اتصل بنا
 

من يمثّل الإسلام؟

نيسان ـ تامر خرمة ـ نشر في 2017-07-02 الساعة 17:39

x
نيسان ـ

تامر خرمه- كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، الذي أسّسه مصطفى كمال أتاتورك، يقود مسيرة انطلقت من العاصمة أنقرة باتّجاه مدينة اسطنبول، حيث من المقرّر أن يعبر المشاركون مسافة 450 كلم مشياً على الأقدام، تحت شعار 'مسيرة من أجل العدالة'.

وتأتي هذه المسيرة إثر اعتقال أحد ممثّلي الحزب في البرلمان، وهو إنيس أوغلو، الذي حكم عليه بالسجن 25 عاماً، بتهمة كشف أسرار الدولة لإحدى الصحف. ومن جهته اتّهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان المشاركون في هذه المسيرة بـ 'دعم الإرهاب'.
تهمة 'دعم الإرهاب' باتت اليوم وصفة سريعة التحضير، تلقي بها الحكومة التركيّة على كلّ من يعلن معارضته لسياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، منذ إفشال محاولة الإنقلاب، التي اتّهم الإسلامي فتح الله غولان بتدبيرها صيف العام الماضي.
هذا الوضع الذي ساد في تركيا بعد منح أردوغان صلاحيّات واسعة إثر تعديل دستور البلاد، وإسقاط الحصانة عن أعضاء البرلمان الذين تصدر بحقّهم أحكاماً قضائيّة، وضع الأقليّة الكرديّة في مهبّ المخاطر، حيث تعرّض نوّاب حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يضمّ أكراداً وأتراكاً يساريّين، لشتّى صنوف التنكيل، ناهيك باعتقال قيادات الحزب وعدد من أعضائه.
المشهد التركي يعكس اليوم بشكل صريح مقولة أن الأخوان المسلمين، ونظرائهم في أحزاب الإسلام السياسي، يستغلّون الديمقراطيّة لبلوغ السلطة، ومن ثمّ اجتثاث هذا المفهوم 'الدنيوي' و'الغربي' من جذوره. الرئيس أردوغان يتمتّع اليوم بصلاحيّات تقترب إلى تلك التي كان يتمتّع بها الدكتاتور بشار الأسد، قبل انفجار الأوضاع في سوريّة.
وفي الأردن، يتمتّع أردوغان بشعبيّة واسعة، وتأييد منقطع النظير، لم ينله أيّ من الزعماء العرب، حيث تتّخذ جماعة الأخوان المسلمين -أكبر أحزاب المعارضة الأردنيّة- وقاعدتها الشعبيّة من أردوغان أنموذجاً يتغنّون به ليل نهار، ولا ننسى كيف قامت الدنيا ولم تقعد على صفحات التواصل الاجتماعي، خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، أو المختلقة، كما يصفها بعض رموز المعارضة التركيّة.
ولكن هل يعني هذا أن 'أخوان الأردن'، يحلمون بالوصول إلى السلطة، ومن ثمّ الانقلاب عليها؟ وهل ينبغي لهذه الفرضيّة أن تكون مبرّراً لتصفية الجماعة؟!
قبل محاولة الإجابة على هذا التساؤل لنعد قليلاً إلى المشهد التركي، ونتذكّر أن إفشال محاولة الانقلاب -سواء أكانت مدبّرة أو مختلقة- تمّت على يد غالبيّة الشعب التركي. حتّى أحزاب المعارضة رفضت الإنقلابيّين وقتها. هذا من جهة.
من جهة أخرى لا يمكن إنكار حقيقة استحالة وصول أردوغان إلى ما يتمتّع به اليوم من صلاحيّات وسلطات، لولا إرادة غالبيّة الأتراك. وفي حال قرّرت هذه الأغلبيّة التخلّي عن ركائز الديمقراطيّة التي أرساها أتاتورك فهذا شأنها وحدها، طبعاً في حال عدم اضطهاد الأقليّة واحترامها، وهو عكس ما يحدث اليوم بالمناسبة.
