ملف الانتخابات ولم يكثروا من الحديث فيه ما جعل موقفهم محاطا بالكثير من الغموض وهذا لجهة المشاركة من عدمها، وقد جرى ذلك طبعًا مع وجود تيار عريض من (عقلائهم) يؤيدون حالة الاشتباك الإيجابي مع المستويات السياسية والأمنية، بهدف تجاوز الملف الأمني الصعب المطروح قبل فترة وجيزة والمتعلق ببعض عناصر وخلايا الإخوان الضالعين في عمليات تهريب أسلحة وذخائر.
أما الأحزاب الوسطية فشأنها شأن آخر؛ حيث تدور معركة صاخبة في أروقتها، وقودها تقاسم المقاعد النيابية، بمشهد يذكرنا أن هذه الطبقة هي بنت التنفيعات والهبات، لكنها البنت التي تأبى حالة الفطام والإبعاد الرسمي لها، فتود العودة بأي شكل إلى غرف القرار، حتى لو بالقفز من الشبابيك والمناور، وقد سمع الجميع بأحاديث عن مبالغ كبيرة تدفع أثمانا للمقاعد الأولى في القوائم الحزبية، وبالمناسبة هذا ليس بالبعيد عن شحبار المال الأسود، لكن الجميع، في مراكز القرار، يغضون الطرف عن هذا المستوى كي لا يتحول هؤلاء السياسيون إلى عضوية حزب الغاضبين من المتقاعدين والذين فقدوا كراسيهم.
وفي طرف المشهد، تطل مجموعة من الأحزاب التقدمية واليسارية والقومية، وهي مجموعة من الأحزاب التي تتوافق في برامجها ورؤاها لكن قلوبهم شتى، المهم أن الانتخابات النيابية لهذا العام، وفي ظل القانون الجديد، وفي ظل ازدحام الساحة بالأحزاب العملية الخفيفة الحركة، وجد عتاة اليسار أنفسهم ويكأنهم في يوم الحشر، فقد أجبرت هذه المجموعات، بضغوط ليست خفية تماما، على تحالف واسع، يهدف رسميا لإكمال تلوين اللوحة الفسيفسائية، لكن الطريق ما زال طويلا أمام جيش متهالك شعبيا، يعاني من بعض الاختلالات العقائدية ومن كثرة الضباط والمسؤولين وقلة الجنود والمقاتلين، لذلك لجأت هذه الأحزاب لترشيح بعض الأسماء التي تحظى بالتأييد الشعبي، وبعض آخر ممن يمتلكون حواضن اجتماعية قوية.

نيسان ـ محرر الشؤون السياسية ـ نشر في 2024-06-15 الساعة 12:19

الكلمات الأكثر بحثاً