اتصل بنا
 

العلاقة بين المواطن والدولة.. الحقوق قبل الواجبات

كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

نيسان ـ نشر في 2018-01-20 الساعة 13:22

نيسان ـ

في العالم العربي، نعيش حالة رعبٍ مزمنة مع الدولة، التي طالما لعبت دور الله في حياة البشر. فالخوف، والذي هو أكبر معيقٍ في وجه تقدم الحياة يعشعش داخلنا. وذلك لأن الدولة هي الوجه الصارم للقانون في أقصى تجلياته، وقد تسمح الدولة لنفسها التلاعب بالقانون كيفما تشاء، وبالتالي تتلاعب في حياة المواطن ومصيره مثلما يحلو لها.

الدولة هي الأجهزة الأمنية برمتها والتي لا تتغير بالضرورة مع تغير الحكومة. ورأس الدولة، وعلى الأغلب رأس الحكومة ، هو الزعيم العربي المطلق والخالد. وإن لزم الأمر، فهو من يلعب دورالله الذي يصنع القانون، حتى لو جاء ذلك بشكلٍ آني ولحظي وغير مدروس. ففي ضوء كل ذلك، كيف يحدد المواطن علاقته بالدولة والحكومة؟ وهل هما وجهان لعملة واحدة؟

قبل أن أخوض في تركيبة الدولة العربية، سأطرح المثال الغربي التالي؛ الملكة إليزابيث الثانية تجلس على عرشها الملكي في بريطانيا، وعلى رأس دولة المملكة المتحدة وعلى رأس الكنيسة. لكنها لا تحكم الشعب ولا تتدخل في السياسة، وهي بمثابة رمز لعراقة أسرتها المالكة وعراقة الدولة والشعب في آن. من يحكم الشعب هو رئيس الوزراء المنتخب، ويكون في العادة مرشحًا عن أحد الأحزاب. وإذا أراد تغيير أية قوانين أو إتخاذ إجراءات اشتثنائية كشن حرب مثلاً، فإن عليه أن يمررها من خلال مجلسي الشعب المنتخب واللوردات المعين. وليس من المبالغة القول أن عملية تغيير القوانين تكون بطيئة، لأنها تتعرض للنقاش والحوار وتتداولها الصحافة ويبدي الشعب رأيه فيها. أضف إلى ذلك، قصر مدة حكم رئيس الوزراء، التي يجب أن لا تتجاوز دورتين انتخابيتين. وبالطبع، فإن رئيس الحزب الذي يفشل في الإنتخابات يقال أو يقيل نفسه لفشله في المهمة، وتتجدد الكرة في الدورة القادمة بوجوه جديدة ودم سياسي متدفق وصحي لحمل راية الحزب في الحملة الإنتخابية المقبلة. وهكذا دواليك، وهذا هو الحكم الديمقراطي.

أما بالنسبة للهيكلية الأمنية، فهي الأجهزة الأمنية برمتها وهي الجيش والمخابرات والشرطة وخلافه فهذه تكون ثابتة في الغالب ولا تتأثر من قريب أو بعيد بالإنتخابات، إلا إذا كانت محط نقاش لتغيير أو إضافة قوانين محددة. وهذه هي أجهزة الدولة والبالغة الحساسية. ونستطيع أن نقول أنها من الثوابت. وعلى عكس ما يعتقد البعض، فإن الشعب يخشى أجهزته الأمنية، التي بلا شك، تلعب هي الأخرى دور الله في حياة البشر، بمعنى الثواب والعقاب وفي تحديد سبل تطبيق القانون. أما الحكومة، فتعنى برسم وتطبيق السياسات المحلية والخارجية. وهناك بالطبع خطوط عريضة لها. ويتردد أن القضاء البريطاني مشهود له بنزاهته واستقلاليته. لكن نظريًا، يمكن أن تتقاطع خطوط الدولة والحكومة وعلى الأغلب القضاء أيضًا في حالاتٍ استثنائية، حسبما تقتضي مصالح الدولة العليا.

إن تركيبة الدول العربية تختلف قليلاً، فالشيخ وهو كبير القوم، وممثلاً بالملك والأمير والسلطان ورئيس الجمهورية هو بمثابة المطلق، فهو الدولة وهو الحكومة وهو القانون وهو البلد حتى، فكأنه ورثها عن أبيه بعد أن حصد 99% من أصوات الناخبين. وربما قد زُج ب ال 1%، الذي لم يصوتون له، في السجون العفنة، حيث يتعرضون للتعذيب المشين. أو ربما قتلوا، لأنهم بعدم انتخابهم الرئيس الأزلي، قد أصبحوا يشكلوا تهديدًا للدولة. وحين يكون رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة، هذا يعني الإطباق التام والسيطرة التامة على كافة الأجهزة الأمنية، التي ينبغي أن تكون متوازية وتتمتع بشيء من الإستقلالية عن الحكومة. بل بإمكاننا القول أن الدولة قد تكون أقوى من الحكومة في الحالات الطبيعية. لذلك، لا يستطيع المواطن العربي أن يكسر الحلقة المفرغة، فيما إذا أراد أن يفرض عملية التغيير السياسي. وقد يكون هذا الأمر صحيح أيضًا في الدول الغربية، لأن الأنظمة الأمنية بطبيعتها، تبنى لتدوم.

نيسان ـ نشر في 2018-01-20 الساعة 13:22


رأي: سندس القيسي كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

الكلمات الأكثر بحثاً