والآن لنكمل 'الكزدورة' في قنوات توقّعات مصير 'أخوان الأردن'، الذين يدفعون اليوم ثمناً باهظاً لطموحهم بالشراكة السياسيّة خلال الربيع العربي، الذي شهده الأردن حتّى قبل اندلاع ثورة يناير في مصر.
سياسات 'الأمن الناعم' نجحت في تحقيق ما يمكن وصفه بـ 'الحلّ الناعم' للجماعة، التي قلّمت السلطة أظافرها الطامحة، عبر العزف على وتر تناقضاتها الداخليّة، قبل إرغامها 'بنعومة' على القبول بما قدّر لها من مقاعد في البرلمان، بعد إعداد قانون انتخاب يصعب وصفه بغير الديمقراطيّ، رغم أنّه يضمن عدم حصول الأخوان على الأغلبيّة النيابيّة.
السلطة وضعت الأخوان في المكان التي تراه مناسباً لحجم الجماعة، وذلك رغم أن الطموح السياسي الذي داعب أجفان قيادات حزب جبهة العمل الإسلامي ذات ربيع، لم يقترب على الإطلاق من الطموح الذي جمح بالأخوان في مصر، حتّى مكّنهم من بلوغ الرئاسة، قبل الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.
أقصى ما حلم به أخوان الأردن هو اكتساب 'شرعيّة' تمثيل الإسلام على المستوى الشعبي، وكسب أغلبيّة نيابيّة، وربّما عدّة حقائب وزاريّة، باستثناء الحقائب السياديّة، التي سيضع اكتسابها الجماعة في مأزق صعب، نتيجة التزام الأردن بمعاهدة وادي عربة المشؤومة.
ولكن اليوم تواضعت أحلام الأخوان إلى درجة غير مسبوقة، فبعد فشل 'أخوان مصر'، وعزل المحور التركي- القطري، جنح أخوان الأردن إلى إثبات الوجود عبر خوض معارك جانبيّة، كمحاربة مشروع ليلى، ومطاردة المقاهي التي فتحت أبوابها في رمضان لإيواء غير الصائمين.
أمّا تمثيل الإسلام فباتت مهمّة رسميّة يحظر الاقتراب منها على أيّ كان. تمثيل 'الإسلام المعتدل' في 'الحرب على الإرهاب' أصبحت لغة القصر التي يخاطب بها العالم بأسره، ولك أن تتخيّل حجم ما يطمح الأردن الرسمي بتحقيقه من مكاسب في هذا السياق.
وفي النتيجة باتت جماعة الأخوان المسلمين في الأردن مجرّدة من أيّ طموح سياسيّ يمكن تحقيقه على المدى القريب، وقد تؤول الأحوال إلى ما هو أسوأ بكثير، نتيجة لأزمة الخليج.. ولكن ما هي النتائج التي قد يتمخّض عنها هذا الوضع؟!
قد تنجح دوائر صنع القرار بإقناع العالم بأسره، بأن الأردن الرسمي هو الخيار الأنسب لتمثيل الإسلام المعتدل، ولكن يصعب تحقيق هذا على المستوى الشعبي الداخلي دون إجراء إصلاحات اقتصاديّة جذريّة، تضمن تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وتسهم في حلّ مشاكل الفقر والبطالة، التي أسهمت في تفاقم الجرائم خلال السنوات الماضية، ناهيك بدفع كثير من الشباب إلى خيار التطرّف.
وفي النتيجة، فإن حرمان الأخوان من أيّ طموح سياسيّ، ومحاربتهم نتيجة افتراض استغلالهم للديمقراطيّة قبل الانقضاض عليها، سيجعل من المتطرّفين لاعباً أساسيّاً في منافسة الأردن الرسمي على تمثيل الإسلام، ليصبح الشارع بين إسلام رسمي 'معتدل' لا يضمن للناس قوت يومهم، وبين تطرّف يعد العاطلين عن العمل بأنهار خمر وحور عين!

نيسان ـ تامر خرمة ـ نشر في 2017-07-02 الساعة 17:39

الكلمات الأكثر بحثاً