اتصل بنا
 

ارتفاع مؤشر الخوف.. هل تشعل 'عاصفة الرسوم' فتيل أزمة عالمية؟

نيسان ـ نشر في 2025-03-13 الساعة 14:34

x
نيسان ـ تعكس العديد من المؤشرات الاقتصادية في الأسواق العالمية حالة من الترقب والقلق، في وقت تلعب فيه التوترات التجارية والسياسات النقدية دوراً محورياً في توجيه دفة الاستثمار.
شهد مؤشر التقلبات VIX، المعروف باسم «مؤشر الخوف»، ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأيام الماضية، ما يعكس تصاعد حالة القلق العالمي بشأن مستقبل الأسواق المالية.
ووصل المؤشر، الذي يقيس توقعات المستثمرين للتقلبات في الأسواق، أعلى مستوياته في نحو سبعة أشهر، ليجسد حالة عدم اليقين التي تخيم على الأجواء التجارية والاقتصادية.
جاء هذا الصعود مدفوعاً بجملة من العوامل؛ أبرزها السياسات التجارية المتشددة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما في ذلك فرض رسوم جمركية إضافية لم تستثنِ الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وأقرب شركاء التجارة لها، وهي الإجراءات، التي أثارت موجة من ردود الأفعال الانتقامية التي زادت من اضطراب المشهد الاقتصادي، ودفعت المستثمرين للجوء إلى الملاذات الآمنة والابتعاد عن أصول المخاطرة.
وقد تمت ترجمة ذلك عملياً في التراجعات الحادة التي شهدتها «وول ستريت» في بداية الأسبوع الجاري، في رسالة عاصفة بعثت بها الأسواق الأمريكية رداً على «رسوم ترامب الجمركية» وتصاعد حالة عدم اليقين حيال تأثيراتها على الاقتصاد الأمريكي وشبح «الركود» الذي يطل برأسه، رغم تقليل المسؤولين الأمريكيين من هذه الفرضية.
ثلاثة أسباب رئيسية
الأستاذ في قسم التمويل في جامعة فلوريدا، الرئيس السابق لجمعية الإدارة المالية، جاي آر.ريتر، يشير في حديثه مع «البيان» إلى ثلاثة أسباب رئيسية جراء ارتفاع مؤشر الخوف العالمي؛ وهي: (التطورات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا) وكذلك (التطورات في الشرق الأوسط) والأهم من ذلك، التحركات المتذبذبة لإدارة ترامب في العديد من القضايا؛ وأهمها بدء الحرب التجارية.
تشعر الأسواق المالية بالقلق إزاء تعامل إدارة ترامب مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى وشركائها التجاريين كأعداء ومنافسين، بدلاً من شركاء، مع عدم انتقادها لروسيا (الحرب في أوكرانيا).
ويضيف: تتمتع اقتصادات الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بتبادل تجاري واسع عبر الحدود، بما في ذلك سلاسل توريد متكاملة، مما يعود بالنفع على الدول الثلاث.
وفي هذا السياق، تشعر الأسواق المالية بالقلق من أن يؤدي انخفاض التجارة إلى تحول العلاقة بين الدول من علاقة «رابحة للجميع» إلى علاقة «خاسرة للجميع».
ووفق الاقتصادي الأمريكي، «فإنه نظراً لتغير سياسات ترامب يوماً تلو الآخر، فليس من الواضح إلى أي مدى سوف تسوء الأمور».
وكان مؤشر الخوف قد سجل ارتفاعاً كبيراً مطلع الأسبوع بنحو 20% أثناء تعاملات الاثنين الماضي، وبينما «وول ستريت» تسجل خسائر حادة، قبل أن تتقلص تلك الخسائر نسبياً لاحقاً، لكنه لا يزال عند مستويات مرتفعة نسبياً، في إشارة واضحة إلى أن التوترات التجارية العالمية باتت عاملاً ضاغطاً على المعنويات الاستثمارية.
هذا الارتفاع يثير مخاوف من أن يؤدي استمرار هذه التوترات إلى أزمة مالية أوسع نطاقاً، خصوصاً في ظل غياب حلول ملموسة تضع حداً للحرب التجارية.
مؤشر عدم اليقين
لكن أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز بالولايات المتحدة، كينيث ن. كوتنر، يقول لـ«البيان»، إن المثير للدهشة أن مؤشر عدم اليقين في السياسات الاقتصادية ارتفع بشكل أكبر من ارتفاعات مؤشر التقلب الذي يلامس مستوياته السابقة المسجلة في يوليو 2024، بينما مؤشر عدم اليقين في السياسات الاقتصادية قفز إلى مستويات غير مسبوقة منذ جائحة كورونا في 2020.
ويعتقد بأن السبب وراء القفزة في حالة عدم اليقين الراهنة التي تعكسها قفزات المؤشر على ذلك النحو تعكس عدة عوامل رئيسية في الولايات المتحدة، من بينها سياسات الرسوم الجمركية (التي يتبعها الرئيس دونالد ترامب) وإجراءات إدارة الكفاءة الحكومية (التي يقودها إيلون ماسك) وإمكانية حدوث إغلاق حكومي، موضحاً أنه «مع كل هذه الفوضى، يثير الأمر قلقاً للغاية.. ومن المرجح أن يكون له تأثير سلبي أكبر على الاقتصاد الأمريكي من ارتفاع مؤشر التقلبات».
وترسم البيانات الأخيرة التي تعكس تصاعد حالة عدم اليقين، ملامح مرحلة دقيقة تمر بها الأسواق العالمية، حيث أصبح المستثمرون أكثر حذراً في ظل مناخ اقتصادي غير مستقر.
