(ثنائية البرشارياليّة)
بكر السواعدة
أكاديمي وشاعر أردني
نيسان ـ نشر في 2015-11-22 الساعة 23:38
يشهد العالم في هذه الأيّام ظاهرة ليست بالجديدة، لكنّها أخذت تظهر الآن بشكل أكثر وضوحًا وأعمق أثرًا، إنّها ظاهرة الثنائيّة أو ما يسمّى ظاهرة القطبين.
كانت هذه الظاهرة ومنذ بداية نشأتها بادية في النواحي السياسيّة والعقَديّة؛ فأفرزت تيارات متصارعة متناحرة يحاول كلّ طرف فيها طمس الطرف الآخر وإقصاءه ليسود العالمَ ويملي عليه أفكاره ورؤاه.
وبما أنّ هذه الظاهرة قد تلاشت أو كادت على المستوى السياسيّ بظهور القطب الواحد كان لا بدّ من إيجاد البديل القادر على إبقاء العالم دائرًا في فلك الفرقة والتنازع، بعيدًا عن السياسة التي لم يعد للازدواجيّة فيه أيّ مكان في ظل هيمنة سيّدة العالم أجمع، أعني الولايات المتحدة الأمريكيّة، فنقلت هذه الفكرة إلى الرياضة؛ لما رأوا من افتتان الناس بها وتعلّقهم برموزها، فظهر ما يسمّى (الديربي) على أن يكون موجودًا في أغلب دول العالم إن لم يكن كلّها، يثير الفتن بين أبناء الشعب الواحد، ويعزّز ما لديهم من عنصريّة وتفرقة.
وبما أنّ الوطن العربيّ جزء لا يتجزّأ من العالم كان لا بدّ من انتقال هذه العدوى إليه، فوجد في كلّ دولة ناديان يتقاسمان العدد الأكبر من المشجّعين، ممّا يسهم في إشعال نار العنصريّات العرقيّة والإقليميّة وربما الدينيّة.
ولكنّ الأمر اللافت أنّ هذه الثنائيات تجاوزت الحدود الجغرافيّة؛ لعجز الأندية المحلّيّة عن إشباع رغبات الجماهير، إمّا تقليلاً من شأنها أو تقليدًا للغرب الذي يرونه أكثر تحضّرًا وتميّزً، فاتّجهت الأنظار إلى برشلونة وريال مدريد دون أن يعلم أحد سبب اختيار هذين الناديين بالتحديد، سيما أن أوروبا تعجّ بالفرق الكبيرة التي قد تضاهي هذين الفريقين.
فانقسم العرب بين هذين الناديين دون أن يعرف أحد سبب اختيار أحد الفريقين دون الآخر.
والمزعج أنّ هذه الظاهرة (البرشارياليّة) أخذت تتفشّى بشكل غير منطقي، بل إنّها بدأت تؤثر في أذواق بعض الناس وأفكارهم، بل تعدّت ذلك إلى تصدّرها قائمة القضايا الأكثر أهميّة لدى كثير من الناس، في مجالسهم وجامعاتهم ومدارسهم وحتّى بيوتهم، وكثيرًا ما انتهت هذه النقاشات بمشاجرات قد تكون دمويّة في بعض الأحيان.
بقي أن نقول إنّ خطورة هذه الظاهرة لا تنحصر في حدود التشجيع، بل تتعدّى ذلك إلى حدود التعامي عن القضايا الأساسيّة التي يجب أن نوليها اهتمامنا ورعايتنا، وبدلاً من التصدّي لهذا الغزو الفكريّ المقنّن والمدروس أخذ الشباب ينساق وراء تقليدهم وجعلهم ابطالاً ومثلاً أعلى متناسين أنّ لهم مرجعيّات يجب أن يعودوا إليها، وأنّ عليهم مسؤوليّات يجب أن يضطلعوا بها لتحرير أنفسهم ومجتمعاتهم من نير الاستعباد الغربيّ.