ومع استمرار السياسات الحمائية وردود الأفعال المتبادلة، تبقى الأنظار مسلطة على كيفية تفاعل الأسواق مع هذه التغيرات، وما إذا كانت هذه التقلبات مجرد عاصفة عابرة أم مقدمة لأزمة عالمية أعمق.
في الولايات المتحدة، أظهر استطلاع «ثقة المستهلك» الصادرة عن جامعة ميشيغان، انخفاضاً في فبراير إلى 67.8، علاوة على أن المستهلكين يتوقعون أن يصل معدل التضخم السنوي إلى 4.3 % (أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2023). إلى جانب عديد من المؤشرات السلبية التي تثير المخاوف بشأن أكبر اقتصاد في العالم.
وخفض جولدمان ساكس ومورغان ستانلي توقعات النمو للاقتصاد الأمريكي؛ مع تصاعد المخاوف المرتبطة بتأثيرات الرسوم الجمركية وما يرتبط بها من حالة عدم يقين.
أزمة عالمية جديدة
في هذا السياق، يرى الأستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا، جوناثان أرونسون، أن العالم على شفا أزمة عالمية جديدة، مشيراً لدى حديثه مع «البيان» إلى أن «الحروب التجارية دائماً ما تكون قاسية على كل الأطراف».
ويعتقد أن «حالة عدم اليقين التي أحدثتها سياسات ترامب المتغيرة باستمرار تُثير ردود فعل انتقامية وتُزعزع استقرار الدول والشركات والأسواق والمستهلكين من جميع الجهات».
وحذر صندوق النقد الدولي من التبعات الأوسع نطاقاً للرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي. لكن مديرة الصندوق، كريستالينا غورغييفا، قالت في الوقت نفسه، في شهر فبراير الماضي، إنه لا يزال من المبكر تقييم تأثير الرسوم على الاقتصاد. وقبيل أيام، خصّ الصندوق اقتصادات أوروبا الوسطى (التي تعتمد على الصادرات) بالتحذير من مخاطر تباطؤ نمو التجارة العالمية الناجمة عن تهديدات الرسوم الجمركية.
الاضطراب الكبير
رئيس الكونسورتيوم الأوروبي للأبحاث السياسية، أستاذة العلوم السياسية جامعة فيكتوريا، الدكتورة إيمي فيردان، تقول لـ«البيان»: «نشهد فترة من الاضطراب الكبير.. لقد أثرت تصرفات رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، على الأسواق بشكل واضح.. ويشعر الناس بالقلق تجاه قراراته المتعلقة بالرسوم الجمركية، وسياساته تجاه الوكالات الحكومية، وكذلك سياسته الخارجية.. ويخشى العديد من المراقبين أن مواقفه لا تخضع لدراسة متأنية، ومثال على ذلك ما يحدث بشأن الرسوم الجمركية المتذبذبة مع كندا»، في إشارة للتراجع أو تأجيل بعض الرسوم.
وصدرت خلال الأيام القليلة الماضية «تصريحات نارية» من كلا الجانبين - من كندا (رئيس وزراء أونتاريو، دوغ فورد) ومن الرئيس الأمريكي- مما زاد من حالة عدم اليقين في الأوساط الاقتصادية. فيما لا يزال من غير الواضح ما الذي ستشمله الرسوم الجمركية في نهاية المطاف.
وتضيف: «كما يشعر الناس بالقلق إزاء تقارب ترامب مع روسيا على حساب أوكرانيا.. ولا تزال الأصداء قائمة بعد الموقف الذي اتخذه ترامب ونائبه جي دي فانس عندما أبديا فتوراً واضحاً تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو ما ترك أثراً خارج الولايات المتحدة أيضاً».
بالإضافة إلى ذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة من المؤسسات الدولية يدفع العديد من الجهات الفاعلة والحكومات الأجنبية إلى إعادة النظر في ملامح النظام العالمي الجديد.
وفي تقدير فيردان، فإنه «من غير الواضح ما إذا كان هذا الغموض الحالي سيؤدي إلى أزمة عالمية»، مردفة: «يبدو أننا نشهد تحولات جذرية في السياسة الخارجية، لكنها في الوقت ذاته تُركّز أنظار قادة العالم بشكل متسارع.. وتسعى كندا على سبيل المثال إلى تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، فيما تبحث العديد من الأطراف الدولية عن حلفاء جدد في ظل النهج الانعزالي الذي تتبناه الإدارة الأمريكية».
تشعر كل من كندا والمكسيك بالضرر الأكبر، بينما تدرس دول أخرى أفضل السبل للرد. ومع التصرفات المتقلبة للولايات المتحدة، يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت السياسات المُعلنة مؤخراً ستُصبح دائمة.
كما يبدو أن الحكومة الأمريكية تسعى لإحداث تغيير، لكن الرؤية العميقة لهذا التوجه لا تزال غير واضحة، في تقدير أستاذة العلوم السياسية جامعة فيكتوريا، التي تقول إن القوى الدولية تعمل في المقابل على صياغة ردود فعل فعالة. وحده الوقت سيكشف عن التداعيات طويلة الأمد لهذه التحولات.

نيسان ـ نشر في 2025-03-13 الساعة 14:34

الكلمات الأكثر بحثاً